2 تريليون دولار سنويًا حجم تجارة غسيل الأموال في العالم

البروفيسور المتهم بروس باجلي وكتابه عن الجريمة
البروفيسور المتهم بروس باجلي وكتابه عن الجريمة

دينا‭ ‬جلال

عمليات إجرامية شديدة السرية، مراقبات ومداهمات تشنها الأجهزة الأمنية في أغلب دول العالم لمكافحة جرائم غسيل الأموال التي يصعب التكهن بأرقامها الحقيقية حيث تشير إحصائيات الأمم المتحدة الى أن الأموال المشبوهة التي يجري غسيلها سنويًا من أرباح عصابات المافيا والجريمة المنظمة تتراوح ما بين 800 مليار دولار إلى 2 تريليون دولار سنويًا، وتُقدر بحوالي 8% من إجمالي حجم التجارة العالمية.

 

فجر الإعلام الأمريكي قضية مثيرة ضمن ملف جرائم غسيل الأموال الذي يزداد خطورة وسرية في الولايات الأمريكية؛ حيث تتوقع إحصائيات مكافحة غسيل الأموال أن تتضاعف تجارة تبييض الأموال حجم تلك التجارة عامًا بعد الآخر؛ونعود إلى القضية التي أُثيرت منذ فترة قصيرة ولم تكن صادمة بسبب أرقامها فقط وإنما بسبب هوية المتهم فيها؛البروفيسور ابروس باجليب وعمره 73 عامًا، وهو أستاذ جامعي تخصص في الدراسات الدولية وطالما حل ضيفًا على القنوات والبرامج السياسية تجده تناول قضايا عصابات الجريمة المنظمة أو عصابة الكارتل شديدة الخطورة بالهجوم خداعًا، وكشفت التحقيقات أن ابروسب تورط في واحدة من أكبر عمليات غسيل الأموال الدولية التي تصل إلى 2 مليون دولار، وكشف المدعي العام بنيويورك، جيفري بيرمان تفاصيل اعترافات باجلي أثناء محاكمته ليقر باستخدام حسابات مصرفية باسمه وباسم شركة أنشأها في فلوريدا ليصبح وسيطًا في غسيل أموال من عائدات جرائم رشوة وفساد لرعايا أجانب من فنزويلا في أمريكا.

مشاهير الجريمة

الغريب في الأمر أن أنشطة بروس الإجرامية، بدأت منذ نوفمبر 2016 وهو نفس توقيت صدور كتابه الشهير حول الإتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة والعنف في الأمريكتين، وأنشأ بروس في نفس الوقت حسابًا بنكيًا لتلقي ودائع شهرية بمئات الآلاف من الدولارات من حسابات خارجية من سويسر أوغيرها تخص عصابات إجرامية، وقام بتحويل أغلب الأموال إلى أفراد آخرين عبر شركته الوهمية واحتفظ بعمولته مقابل خدماته.

لم تتوقف المفاجآت عند جريمة الأستاذ الجامعي فقط؛ فملف جرائم غسيل الأموال في أمريكا يحمل قضايا صادمة منها سقوط عصابة من الأطباء متهمين بإدارة عمليات تبييض أموال وصلت قيمتها إلى 250 مليون دولار عبر عيادات طبية وعمليات وهمية، أما أغرب وأشهر القضايا المرتبطة بهذا الملف فمرتكبها يدعى،بكين ريجوكبجندي سابق وأحد المحاربين القدامى في فيتنام وتحول إلى  محامي رفيع المستوى ليكتشف الجميع في النهاية بكونه أحد أكبر مجرمي غسيل الأموال في العالم، ووصلت شهرته بين الأوساط الإجرامية الى حد الوساطة بين الكولومبيين وعصابات المافيا ممن يغمرون شوارع أمريكا بالكوكايين والماريجوانا، ولم يمر أسبوع إلا ويحمل بروس في حقيبته مئات الآلاف من الدولارات ينقلها في طائرة خاصة يستقلها من جنوب فلوريدا الى منطقة البحر الكاريبي التي تمنح تسهيلات هائلة لغسيل أموال المخدرات واستمرت عمليات غسيل لتُقدر بحوالي 200 مليون دولار، وظل كين محتفظًا بنشاطه السري الى أن اثار ارتياب احد العملاء الفيدراليين ممن قام بالشهادة ضده فقرر الامتثال إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي ليعترف بجرائمه، وفي عام 1990 اعترف كين بالتهمة الموجهة إليه لتصدر المحكمة الفيدرالية حكمًا بسجنه 24 شهرًا فقط.

لم تنته قصة كين ريجوك عند سجنه، فبعد إطلاق سراحه نجح في الترويج لنفسه لتقوم الحكومة الأمريكية بالاستعانة به بوصفه أنشط خبراء جرائم وعمليات غسيل الأموال وحتى الآن يتعاون كين مع البنوك والحكومة من أجل الإيقاع بمرتكبي تلك الأنشطة، وأصدر كتابًا سرد فيه قصته كاملة بعنوان ارجل غسيل الأموالب ويرى كين؛ أن عمليات عمليات غسيل الأموال تزداد سهولة أمام المجرمين بسبب اتساع مجال التجارة الدولية والعملات الافتراضية وإنشاء الشركات عبر الإنترنت، ومضاربات البورصة والتهرب الضريبي. 

مراحل غسيل الأموال

وضعت الأمم المتحدة مفهومًا محددًا لجرائم غسيل الأموال ضمن اتفاقية فيينا لعام 1988 ووصفتها بعمليات تحويل أو نقل الأموال والممتلكات المستمدة من الأنشطة الإجرامية بغرض إخفاء مصدرها غير المشروع أو مساعدة أي شخص متورط في جرائم من أجل التهرب من العواقب القانونية لأفعاله، وأوضحت؛أن عمليات غسيل الأموال في العادة تمر بثلاث مراحل تبدأ بنقل الأموال المرتبطة بشكل مباشر من عمليات إجرامية إلى نظام مالي ثم مرحلة إخفاء وتمويه الأموال عبر شركات أو حسابات بنكية، والمرحلة الأخيرة تتمثل في الدمج أو إتاحة الأموال للمجرم لتظهر وكأنها مصادر مشروعة تمنحه فرصة لإجراء التعاملات المالية وشراء العقارات والاستثمار المالي بشكل علني.

تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول التي اتخذت إجراءات جادة نحو أنشطة الكارتل وعصابات الإتجار في المخدرات لتعتبر عمليات غسيل الأموال جريمة فيدرالية ونشاط غير قانوني منذ عام 1986، وتتولى شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية وكذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل التحقيق في قضايا غسيل الأموال وتشمل الأنشطة الإجرامية والإرهابية، وبالرغم من هذا الإجراء المبكر إلا أن الاحصائيات تشير إلى أن شرطة مكافحة غسيل الأموال لم تسترد سوى 0.1٪ فقط من الأموال المشبوهة حيث لا يزال هناك 90٪ من الأموال غير مكتشفة، وهو الأمر الذي يمنح الحرية للمجرمين في استمرار عملياتهم الإجرامية.

عقوبات وغرامات

تكشف الصحف الأمريكية تفاصيل واحدة من أشهر فضائح البنوك في أمريكا بالرغم من خضوعها للتدقيق والمراقبة طوال الوقت، وهو الأمر الذي اضطر أحد أشهر البنوك في العالم الى دفع غرامة تصل الى 1.9 مليار دولار لفشله في التصدي لعصابات المخدرات وهو ما اعتبرته السلطات الأمريكية مشاركة في إجراءات غسيل مئات الملايين من الدولارات وخضع البنك للتحقيقات الفيدرالية بعد مساهمته في إخفاء وغسيل الأموال لعصابتي مخدرات في المكسيك وكولومبيا ويخضع البنك حتى الآن لإشراف فريق تابع لوزارة العدل الأمريكية.

وبالرغم من عمليات المراقبة الأمنية إلا أن الأمور تزداد صعوبة وتعقيدًا بعد لجوء المجرمين إلى العملات الإلكترونية المشفرة مثل البيتكوين لإخفاء مصادر الأموال المشبوهة حيث ترصد إحصائيات عام 2019 أن هناك ما يصل إلى  2.8 مليار دولار من عملة البيتكوين نقلها المجرمون وتداولها، وتشير الإحصائيات إلى أن ولاية فلوريدا لديها أكبر عدد من مرتكبي جرائم غسيل الأموال، وتصل عقوبة المتهمين بغسل الاموال في أمريكا الى السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا، وتصل عقوبة السجن إلى 35 عامًا إذا ارتبطت بأنشطة إرهابية، وتصل الغرامة إلى نصف مليون دولار أو ضعف قيمة الأموال التي تم غسلها ولا توجد عقوبة موحدة لتلك الجرائم حيث يواجه المجرمون تهم جنائية أخرى ذات صلة بأنشطتهم الإجرامية.

تمويل الإرهاب

تشير تقارير الأمم المتحدة الى أمر آخر أكثر خطورة وأهمية وهو؛ ارتباط عمليات غسيل الأموال بتمويل الأنشطة الإرهابية حيث تتبع العمليات نفس المراحل الثلاث لتبييض الأموالإلا أنها في النهاية تهدف إلى تزويد المنظمات الإرهابية بالأموال التي تأتي عبر مصادر تبدو مشروعة مثل الأعمال التجارية أو المنظمات الخيرية أو عبر أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة وعمليات الخطف مقابل فدية، ويشير مؤشر ابازلب وهو منظمة غير ربحية في سويسرا إلى الدول الأكثر تأثرًا بعمليات غسيل الأموال، وتصدرت أفغانستان قائمة أكثر الدول تضررًا من عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بسبب ضعف القدرة على السيطرة على تلك الأنشطة.