فاطمة على
هناك لوحتان تعبران عن شخصية ومكانة الزعيم جمال عبدالناصر بشكل رمزى وليس وصفياً، وهما للفنانين محمد حجى وعمرو فهمي، واللوحتان واقعيتان فى إسلوبهما لكن تصطبغان بحالة من الروحانية وإحداهما أقرب إلى الحس الميتافيزيقي، وهذه الروحانية ليست بمعالجة عبر بتقنية الألوان أو شفافية السطح، لكنها بدت روحانية وجدانية وليست بصرية.
فى كلتا اللوحتين يظهر عبدالناصر جالساً أرضاً، أى ليس فيهما أى استجداء وجدانى أو استدعاء للزعامة أو التفوق، لكن وضعية الجلوس وسكونية البورتريه الهادئ فى مظهره نفسه أضفت حالة روحانية من خلال وضعية انتظار تأدية الصلاة فى المسجد.
وفى لوحة الفنان محمد حجى، استلهم الفنان وضعية الجلوس أرضاً فى المسجد انتظاراً للصلاة، وجعل من هذه الجلسة دلالات كثيرة من واقع وجود الزعيم عبدالناصر ووضعيته فى اللوحة، فجعل الفنان من هذه الوضعية النادرة للزعيم دلالات عديدة حول هذه الجلسة وحول شخصيته وأبعادها النفسية، إذ جعله فى جلسته مرتبطاً بأرضه من أهرامات ومراكب نيل تظهر عن بُعد فى خلفية اللوحة كتفاصيل مصرية أجواءً ورموزاً.
ورغم هذا، تبدو اللوحة مغلفة بأجواء ميتافيزيقية أو إحساس غير واقعى، كأنها حالة تعبِّر عن حلم ممزوج بحزنٍ وترقب، وهذا الترقب المنتظر بنظرات مباشرة إلى المشاهد بتركيز وترقب بدا واضحاً أنه يتفق من عقد الزعيم كفيه مستنداً بهما فوق ركبتيه فى وضعية طلب راحة للجسد وللروح.
أما الفنان عمرو فهمى، فقد رسم الزعيم عبدالناصر أيضاً فى وضع الجلوس أرضاً فى حالة تركيز وإنصات، وظهر أيضاً عاقداً الكفين فوق ساقى تربيعة الجلوس أرضاً كتلك السائدة فى مساجدنا أثناء إلقاء إمام المسجد للخطبة.
ومثلما فعل حجى فعل فهمى بأن انتزع وضعية الجلوس فى المسجد من محيطها وأضاف إليها خلفية من نباتات إلى اليسار بدت شاحبة وبدا أمامها "الزعيم" عملاقاً وقد اتجه بعينيه ناظراً بعيداً عن عين المشاهد، وإن بدت عيناه حزينتين أكثر من كونهما مركزتين على محدثه أو إلى ما تنظر إليه.
اللوحتان من أجمل الأعمال الفنية التى تمثل زعيم مصر الراحل جمال عبدالناصر، جمالياً وإنسانياً، ولكل لوحة أبعاد نفسية على قدر ما تكشف عنه لما مر به الزعيم من محن ومسئولية ومصاعب، ورغم المصاعب والمحن بدا فى كلتا اللوحتين صامداً راسخاً كشجرة ممتدة جذورها ثباتاً فى أرض ميلاده وكفاحه ومرقده.