إيثار حمدى
أين ذهب الناصريون ؟!.. لايزال السؤال مُلِحًا وضاغطًا.. برغم أننا على مشارف الذكرى الحادية والخمسين لرحيل جمال عبد الناصر، وعلى مدار نصف قرن ظل الرجل وحده راية ورمزًا للهداية الوطنية، قائمًا بذاته وتاريخه واسمه وإلهامه لكل الحالمين بمجد أمة، ولكل الساعين للمستقبل، ورمزًا لكل الثوار فى كل عاصمة عربية.
كان منهمكًا فى تحكيم ثلاثة بحوث علمية، عندما طرقت بابه وعرّفته بنفس ووضعت أمامه سؤالًا وحدًا اأين ذهب الناصريون؟، ويبدو أن السؤال داهمه، وشده إلى واقع الحال الذى يخص الناصريين وأحوالهم وأحزابهم وآمالهم وبرامجهم ونضالهم الذى بدأ قبل نصف قرن تقريبا من قلب الحركة الطلابية فى منتصف سبعينيات القرن المنصرم.
كان أقرب إلى الاعتذار، لكن مع إلحاحي، تحدث الدكتور مجدى زعبل أستاذ المناعة الوراثية بالمركز القومى للبحوث الذى يوصف من قبل الناصريين على مختلف توجهاتهم بالـاالناصرى النقيب لأسباب كثيرة، فهو كان الأمين العام السابق لحزب الكرامة ورفيق درب المرحوم خالد جمال عبد الناصر وأحد رموز الحركة الطلابية فى منتصف سبعينيات القرن الماضي، وكان شريكا فى مواقف كثيرة تخص الناصريين، كررت السؤال عليه: أين ذهب الناصريون؟!..
واقع الحال، هو أن سؤال اأين ذهب الناصريونب ينطوى على إيجابية كبرى، برغم صيغة التعجب والعتب البادية فيه، لأنه سؤال عن الناصريين وليس عن جمال عبد الناصر، وهذه الإيجابية تتمثل فى الإقرار والتسليم الضمنى والصريح بوجود جمال عبد الناصر نفسه اسمًا وثورة ومشروعًا وطنيًا وعشقا جماهيريا أسطوريا، وأيضا بطغيان رمزية الرجل فى كل ما يخص حياة المصريين فى كل شاردة وواردة حتى هذه اللحظة التى نعيشها، فالرجل مَثّل فى حياته صلابة الانتماء للوطن وحدوده، وبإجمال فإن مشروع جمال عبدالناصر، هو مشروع وبرنامج ومضمون االوطنية المصريةب كما عبر عنها الراحل العظيم جمال حمدان، ولا يوجد أعظم من جمال حمدان لنأخذ منه تعريفه لمعنى الناصرية..
هذا عن الناصرية .. فماذا عن الناصريين؟
هم هذا التيار الشعبى الواسع والممتد فى الوطن العربي، وكانت الفرصة التاريخية الحقة التى بيّنت حجم هذا التيار هى الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد جمال عبد الناصر (عام 2018) حيث تلقيت أثناء الإعداد لها أكثر من مائة وخمسين ألفًا من الرسائل والاتصالات وطلبات الحضور من مواطنين عاديين ومثقفين ورجال إعلام من جميع دول العالم تقريبًا، ونجحنا فى توفير فرصة الحضور لحوالى ألفين من الضيوف اعلى نفقتهمب، فإن وحدة الناصريين ظلت هدفًا ساميًا يسعى إليه الناصريون دون نتائج قاطعة، والقطاع الأكبر غير منضم للأحزاب على تعددها..
وقد أصاب الأحزاب الناصرية ما أصاب معظم ــ إن لم يكن كل ــ أحزاب المعارضة فى مصر وهو ضعف البنية الهيكلية، وعزوف الجماهير عن فكرة الحزبية، والأخطر هو التناحر الداخلى الذى يؤدى بالضرورة إلى تآكل بنية الحزب وانحسار حجم العضوية التى هى فى الأصل قليلة وغير مدربة برغم معدنها الوطنى المخلص.
قد يتصور البعض أننى سبحت خارج الإطار، ولكنى قصدت التركيز على ما حدث حتى نلتمس العظة، ولا نكرر أخطاء الماضي، وأخص بالذات أجيال الشباب الوطنية المخلصة وفى مقدمتهم جيل الشباب الناصرى الواعد ومعه كل من يستطيع العمل بمقتضى القانون والشرعية السياسية، لعلى أسمع من الأجيال الشابة خبرًا جميلًا ينبئ عن وحدتها وعزمها على طرق أبواب المستقبل، وإذا كان جيلى قد أدى دورًا ما فى زمن ما، فقد آن الأوان أن يتصدر المشهد الأجيال الشابة حتى لا نفاجأ بالسؤال يطل علينا من جديد بعد عام أو عامين: أين ذهب الناصريون؟!
المهندس محمد النمر، الأمين العام للحزب الناصري، رد على السؤال قائلاً: ابالتأكيد كل الأحزاب ترغب فى التحرك والتواجد وأن يصبح لها دور فى المجتمع، وقد تكون القواعد لا تمنحها مطلق الحرية للقيام بهذه التحركات، بالإضافة إلى أن عبد الناصر ليس قضية شخص ولكنه مشروع بدأ فى الخمسينيات والستينيات وتم تطبيقه على الأرض وشعر به الناس وبقيمته فى مصالحها الخاصة، والنقطة الثانية هى أن المشروع يكلل الغالبية العظمى من الشعب وهم الناس الذين يشتغلون ويشقون أيًا كان تصنيفهم سواء كانوا عمالاً أو فلاحين أو موظفين أو كانت بوصلة المشروع موجهة لصالحهم، لذلك سنجد أنه بعد مرور أكثر من 50 عاما لا يزال هناك هجوم من بعض الفئات على جمال عبد الناصر نظرا لأن ما قدمه ليس فى مصلحتهم، ومشروعه يتناقض مع استهدافات خارجية.
ويقول: إننا أكثر حزب يحافظ على قيام الدولة الوطنية، وأكثر حزب يعى تماما الدور التاريخى المصرى، ونحن نرغب فى أن يتحرك الحزب ويصبح له دور، ولسنا مختفين عن الساحة، ولو نزلتم إلى الشوارع فى إمبابة وباب الشعرية وشبرا والقرى والصعيد ستجدون أن عبدالناصر لا يزال متواجدا بينهم، لا يزال متواجدا فى السد العالى، وفى المصانع وأراضى الفلاحين، حتى فى أفريقيا وفى الناس الذين لا يزالون يطلقون على أبنائهم اسم جمال عبد الناصر، مشروع على الأرض لصالح الغلابة ولصالح مصر.
القطب الناصري، عبد الغفار شكر، يقول إن الناصريين متواجدون ولكنهم غير ظاهرين لأنهم مختلفون، لذلك تأثيرهم بدأ يقل والصراعات الداخلية بينهم جعلتهم ضعفاء، والأمر يحتاج إلى جهد كبير منهم للاتفاق على استراتيجية معينة تجعلهم متواجدين على الساحة.
الدكتور عبد الحليم قنديل، الكاتب الصحفي، يقول: افى تقديرى أنه لا يوجد مستقبل للتيار الناصرى إلا بتحوله لتيار وطنى جامع بأن تكون تجربة عبد الناصر فى الخلفية ولكنها ليست قيدا على الحركة فى الحاضر والمستقبل، بمعنى أكثر وضوحا أنه من المفترض أن يعين الناصريون مكانهم على خريطة سياسية، وتقديرى أنهم فى مساحة أسميها يسار الوسط وعليهم أن يبنوا حركة شعب وليس حركة تيار، وعليهم أن يخففوا من المعنى الشخصي، ويستعيدوا اسم عبدالناصر كمعنى وطنى جامع يضم حزبهم تيارات مختلفة تستفتى ببرنامج للمستقبل ذاكرته التجربة الناصرية، ولكن لابد من إدراج تغير وتطور يتوافق مع العصر الحاليب.
ويضيف: لا يمكننا القول إنهم نجحوا، ولكننا إذا قلنا إنهم متعددون مثل الكرامة والحزب الناصرى وغيره فالحل ليس بتوحيد الجماعات فقط ولكن بتوحيد المفهوم، وهو يعنى الاستقرار على المعنى الذى تحدثنا عنه وهو اكن وطنيا تكن ناصرياب وليس العكس، بمعنى أن يكون الفرد مدركا لأولوية الوطنية المصرية لأنه هكذا بنيت الناصرية فى التاريخ، فهو رجل تحدث عن الجلاء والاستقلال الوطنى ثم فى قلب فكرة الكفاح من أجل الاستقلال الوطنى تضمن العمل والتجربة معانى العدالة الاجتماعية والتصنيع الشامل ومعانى الاتجاه للتوحيد العربى لتأكيد معنى الوطن.