ياسين صبرى
"كن جميلا ترى الوجود جميلا"، هذا البيت الشهير للشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى مفاده أن الجمال الحقيقى ينبع من داخل الإنسان، وجزء من هذا الجمال يكمن فى قدرته على تغيير ما حوله إلى الأفضل.. وهذا بالضبط ما قامت به فتاة جامعية يصفها سكان حى عين شمس حالياً بأنها "ملكة شارع الألوان".
استطاعت نور السيد الطويل، الطالبة بالفرقةتالثالثة بكلية التجارة بجامعة "عين شمس"، بلمسات رقيقة من فرشاتها إضفاء جو من الإبداع على جدران شارع الفرماوى الذى تقطن به فى حى عين شمس، بمبادرة شخصية منها وعلى نفقة أسرتها، ليصبح الشارع أشبه بلوحة جمالية متكاملة الأركان.
عند الدخول إلى "شارع الألوان" كما يطلق عليه سكانه، فإن أول ما تراه عيناك هو كرنفال مدهش يضم توزيعات لونية متناسقة وأشكالاً متقنةتتجعله نابضاً بالحياة، حيث نجحت نور فى تمييز الشارعتعن باقى الأحياء المحيطة به بفضل موهبتها الفطرية وحسها الفنى فى مجال الرسم .
موهبة نور فى الرسم والتلوين بدأت منذ الصغر ونمت معها تدريجياً، إلا أنها وجدت سبيلها للظهور على أرض الواقع بعد أن بدأت تجربتها الأولى فى الرسم على حوائط مدخل منزلها، وكانت الرسمة آنذاك تتناول موضوع "المولد النبوى"، ثم رسمت على جدران البيتتلتنال بعد ذلك إعجاب واستحسان كل من رآها، فطلب منها جيرانها تكرار التجربة على حوائط المنازل القريبة منها، فقامت بعملت جداريات ضخمةتلكلتشارع يعبِّر كل منها عن شكل وموضوع مختلف.
تقول نور لـ"آخرساعة": "أحببتُ الرسم منذ نعومة أظفاري، وكنت أطمح فى دخول كلية الفنون الجميلة ولم أوفق، لكن هذا لم يقف عائقا أمامى، فأحببت أن أكمل فى هذا المجال الفنى لتنمية موهبتى، لذا رسمت لوحات البورتريه، وطبعت رسومات على الملابس، ثم تطوَّر الأمر إلى رسم الجداريات على الحوائط منذ نحو عامين ونصف العام تقريباً".
وعن الأفكار التى تستوحى منها تصاميمها، أوضحت أنه فى أحيان كثيرة يُطلب منها تنفيذ رسوم معينة، فتبدأ فى البحث عنها حتى تصل إلى نماذج محددة، ثم تخرج منها بفكرة جديدة تجمع بين عدة تصاميم، بعدها تأتى مرحلة التنفيذ على الجدران، حيث تختار الدرجة اللونية المناسبة لتوزيعها على الحائط حتى تكتمل الجدارية .
وبحسب حجم الحائط والتفاصيل الموجودة بالجدارية، يمكن تحديد وقت الانتهاء منها، فعلى سبيل المثال قد تستغرق الجدارية الضخمة يوماً كاملاً حتى يتم رسمها أو يُقسَّم العملُ فيها على مدار يومين، أما الجدارية الصغيرة فلا تتجاوز مدة رسمها أربع ساعات.
جهود نور فى تزيين الشارع الذى تقطن به وصلت أصداؤها إلى محافظة القاهرة، حيث قام المحافظ اللواء خالد عبدالعال، بتكريمها ومنحها شهادة تقدير لجهودها الذاتية، مؤكداً أن مبادرتها تدل على حبها وانتمائها لبلدها، كما أوضح أنه سيتم الاستعانة بها فى العديد من المبادرات لتجميل شوراع القاهرة، وفى الوقت ذاته دعا الشباب إلى الاقتداء بها كونها نموذجاً مشرفاً يُحتذى به.
وأعربت نور عن سعادتها البالغة بهذا التكريم كونه نابعاً من تشجيع الدولة لهذا النوع من الفنون، وقالت:ت"أتمنى أن أرى جميع شوارع مصر تملؤها الرسوم والألوان الزاهية، فرسم الجداريات أصبح منتشراً، وهناك حب وتفهم لهذا الفن الراقي، ما يشجعنى على الاستمرار به وتطويره". وأضافت: "أتمنى بعد التخرج فى الجامعة أن أستمر فى العمل بالمجال الذى أفضله على المستوى الشخصى وهو فن الرسم أو تصميم الديكور".
من جانبه، يشيد عاطف إبراهيم، صاحب محل بقالة بعين شمس، بفكرة رسوم الحائط والجداريات، وقال إنها تسبب نوعاً منتالراحة النفسيةتلمَنْ يراها كونها تحوِّل الشكل التقليدى للشارع إلى صورة فنية تبعث على البهجة والسرور، وطالب بالتوسع فى تطبيق الفكرة على شوارع أخرى فى الحى".
أما الدكتور محمد سليم، صاحب صيدلية، فيرى أن أى منظر جمالى يؤثر فى حياة الإنسان إيجابياً، موضحاً أنه عندما كان يسافر إلى أوروبا كان يرى الرسوم والمجسمات منتشرة فى جميع الميادين، وحينها تمنى أن تكون هناك أعمال فنية مماثلة فى بلده لذلك هو يشجع أى مبادرات من شأنها تجميل وتحسين صورة المنطقة التى يسكن فيها.