مصر الجديدة:

التبرع بالأعضاء وقضايا أخرى

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

لم أكن أتصور أن موضوعا مثل التبرع بالأعضاء ينحرف عن هدفه، ويتصور عدد كبير جدا بشكل مريب أنهم يمتلكون الحقيقة، فيحولون الموضوع إلى مسألة شخصية.

الحقيقة أن الدنيا كانت راحة لمن هم مثلى قبل أن ترشدنى الميديا، إلى كم التفاهات التى تنتشر مع أى خبر لا يعجب أحدا. الفنانة إلهام شاهين أعلنت عن تبرعها بأعضائها بعد الوفاة أطال الله فى عمرها وعمركم. خبر مثل هذا كان يستحق التحية لأنه يفتح الحديث فى هذا الأمر الهام جدا.

كان الأولى أن يأخذ  الخبر من يريد التعليق إلى المطالبة بوجود جهة أو جهاز لتنسيق وتنظيم المسالة.

فالتبرع بالأعضاء يحدث فى كل العالم، وهو عمل إنسانى عظيم، فهو سبيل لإنقاذ الكثيرين من ضحايا المرض أو الحوادث.

لكن للأسف انحرف الأمر عند أعداد هائلة من الشباب وغيرهم، إلى انتقاد الفنانة إلهام شاهين بألفاظ غاية فى السوء والسخرية، وتدرك أن من وراءها هم من كارهى الفن والفنانين فلا علاقة ولا معرفة شخصية لهم بالفنانة إلهام شاهين. لم تدهشنى التعليقات، فالدهشة صارت كلمة محترمة، لكن صدمتنى صدمة كبيرة.

ما علاقة حبك للفن أو عدمه بالتعليق على عمل إنسانى رائع مثل ما قررته الفنانة إلهام شاهين. أعرف تماما أن الميديا فتحت الباب لكل من هب ودب.

وأعرف أن أصحاب الفكر المتزمت لا يتحركون عنه بسهولة. وأن الميديا فتحت الباب للسخرية على طريقة «القافية حبكت» وهذا يمكن المرور عليه.

لكل منا مجال حيوى يتحرك فيه، وهذا المجال هو ميوله ورغباته وهواياته وقدراته المادية من صحة ومال، فما معنى أن تريد من الناس أن يفعلوا مثلك والأصل فى الناس الاختلاف. والاختلاف يجب أن يكون له مكانه وزمانه.

ولا يعنى أن فنانة مثل إلهام شاهين أعلنت التبرع بأعضائها بعد الوفاة، أن تهاجمها وتقلل من شأنها لأن حضرتك لا تحب الفن والفنانين. أى عاقل سيرى أن الموضوع فى هذا الزمن هام جدا للدولة أن تعتنى به.

صحيح أن هناك من سيرى مثل بعض المشايخ أن هذا تدخل فى خلق الله، وهذا أيضا يُمكن أن يناقش ببساطة شديدة، فالله الذى خلق الناس من عدم، يمكن ان يعيدهم بكلمة واحدة مثل كن فيكون.

واذا ابتعدنا عن المهاترات الدينية التى ندفع فيها ثمن خمسين عاما من الفكر المتخلف، فأى عاقل يعرف معنى أن يتوفر للمصابين أو ضحيا الحوادث أعضاء، فى مكان مُخصص لذلك بإحكام العمل والإدراة، ففيه بعث لروح كادت أن تمضى من الحياة. هل يكره الله منح الحياة لمن كاد يفقدها؟ ولماذا لايكون ذلك أيضا ضمن إرادة الله؟ الله يحب الخير، وهذا أمر سهل جدا معرفته، فلم يخلق البشر إلا لإعمار الأرض، والإعمار هو الحياة بتجلياتها فى المكان والناس.

كثير من الذين علقوا على ما أعلنته الفنانة الهام شاهين وجدوها فرصة للتقليل من شأنها وشان الفن والفنانين وهذا حصاد هذه السنوات الخمسين للأسف. الطريق أمامنا طويل، والأمر يحتاج إلى إعادة النظر فى مناهج التعليم .

فالتعليم هو السلم الأول الذى يصعده الطفل. التعليم هو الفرصة الأكبر لتطوير العقول، فلا تكون ضحية التخلف الفكرى ولا ضحية السعى إلى الشهرة باللايكات والتعليقات المزرية التى تقلل من قيمة الآخرين. كثيرون يهملون أن هناك فارقا فى الحديث فى غرفة مغلقة،والحديث فى غرفة علنية. الميديا غرفة علنية وبها الكثير من الغرف للنقاش فلماذا لا يدرك داخلوها أن مايفعله أى شخص من خير لا يعنى التقليل منه لأنك لا تحبه أو لا تحب عمله.

متى نتعلم  الصمت فى الأمور الشخصية.