الأب.. من ماكينة دفء وحنان إلى ATM

ماكينة دفء وحنان
ماكينة دفء وحنان

من عمل إلى آخر، يأتى الأب فى آخر الليل إلى البيت ليضع رأسه على الوسادة وينام، بعد أن حولته ظروف اقتصادية-لا ترحم-من مقيم مع أسرته إلى مجرد ضيف، ومن ناصح ومرشد إلى محفظة نقود لتلبية طلبات الأبناء التى لا تنتهى.


وإذا كان الدور الجديد الذى يلعبه الأب يحافظ على الوضع المادى للبيت، ويحميه من تقلبات الزمن، فإنه يدمر الجانب الاجتماعى، وينسف العلاقة المعنوية بينه وبين الأبناء، ويشكل رعبا للزوجة التى تحتاج إلى ونس وسند بجانبها.


«ألف عيلة وعيلة» فى هذا التحقيق لا تلوم الأب على ما يقوم به من مجهود جبار، وما يبذله من تضحيات فى سبيل أن يشاهد أولاده فى أفضل صورة، فى الوقت الذى تطالبه بتقليل مدة الغياب عن محيط الأولاد، بوصفه صاحب التأثير الأقوى فى حياتهم حتى تستقيم المعادلة، وتعود الأمور إلى طبيعتها، ويتجنب كوارث قد تحدث نتيجة اختفائه الدائم، خاصة أن الأم لن تستطيع تعويضه مهما حاولت ذلك.

 

لا يجد محمد حجازى والذى يعمل مدير مدرسة، انشغال الآباء بعملهم مبررا لغيابهم الدائم عن البيت، لافتا إلى أنهم يجدون وقتا للذهاب للمقاهى والتسامر مع الاصدقاء، فى حين لا يخصصون وقتا للأبناء.


ويرفض حجازى فكرة التعميم، ويحذر من اتهام كل الآباء بالتقصير دون تمييز، ويقول: هناك من يخصص ولو جزءا بسيطا من اليوم للتحدث مع الصغار وتوجيههم، ويؤكد ان معظم المشكلات النفسية لدى البشر يكون غياب الأب سببا رئيسيا فيها.


ويستطرد: «بالنسبالى مجبتش سواق وعمرى ما اطمن على بناتى مع حد غيرى غريب.. كل يوم بوصلهم التمرين والوقت اللى بنقضيه سوا بنتكلم وبنصحهم لو تطلب الأمر ودائما حريص على الحوار معاهم».

 


وأضاف: لغة الحوار تعمق وتقوى العلاقة والروابط ما بين الآباء والأبناء، والأهم ان يحافظ الاب على هدوئه خلال مناقشة أبنائه وعلى الأم عدم اللجوء للتخويف من الأب أو تصويره «كبعبع» ليظل الأبناء على مقربة منه، ولا يخشون الحديث معه عن أى أمر أو مشكلة تواجههم مع الاحتفاظ بحدود وعدم التساهل والتهاون حتى لا يفقد هيبته.


ويحكى أيمن العرجا ويعمل بإحدى شركات البترول بدبى عن تجربته مع أبنائه وأنه حريص على تنشئتهم على المبادئ والقيم الإنسانية التى تجعلهم قادرين على التعايش مع المجتمع، ويقول: غرس الأخلاق والقيم فى الأبناء أهم من مجرد توفير رفاهيات أو ترك ثروة طائلة، مشيرًا إلى إنه من الظلم ترك مهمة تربية الأبناء على الام وحدها.


ويرفض حصر الدور الكبير للأب فى توفير المادة أو أن يصبح ماكينة صرف أموال، وإذا كان لابد أن يكون الأب ماكينة فعليه أن يكون ماكينة حب وحنان لزوجته وأولاده فهو ربان السفينة والمسئول الأول عن الرحلة، والأب الحقيقى هو معنى دفء البيت وبهجته.


بطلها الخارق

«بنتى هى العالم بتاعى» هكذا بدأ ولاء الشافعى مهندس فى سرد تجربته ودوره كأب مع بيرى ابنته، ويقول إن طفلته تراه بطلا خارقا وأكبر داعم لها وهنا يبرز دور الأب وصعوبته وأنه رغم فترات تواجده القليلة إلا أنها مؤثرة ومحورية، مضيفًا أن الأوقات التى يقضيها مع ابنته يلمس مدى سعادتها ومدى حرصها على إبهاره ..

وفى الحفلات المدرسية التى تشارك فيها تكون عينها عليه فالأب هو الحب الأول فى حياة الفتاة ومصدر الأمان والسند والدعم.


ويوضح أن مهمة تقويم الأبناء تقع فى المقام الأول على عاتق الأب لأنه قادر على القيام بها دون أن يتسبب فى أى إزعاج لأبنائه او تضخيم الأمر، وقيمة الأب عند الأبناء كبيرة، قائلًا: «انا بنتى أصعب عقاب بالنسبة لها إنى أخاصمها وعمرى ما مديت ايدى عليها، وبتعمل المستحيل لو غلطت علشان تراضينى وتصالحنى،ونفسى لما تكبر تكون شبعت منى حب وحنية ومحدش يقدر يضحك عليها.»


الصديق المقرب

«بنتى صاحبتى» ..

بهذه الكلمات بدأ مصطفى الليثى محاسب حديثه عن علاقة الصداقة التى تربطه مع ابنته خديجة، موضحا أنه حريص على ان يكون قريبا من طفلته وأن تحكى له باستمرار عن أصدقائها وتفاصيل يومها ليستطيع أن يوجهها دون تسلط أو تشدد وإنما من منطلق دوره كصديقها المقرب، وقال إنه لا يوجد مبرر لغياب الأب رغم كل الظروف المجتمعية والأعباء المادية التى تثقل كاهله لأنه السند والحماية..

ويضيف أن غياب الأب عن القيام بدوره فى تربية الأبناء يشكل كارثة لأنه قد يتسبب فى ضياعهم، وأوضح أن دور الأب هو ان يكون نموذجا وقدوة لأبنائه فى التواضع والأمانة وهو ما تظهره التصرفات والمواقف وبالتالى يحتاج ليكون متواجدا فى حياتهم بشكل قوى ومؤثر، والأب هو الروح والأمان للأبناء وللأسرة كلها.


ولو عضم فى قفة

«ابويا ابويا ولو عضم فى قفة» ..

بهذا المثل يستعين أحمد حسنى مهندس الكمبيوتر والرحالة فى حديثه عن دور الاب والذى تعلمه من والده وحريص على نقله لأبنائه.

وقال: دور الاب لا ينتهى إلا عند وفاته، ويحكى أن والده لم يكن يتوانى فى عقابه عندما يخطئ أمام خطيبته، وعلى الرغم من عمل والده لمدة اكثر من ١٢ ساعة يوميا وغيابه بسبب ذلك كثيرا عن المنزل إلا أن ذلك لم يمنعه من رعاية والاهتمام بأبنائه..

ويؤكد: لا يوجد مبرر لغياب الأب، وحتى إذا اضطرته ظروف العمل للغياب كثيرا فبالتعاون مع الام يستطيع القيام بدوره أثناء غيابه من خلالها، ويوضح أن يوم لقاء العائلة مقدس بالنسبة لأسرته فلابد أن يجتمع مع افراد عائلته لمدة ساعة ليحكى ما دار طوال الاسبوع ثم تبادل أطراف الحديث والقراءة معا حتى الذهاب للنوم.


اختفاء الأب بعد الطلاق

وعلى الجانب الآخر ووسط غياب الآباء بعد الطلاق عن حياة الأبناء حتى على الجانب المادى يروى لنا أحمد مرعى مدير احدى الشركات السياحية تجربته بعد ان انفصل عن زوجته ويقول: الانسان السوى لابد وان يعلم انه بانفصاله عن زوجته فى حالة وجود اطفال فإن الامر سيصعب وان العبء عليه للحفاظ عليهم سيكون اكبر واكثر مشقة، ولابد ان يتم التوضيح للأطفال كل حسب سنه..

ان انفصال الوالدين ليس نهاية العالم وإن الطلاق لا يعنى انفراط عقد الأسرة وإنهما لن يسمحا ابدا بحدوث ذلك، وان يستمر احترام الاب والام لبعضهما البعض امام الاطفال ويكون للأسرة كلها لقاء شهرى تجتمع فيه فى مكان عام، ويتم الاحتفال بالمناسبات الشخصية للأطفال ايضا كأسرة كاملة لا انفصال فيها ونفس الشيء عند النجاحات المدرسية أو الاخفاقات، ولابد من وجود تواصل خفى بين الاب والام تليفونيا لترتيب مواقف موحدة فى حالة حدوث ما يستوجب تدخلهما مجتمعين..

وأضاف: نجاح الاب مرهون بتعاون الام المطلق معه وبتفانيه هو شخصيا من اجل اتمام رسالته والحفاظ على امانة الأطفال حتى ينشأوا بنفوس سوية لا يشعرون بنقص ولا يستدرجهم انحراف.