ما الذي نفعله بأنفسنا ولأنفسنا، وبمن حولنا.. ما هذا السلوك الذي صرنا ننصب به فخاً لكل من يعمل أو ينتج أو يحاول أن يغير، كما نجهز مصيبة لكل من يكتب أو يتحدث أو يعبر عن رأيه!
وما تلك المصيبة التي حولتنا لنعيش في محاكم التفتيش ونُنصّب من أنفسنا قضاة ومحكمين ومُصدرين للأحكام بالإقصاء والاستبعاد والنفي النفسي والمعنوي!
وكيف لشخص منا أن يقبل أن يكون وزيرا أو مسئولا في ظل هذا التصيد الذي صار يستبعد كل نية حسنة.. ويحتفي بكل سوء للنوايا، ويتباهي بالقذف.. ويتفاخر بالشتم، والحط من شأن الآخر.. ويفتح نار الجحيم بآليات جديدة علي العقل المصري الوسطي، والقلب المصري المتسامح!..
هذا هو ما يحدث علي أرض مصرنا الحبيبة.. وهذه هي النماذج السلوكية التي صرنا نقدمها لشبابنا، ولا نخجل من تعميق آثارها السلبية في نفوسهم.. وكأننا نزرع في أرض ضمائرهم البريئة الخصبة أبغض ما فينا، ونحرضهم علي نبذ كل القيم وإسقاط كل القامات والسخرية من كل الأفكار، وابتذال كل معاني الإنسانية، وحتي عاداتنا الجميلة البسيطة المتوارثة عبر الأزمان التي كنا فيها متحضرين.. وطيبين.. ونتصف فيها بالحنان الجميل.. والكلام الفضيل.. ألقينا بها في سلال القمامة أمامهم.. ثم وقفنا نتساءل ببلاهة لماذا يشرد الشباب؟ ولأن الواقع الذي نعيشه أصبح غريبا عنا.. فقد بدأنا نشعر بانفلات مصر من أيدينا.. واقتلاع هويتنا المصرية الجميلة منا، واختفاء كل ما كنا نعيشه في بلدنا من آمان نفسي ومعنوي.. ومن ثقافة متحضرة وتاريخ مسطور بماء الذهب.. وبفنون مبدعة.. وبتعليم متميز.. وبتقدم مجتمعي راقٍ.. وبحضور دولي وإقليمي متفرد.. بقاء الحال علي هذا من المحال، فليس هكذا تعيد الدول بناء نفسها، وغزل حضارتها، وكتابة مستقبلها.. فقضية التقدم هي منظومة محكومة بالقيم واحترام الآخر والولاء والانتماء للوطن، وتقديس العلم والبحث والعمل، والالتزام بتعاليم الأديان السماوية، وتعظيم مفهوم الإنسانية، وأيضا بتعزيز مناخ الديمقراطية حيث يستطيع الإنسان - أي إنسان - أن يعبر عن رأيه ومواقفه بكرامة وحرية دون خوف من اختلاف، أو هلع من شيطنة المعاني والأفكار!
بلادنا تعيش حالة حرب حقيقية.. حرب وجود.. وسط ذئاب تريد الانقضاض عليها ونزع سلامها وأمانها.. وسرقة أحلامها.. وتقسيم أهلها.. وخلق اليأس والإحباط في نفوس شبابها.. وقتل شيوخها ونسائها وأطفالها.. بلادنا تعيش ضغوطا اقتصادية ممنهجة تريد تركيعها وتركيعنا.. وهو مشهد طال كل من حولنا.. ومزق البلاد -ومازال- بلادنا تعيش حالة غير مسبوقة من انفلات أخلاق وإعلام يستنزف بوعي أو بغير وعي قدراتنا الفكرية والنفسية.. بلادنا تتوجع.. أما نحن فنتنافس في أن نؤذي بعضنا البعض، وفي أن نهدر فرصنا ونتدني ببلدنا ونحبط أحلامنا ونُهلك بعضنا البعض.. والمصيبة أننا نجلس بعدها وندّعي الخشوع ونصلي فروضنا.
مسك الكلام..
«اختلف.. كي نراك».