كتب.. حسن حافظ
إذا سألنا عن أهم تراث أو تركة الأديب مصرى وعربى فى القرن العشرين، فستكون الإجابة هى أعمال نجيب محفوظ، صاحب نوبل وقبل ذلك صاحب المنتج الأدبى الرفيع الذى حفر به اسمه كمؤسس حقيقى لفن الرواية العربية، وصاحب ختم الشرعية لها فى الحياة الثقافية، فلا أحد ينكر تفرد "الثلاثية" وروعة "الحرافيش" وعمق "أولاد حارتنا"، وعشرات النصوص غيرها، التى باتت تواجه صراعا شرسا من قبل دور النشر للحصول على حق طباعة أعمال النجيب، مع قرب انتهاء حقوق النشر الخاصة بدار "الشروق" الناشر الحالى لأعماله، وسط ترقب الوسط الثقافى وجميع محبى عميد الرواية العربية، لمصير أعماله التى نحتت وجدان وعقول أجيال وأجيال من القراء العرب.
الأزمة بدأت مع قرب انتهاء العقد الذى وقعته دار االشروقب مع نجيب محفوظ، للحصول على حقوق حصرية بطباعة مؤلفاته التي تمثل تراث أو تركة الأديب نجيب محفوظ، إذ ينتهى هذا التعاقد فى 30 أبريل المقبل، وهنا بدأ الحديث عن مصير تراث أهم أديب مصرى فى العصر الحديث، هل ستواصل دار الشروق طباعة كتبه مستقبلا؟ أم أن الحقوق ستعود إلى مكتبة مصر أول دار نشر تعرف الجمهور من خلالها على معظم أعمال النجيب؟ أم أن بنت صاحب نوبل سيكون لها كلمة الفصل باعتبارها الوريثة الشرعية لهذا التراث الخالد؟ الإجابة لم تتأخر إذ أكدت مصادر مطلعة لـبآخرساعةب، أن المفاوضات بين أم كلثوم نجيب محفوظ ودار الشروق وصلت إلى حائط سد، الأمر الذى دفع الابنة إلى توفير أكثر من وسيط لكى تنشر من خلاله تراث والدها بصورة مستدامة.
ليتم الإعلان عن مفاجأة التوصل لاتفاق بين ابنة صاحب نوبل ومؤسسة اهنداوىب للنشر الإلكترونى، تحصل بموجبه الأخيرة على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ على الفضاء الإلكترونى وتوفيرها مجانا، كما جرت العادة فيما تقدمه المؤسسة غير الهادفة للربح، من نشر للمعرفة والثقافة، وغرس حب القراءة بين المتحدثين باللغة العربية، عبر توفير مؤلفات العديد من كبار الكتاب والمفكرين أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم وزكى نجيب محمود وعباس العقاد وغيرهم فى طبعة إلكترونية مجانية، تحظى بقبول القراء، وسينضم إلى هذه الكوكبة نجيب محفوظ بداية من العام المقبل.
مصادر داخل مؤسسة اهنداوىب قالت لـاآخرساعةب، إنه تم توقيع الاتفاق مع أم كلثوم نجيب محفوظ بالفعل، فيما يخص جميع أعمال نجيب محفوظ، على أن تتاح إلكترونيا بالمجان مدة الحياة، وذلك مقابل مادى لابنة صاحب الثلاثية، لكن المصادر رفضت الإفصاح عن المبلغ المقدم، مؤكدة أنه سيتم الإعلان عن التفاصيل خلال المؤتمر الصحفى الذى سيعقد فى الوقت المناسب للإعلان عن كل ما يخص الاتفاق، لافتة إلى أنه لن يتم البدء فى نشر أعمال نجيب محفوظ إلكترونيا إلا بعد انتهاء المدى القانونى لاتفاق دار الشروق فى نهاية أبريل المقبل، أى انه سيكون من حق اهنداوىب النشر الإلكترونى بداية من أول مايو 2022.
اتفاق اهنداوىب مع ورثة نجيب محفوظ اقتصر على النشر الإلكترونى فقط، ليظل مصير النشر الورقى والصوتى وفى كل الوسائط الأخرى معلقا حتى تاريخه، فالمفاوضات مع ادار الشروقب وصلت إلى طريق مسدودة بخصوص تجديد عقد احتكار نشر أعمال محفوظ الورقية، كما ترفض أم كلثوم فكرة إعطاء حقوق الملكية الفكرية لمؤلفات والدها الورقية لأى دور نشر عربية، ليقتصر الصراع الحالى على عدة دور نشر مصرية تسعى لتقديم عروضها للحصول على شرف طباعة مؤلفات صاحب نوبل وأحد أكثر الأدباء مبيعا فى تاريخ الأدب العربي، لكن من المتوقع أن تفصل أم كلثوم وتعطى حق النشر الورقى لجهة والنشر الصوتى لأعمال أبيها لجهة أخرى، ليكون الشكل النهائى لتراث نجيب محفوظ موزعا على ثلاث جهات للنشر الورقى والإلكترونى والصوتى.
الحديث عن نشر تراث نجيب محفوظ الإبداعى يجرنا للحديث عن تاريخ طويل ارتبط فيه اسم الرجل بالعديد من دور النشر، فبعد بداية متعسرة فى النشر، ارتبط اسمه بلجنة النشر للجامعيين، والتى أسسها عبد الحميد جودة السحار، لكى تكون منبرا للأصوات الشابة من المبدعين فى مجال الرواية والقصة بعيدا عن تحكم دور النشر التقليدية، وبدأت لجنة النشر للجامعيين فى نشر أعمال محفوظ الأولى، ثم أسس السحار مكتبة مصر والتى ارتبط اسمها بأعمال نجيب محفوظ على مدار أكثر من نصف قرن، إذ أصدرت امكتبة مصرب جل أعمال نجيب محفوظ وميزتها بأغلفة ذات جمال خاص أقرب إلى اللوحات الفنية عبر لمسات الفنان الكبير جمال قطب.
واستمر الوضع أن نجيب يكتب ومكتبة مصر تنشر، حتى سنة 2000 عندما حصلت دار الشروق على توقيع أديب نوبل للحصول على الحق الحصرى لنشر أعماله الروائية والقصصية مقابل مليون جنيه، وهو رقم ضخم وغير مسبوق فى تاريخ النشر العربى، وجاءت تجربة االشروقب لتثير الكثير من الانقسام حولها، بين من يرى أن الدار استطاعت تقديم أعمال صاحب االحرافيشب فى شكل حداثى يناسب العصر ويحتفظ بقيمة محفوظ، وبين من يرى أن الدار حرصت على طباعة الأعمال الشهيرة فقط لمحفوظ فيما اختفت بقية أعماله، كما أن الزيادة فى أسعار الروايات بشكل مبالغ فيه أدى إلى عزوف الشباب عن اقتناء طبعة الشروق، والاكتفاء بالبحث عن طبعة مكتبة مصر الأرخص والأجمل عند باعة الكتب القديمة فى سور الأزبكية.
وحول الجدل الدائر بخصوص ميراث أديب نوبل، قال الأديب يوسف القعيد، أحد المقربين من النجيب الراحل، لـاآخرساعةب: االقرار يرجع لأم كلثوم، ولا يمكن لأحد أن ينازعها فيه، وهى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى تحديد طريقة نشر ميراث والدها، وليس من حق أحد على وجه الأرض أن يتدخل فى اختيارهاب، وتابع القعيد الذى يعد من ضمن شلة الحرافيش المقربة من صاحب االثلاثيةب: ا لو سألتنى عن رأيى الشخصي، فأن الأحق بالحصول على حق نشر أعمال نجيب محفوظ هو الهيئة العامة للكتاب، لأنها أكبر ناشر فى مصر الآن، شريطة أن توفر الوسائل المناسبة للحفاظ على تراث رجل بقيمة وقامة نجيب محفوظب.