أتذكر كم كانت ملامح وجهك الطيب مشرقة عندما حصلت علي شهادتي الجامعية ثم فرحك الكبير وأنت تقرأين خطاب تعييني في وظيفتي الجديدة
اشتياقي إليك يا أمي بلا حدود وحنيني إلي أحضانك الدافئة يفوق كل الكلمات فلقد فرقت بيننا قوانين الحياة وذهبت إلي جنة الخلد بعد أن منحتيني نعمة البقاء.. كيف أنسي أولي دقات حانية سمعتها وأنا جنين في رحمك ولا أعرف في حياتي طعم السعادة التي كنت أجدها بين ذراعيك وأنا طفل رضيع يربطني بالحياة أجمل سائل خلقه الله ليخرج من بين لحمك وعظمك ليغذيني ويمنحني الحياة.. لم أنس أبدا وكيف أنسي أنك الحب الحقيقي الأول في حياتي فقد كنت بالنسبة لك نعمة الله التي أثمرت عن زواجك السعيد.. نعم كنت أشعر دائما أنني بالنسبة لك الحياة بكل ما فيها فأنت صاحبة أولي القبلات علي وجهي وأولي الكلمات الناعمة والأغاني الجميلة تخترق أذني وأولي الابتسامات رأيتها ترتسم علي وجهك الجميل الذي يعكس سعادتك بمجيئي إليك.. نعم كنت أعلم أنني أساوي في نظرك كل كنوز الدنيا ولا يمكن أن تتركيني ولو للحظات دون رعاية وعناية فلقد نذرت حياتك كلها من أجل إسعادي أنا وأخواتي الذين جاءوا من بعدي وكنت دائما عادلة في حبك لنا ولا تفرقي بين أحد منا فكل منا كانت له حصته من الحب والاهتمام والصبر علي المتاعب الكثيرة التي كنا نخلقها لك عندما يمرض أحدنا أو يصاب أثناء اللعب مع الآخرين وأتذكر كم كانت حياتك تتحول إلي جحيم لا يطاق إذا قصر أحدنا في التحصيل الدراسي أو لم ينجح في ممارسة الرياضة التي كنت تحرصين علي أن نكون من أبطالها المرموقين.. نعم كان دورك الرائع كفيلا بإسعادي أنا وصغارك الآخرين بجانب قيامك بدورك الأهم كزوجة قادرة علي توفير البيت الهادئ والطعام الساخن والجو الذي يجعل الحياة في بيتنا مليئا بالسعادة.. مرت بنا السنون سريعة وأتذكر كم كانت ملامح وجهك الطيب مشرقة عندما حصلت علي شهادتي الجامعية ثم فرحك الكبير وأنت تقرأين خطاب تعييني في وظيفتي الجديدة وأيضا لم أنس أبدا هذا الوجه الملائكي الذي كنت تمتلكينه عندما قدمت لك الشابة التي أحببتها وطلبت منك رأيك فيها وفي زواجي منها فإذا بهذا الوجه الطيب يتحول إلي ابتسامة كبيرة وأنت تحتضنين حبيبتي وبكلمات الحب الرائعة الصافية توافقين داعية الله سبحانه وتعالي أن يبارك رباطنا المقدس.. نعم يا أمي هذه الكلمات هي بعض ما أحببت أن أقولها لك مثلما كنا نفعل كثيرا عندما تضيق بي الحياة أو تسعدني فألجأ إليك لأجلس بجوارك وأفضي بما في صدري من آلام وأحلام وأخرج من عندك قادرا علي مواجهة الحياة بمرها وحلوها فلقد تم شحني من بطارية الأمل التي تنطلق من كلام أمي ودعواتها المخلصة.. أتذكر يا أمي أن أولادي الذين أنجبتهم تباعا لقي أكبرهم كل ما عشت متمتعا به معك وكم رأيت طفولتي السعيدة تتكرر معه في حضرتك ولكن شاء قدري أن ترحلي ولم يشعر الباقي بهذه الشحنات الجميلة منك.. ولكن كان حديثنا أنا وزوجتي عنك بكل خير ونحاول أن نكرر في بيتنا ما كنت تعلمته وعشته بين أحضانك وتحت رعايتك.. كلماتي لك يا أمي هي عرفان لجميل أم خطفها الموت مبكرا ولكنها تركت لي كل المعاني السامية للأمومة الصادقة التي مهما تحدثت عنها فإن كلماتي ستبقي دائما عاجزة عن اعترافي لها بالجميل والحب الذي يملأ قلبي حتي لقائي معك في جنة الخلد بمشيئة الله تعالي.