نجحت فى كشف مسارات تمويل الجماعة الإرهابية

اليقظة الأمنية تجهض مؤامرات الخلايا النائمة

جانب من أوراق البنكنوت المضبوطة
جانب من أوراق البنكنوت المضبوطة

أحمد جمال

أحبطت وزارة الداخلية محاولة جديدة لإعادة إحياء نشاط تنظيم الإخوان الإرهابى الذى فقد قدرته التنظيمية والفكرية وبدا معتمداً بالأساس على حركة أمواله التى وضعها فى جعبة خلاياه النائمة من أجل توظيفها فى نشاطات تخريبية للجماعة الإرهابية، وهو ما يؤكد أن التنظيم توفى إكلنيكياً على أرض الواقع لكنه يتشبث بجهاز تنفس صناعى يعتمد عليه ليظل على قيد الحياة.

وضبطت الأجهزة الأمنية 8 ملايين و400 ألف دولار كان مقرراً توظيفها فى أنشطة اقتصادية واستثمارية مختلفة لصالح نشاطات الجماعة الإرهابية، فى ضربة قاصمة للبنية المالية للتنظيم من المتوقع أن تقود لمزيد من المعلومات الأخرى بشأن مسارات تمويل الجماعة والتى تحاول ضخها فى أسواق الاقتصاد الموازى بعيداً عن أعين الجهات الحكومية.

وقالت وزارة الداخلية إن معلومات قطاع الأمن الوطنى "أشارت إلى اضطلاع الإخوانى يحيى مهران عثمان كمال الدين - صاحب أكبر شركات الاستيراد والتصدير ويعمل فى مجال الملابس الجاهزة - بدور بارز فى ذلك المخطط باعتباره أحد الأذرع الرئيسية للقيادى الإخوانى المحبوس صفوان ثابت"، رجل الأعمال البارز ومؤسس شركة "جهينة".

وأوضحت أن ثابت كلّف مهران "باستغلال شركاته فى عمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم واستثمار عوائدها لصالح أنشطته الإرهابية فى محاولة للتحايل والالتفاف على إجراءات التحفظ القانونية المتخذة ضد الكيانات الاقتصادية المملوكة للتنظيم"، ووجدت أجهزة الأمن أن مهران استخدم إحدى الشقق السكنية فى إخفاء أموال جماعة الإخوان، وأن إحدى غرفها احتوت خزينة بداخلها على 8 ملايين و400 ألف دولار أمريكى وبعض العملات الأخرى، فضلا عن كمية من الذخائر".

وكانت النيابة العامة قد بدأت فى شهر ديسمبر الماضى التحقيق مع كلٍ من صفوان ثابت والسيد السويركى صاحب سلسلة محلات "التوحيد والنور"، فضلاً عن خالد الأزهرى وزير القوى العاملة الأسبق فى حكومة الإخوان، وأُزيح الستار عن تورطهما فى عمليات توظيف وغسيل أموال لصالح الجماعة الإرهابية، عبر ضخ أموال فى حسابات قيادات بالجماعة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية تقدر قيمتها بملايين الجنيهات.

وكشفت النيابة العامة فى التحقيق مع صفوان ثابت بالقضية 865 لسنة 2020، حصر أمن دولة عليا، عن ارتكابه عددا من الجرائم للإخلال بأمن الوطن، والنيل من مقوماته الاقتصادية، ووجهت له تهمة الإضرار بالاقتصاد القومى للبلاد، من خلال تجميع العملات الأجنبية، وتهريبها خارج البلاد، والعمل على تصعيد حالة عدم استقرار سعر صرف الدولار، لإجهاض الجهود المبذولة من جانب الدولة، لتحقيق الاستقرار الاقتصادى الذى ينشده الوطن.

وتعود أزمة رجل الأعمال صفوان ثابت إلى عام 2015، عندما أوقفت البورصة أكواده وجمدت حصته وأسهمه فى شركة جهينة للصناعات الغذائية، على خلفية وصول خطاب رسمى من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، حيث سبق أن أصدر المستشار عزت خميس، حينها، قرارًا بالتحفظ على أموال ثابت، لكن القرار لم يتضمن شركة جهينة ذاتها، نظرًا لوجود مساهمين آخرين.

وتسعى الأجهزة الأمنية لفك كافة الارتباطات التمويلية لجماعة الإخوان الإرهابية أولًا بأول، والتى تستهدف من خلالها الجماعة إحياء نشاطها مرة أخرى فى مصر، مما يؤكد على فاعلية وقوة القدرات المعلوماتية لأجهزة الأمن ونجاح الاستراتيجية الهادفة إلى حصار أنشطة الإخوان منذ عام 2013 وحتى الآن، والتى نتج عنها التحفظ على أموال أكثر من 1500 شخص تابع للجماعة هدفوا لتوظيف مئات المليارات فى أنشطة تصب فى صالح الجماعة.

قال منير أديب الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، إن أجهزة الأمن نجحت منذ العام 2013 فى تفكيك أغلب جماعات العنف وتحديداً تنظيم الإخوان الإرهابى وضربت البنى التحتية له وفككتها ولم يعد هناك مكتب للإرشاد ولا مجلس شورى ولا أماكن يمارسون من خلالها نشاطهم الذى توقف إلى حد كبير، ويحاول الآن إعادة إنتاج نفسه من جديد عبر استخدام المال الذى شكل عصب تلك المحاولات.

وأضاف أن جماعة الإخوان تستهدف استثمار الأموال التى بحوزتها من خلال رجال أعمال يتبعون لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهدف إعادة النشاط والإنفاق على عناصر التنظيم أو عائلات القيادات الموجودة فى السجون أو التى فرت هاربة للخارج، مشيراً إلى أن التنظيم لم ينته حتى هذه اللحظة بالرغم من اختفاء بعض فعالياته لكن نشاطات التجنيد وتمويل وسائل الإعلام استمرت طيلة السنوات الماضية، إضافة إلى بعض الفعاليات التى تنظمها فى الخارج وتكون بحاجة إلى الأموال.

وأشار إلى أن التنظيم الذى كان يعرفه الناس بشكله المعتاد اختفى لكن مخالبه السرية تعمل ولا يُعنى ذلك اختفاءه، إذ إن جماعة قديمة يبلغ عمرها ما يقرب من 100 عام لن تتنازل عن مشروعها بسهولة وتضع فى حسبانها أنها ستعود مرة أخرى وهو ما يجعلها حريصة على حركة الأموال بعد أن أضحت أفكارها غير جاذبة للمواطنين بل إنها أضحت منفرة ولم يعد لديها القدرة على الحضور.

يرى أديب أن قيمة الضربة الأخيرة أنها وصلت إلى حلقة جديدة فى الخلايا النائمة التى تستخدمها جماعة الإخوان لاستثمار أموالها، إذ إن الأسماء المعلنة والتى شاركت فى تدوير أموال الجماعة لم يكن معروفاً عنهم من قبل أنهم يتبعون التنظيم بشكل مباشر أو لديهم علاقات به، ما يشى بأن هناك حلقات أخرى قد يجرى الوصول إليها والإعلان عنها خلال الفترة المقبلة.

ولم تقتصر مواجهة الدولة مع تنظيم الإخوان الإرهابى على الجانب الأمنى فقط، وإنما امتدت لتشمل الجانب الاقتصادي؛ نظرًا إلى القاعدة الاقتصادية العريضة التى أسستها الجماعة على مدار عدة عقود والتى ساهمت تدفقاتها النقدية فى تمويل أنشطة الجماعة التخريبية وتحديدًا فى الفترة التى تلت ثورة 30 يونيو 2013، ولذلك شُكّلت لجنة قضائية فى عام 2014 لحصر والتحفظ وإدارة أموال وممتلكات الجماعة.

وبرهنت الضربة الأخيرة وسقوط خلية مهران وثابت بحسب عمرو عبدالمنعم الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، على القدرات الفائقة لأجهزة الأمن التى استطاعت جمع المعلومات اللوجستية الدقيقة عن كافة الخلايا التنظيمية خلال الخمس سنوات الماضية، وهو ما كان نتيجته اختفاء ما كان يُعرف بـ"المصدر السري"، وظهرت دقة أجهزة الأمن فى الحصول على المعلومة.

وأضاف أن كلمة السر فى القضية الأخيرة وغالبية العناصر والأموال المضبوطة خلال الفترة الماضية هى القبض على الإرهابى محمود عزت، ويعد بمثابة الصندوق الأسود لحركة أموال الجماعة الإرهابية وهو ما قاد للقبض على عدد من رجال الأعمال الذين لديهم شبكات تواصل مع التنظيم، الأمر الذى حاولت الجماعة تشويهه بتأكيدها على أن الدولة تحارب الاستثمار فى حين أن الحكومة كانت حريصة على ألا يتعرض الاقتصاد القومى لأى هزات جراء القبض على هؤلاء.

وتوظف الجماعة أموالها فى مشروعات ترتبط بالمنسوجات والأدوات المنزلية والأنشطة الخاصة بتبادل العملات والمشروعات الصغيرة واعتمدت على أن تكون حركة الأموال فى السوق الموازي، وهو ما تمكنت أجهزة الأمن من رصده بدقة، بحسب عبدالمنعم، وقاد أيضًا لتفكيك عدد آخر من الخلايا النائمة فى الجهات الحكومية والشركات الخاصة تحديداً فى مجالات الإنترنت والعقارات.

وأشار إلى أن التنظيم مازال يحاول توظيف حركة أمواله فى تنفيذ أعمال إرهابية واستغلال الأفراد الكامنة منذ فترات طويلة لاستغلالهم، وذلك بعد أن خسر قطاعاً واسعًا من الخلايا الإعلامية التى كانت تعمل ليل نهار على تشويه الواقع المصرى ونشر الشائعات وحرضت على العنف، وأن توقف عدد من المذيعين والقنوات جعل الجماعة شاحبة الوجه مع وجود انقسامات عميقة بين قياداتها فى الخارج.. وذهب الخبير الأمني، اللواء محمد نجم، إلى أن الجماعة الإرهابية لن تسلم بسهولة لأنها تعبر بالأساس عن مصالح دول وأجهزة مخابرات دولية تشكل أطراف المؤامرة على مصر، وبالتالى فإن محاولات إحياء التنظيم لن تتوقف وسيكون مطلوبًا من أجهزة الأمن اليقظة والاستعداد الكامل للتعامل مع أى تهديدات.

وأضاف  أن التنظيم يحاول تجنيد عملاء جدد تمكنه الهروب من الحصار الأمنى القوي، وأن الضربة الأخيرة بعثت برسائل مهمة مفادها أن الأمن المصرى على علم بكل هذه التحركات وأن أى خلايا سيحاول التنظيم خلقها ستواجه بضربات إجهاضية سريعة.