خلال أكبر معركة مدرعات في التاريخ الحديث «المزرعة الصينية» بقيادة المشير طنطاوي

طنطاوي: «كل همى كان ميرجعش ولا فرد من أفراد القوة الإسرائيلية المهاجمة»

المشير طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة
المشير طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة


توفى وزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق، المشير محمد حسين طنطاوي، بعد حياة حافلة بالبطولات الوطنية، التي يسجلها التاريخ بأحرف من نور، عن عمر ناهز «85 عاما»، والمشير حسين طنطاوي، صاحب مشوار طويل في العمل العسكري، وخدمة الوطن، بداية من دخوله مصنع الرجال الكلية الحربية وتخرجه منها عام 1956, رجلٌ ساقَتْه الأقدارُ إلى دورٍ هو الأخطر خلال أحداث يناير 2011, تَحمّل على مدى عامٍ ونصف مسؤوليةً لم يسْعَ إليها, ولم يهرب من أعبائها ولم يطمع في مزاياها, وأدّى الأمانة كأفضل ما يكون في ظل الظروف المحيطة, من أجل أن يعبر بمصر وهى في حالة ثورة إلى بر الأمان..

ومن بطولات المشير محمد حسين طنطاوي ، معركة المزرعة الصينية إحدى أهم المعارك في التاريخ الحديث في حروب المدرعات, والتي كان لها تأثير كبير سواء من الناحية التكتيكية على أرض المعركة أو من الناحية النفسية في حرب أكتوبر، فلقد أوجدت هذه المعركة فكرا عسكريا جديدا يجرى تدريسه إلى الآن في جميع الكليات والمعاهد العسكرية العليا, وكتب عنها أعظم المحللين العسكريين ومن بينهم محللون إسرائيليون.
وأسفرت هذه المعركة عن فكر جديد لقائد الكتيبة 16 من الفرقة 16 مشاة، وهو المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع المصري الأسبق ورئيس المجلس العسكري الأسبق، كما أبرزت معركة المزرعة الصينية مواقف بطولية لأفراد الكتيبة 16 مشاة، وهى الكتيبة التي أذهلت العدو وكان لها دور كبير في تحقيق النصر بهذه المعركة.

وبينما تمثل هذه المعركة كابوس يعاني منه الإسرائيليون حتى اليوم سواء ممن شارك فيها أو من أحفاد الذين قتل بها, حيث كان قد أعد التليفزيون الإسرائيلي فيلمًا وثائقيًا يظهر مدى الكوابيس التي سببتها لهم تلك المعركة, وخير من يتحدث عن هذه المعركة المقدم محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16التى خاضت تلك المعركة، ومن حسن حظ الأجيال الحالية وجود مقطع فيديو من سنة 1981 للمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق، وهو يتحدث بصفته قائد الكتيبة «16 مشاة» في حرب السادس من أكتوبر.
حيث أكد المشير طنطاوي فى كلمته فى الفيلم التسجيلى عن معركة المزرعة الصينية قائلاً: «بسم الله الرحمن الرحيم، العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16 مشاة في حرب أكتوبر، الكتيبة 16 كانت من أوائل الكتائب التي عبرت قناة السويس، بل هي عبرتها في توقيت قبل العبور بدفع عناصر اقتناص الدبابات، وكانت أحد العناصر اللي رفعت علم مصر في الضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية».
وأضاف المشير طنطاوي : «لو تكلمت عن المعارك التي خاضتها الكتيبة الوقت مش هيسعفني إني أقول كل المعارك، لكن بقدر الإمكان هختار معركة من المعارك، وهاستشهد بكتاب كتبه الإسرائيليون اسمه عيد الغفران، وسأقول ما ذكروه بهذا الكتاب، وسأقول ما حدث بعدها».
وقرأ المشير طنطاوي فقرأت من الكتاب حول إحدى المعارك التي دارت في المزرعة الصينية شرق القناة، وسرد القصة كما رواها الكتاب التي تظهر تفوق كتيبته على كتائب الجيش الإسرائيلي.
ويقرأ طنطاوي من الكتاب الإسرائيلي نقلًا عن أحد القادة الإسرائيليين- وهنا الكلام على لسان القائد الإسرائيلي- على بضع كيلومترات من القناة كانت المعركة دائرة حول المزرعة الصينية والتي بدأت منذ 48 ساعة تهاجم الموقع وعندما حل يوم 16أكتوبر بخسائر فادحة.
ويروي قائد القوة الإسرائيلية فيقول وضعوا أمامنا خريطة وقالوا يجب تطهير هذه التحصينات بأسرع ما يمكن وعندما تقدمت مع وحدات المظليين بضع مئات من الأمتار نحو الهدف كان في استقبالنا وابل من الرصاص.
وقال أحد ضباطنا قائد القوة الإسرائيلية - يقصد أحد ضباطهم- حسنا كيف يمكن أن يكون بين طابورين إسرائيليين وحدة مصرية, ولسوء الطالع والكلام - هنا للقائد الإسرائيلي - أن قوة المظليين اصطدمت مع قوة مصرية مسلحة بـ10مواقع للرشاشات، ووحدتي دبابات وفصائل مزودة بصواريخ ضد الدبابات وعلى مقربة من هذا الموقع موقع ثانٍ ثم ثالث ثم رابع, واحتدمت المعركة طوال ساعات الليل ولم تتمكن عناصر المظليين من الهجوم والانسحاب وقد استمرت عمليات إخلاء الجرحى طوال الليل كما أن فرق الإغاثة تعرضت أيضا لخسائر فادحة وعند الفجر كان لا بد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه بإرسال قوة مدرعة.
ويقول المشير طنطاوي : ده اللي كتبوه في كتبهم، أما من جانبا في الحقيقة في الأيام دي كان بقالي 48 ساعة مكنتش بنام، فالساعة الواحدة شعرت بالهدوء، فقلت هنام شوية، وقولت لزمايلي يصحوني لو حصل حاجة، لم أكد أنام إلا نصف ساعة، وفوجئت بمن يوقظني ويقولي سماع أزيز طيارات فأخدت الموضوع على إنه سهل وقلتلهم زودوا المراقبة وبلغوا القيادة الأعلى.
واستمررت في محاولة النوم, بعد ساعة صحوني مرة ثانية وقالولي إحنا شايفين في أجهزة الرؤية الليلية عناصر من القوات الإسرائيلية بتحاول تعبر حقول الألغام اللي موجودة في الموقع، وعلى الفور صحيت ورحت لأجهزة الرؤية، وأيقنت أن دول عناصر كبيرة من المشاة بتحاول تعبر الثغرة في اتجاه مواقع الكتيبة.
فأعطيت أوامر إلى قادة السرايا بتوجيه كل الأسلحة المدفعية والهاون وجميع الرشاشات حتى الأسلحة المضادة للطائرات ووجهتها صوب القوة المتسللة.
وأمرتهم لا أحد يطلق النار إلا بإشارة حمراء منى شخصيا، ثمَّ أعطى طلقة الإشارة، وفتحت جميع الأسلحة النار على القوات الإسرائيلية.
وعلى أساسها ذكر في كتابه أنهم لا قدروا ينسحبوا ولا قدروا يهاجموا، واستمرت ساعتين ونصف حتى الصباح وبدأ النهار ومن حسن حظ القوة الإسرائيلية أن الضباب خلى تركيز النيران عليهم مهوش بالكفاءة الكافية مما أمكنهم من سحب خسائرهم وبعض من تبقى على قيد الحياة.
وأنا طبعا – والحديث هنا لـ«المشير طنطاوي» - كل همي إننا ميرجعش ولا فرد من الأفراد اللي هماجم وهذه معركة من المعارك التي خاضتها الكتيبة من يوم  6 أكتوبر حتى وقف إطلاق النار.
ويكفي الكتيبة فخرًا أنَّها في لحظة العبور لم تتكبد أي خسائر سوى شهيد واحد، أنا فاكر اسمه «عادل بصطالوس». وأذكر من البطولات النقيب محمد عبد العزيز الذي استشهد على مدفع دبابات بعد استشهاد اثنين طاقمها ما اضطره يقعد مكانهما, وبيحضرني من البطولات الكثيرة وليس البطولات في الشهداء فقط هناك بطولات لأحياء كان في قائد سرية اسمه عبد العزيز بسيوني يوم 14أكتوبر وقلت له عد الدبابات يا بسيونى قلى أعداد الدبابات كتيرة وأنا مشغول ومقدرش أعدهم قلت له طيب أنا هعاونك بالمدفعية ومتخليش أي دبابة تعبر حتى لا تطوقنا قالى متخفش يا أفندم لن تعبر أي دبابة إلا على جثتي وجثة 100واحد معايا.
اما معركة المزرعة الصينية بلسان الإسرائيليين حيث كان التليفزيون الإسرائيلي قد أعد فيلمًا وثائقيًا يظهر مدى ما يعاني منه الإسرائيليون الذين شاركوا في هذه المعركة وذلك بعد مرور 25 عامًا على حرب أكتوبر عام 1973.
ويقول معد الفيلم: كل ما أتذكره عندما كنت طفلًا يبلغ من العمر 9 سنوات.. أمي التي كانت تبكي في المطبخ عندما تم الإعلان عن أسماء القتلى والمفقودين، ووالدي الذي عاد من الجبهة بعد فترة طويلة, وكان يعاني من كوابيس تؤرقه طوال الليل، كان يحلم بسيناء وأصدقائه الذين تم دفنهم هناك في الرمال ولحسن حظه وحظنا أنه نجا بمحض الصدفة من سيارته وهكذا ظل على قيد الحياة بعد معركة المزرعة الصينية في ليل يوم 15 أكتوبر 73.
هذه قصة كتيبة مظلات احتياط كان أفرادها في عام 1973 بالغين وكبارا ولديهم عائلات لكن بصفتهم ثعالب حروب محنكين بدءوا في البحث عن الحرب وقد قابلوها مؤخرا بقوة وثمن لم يعرفوهما من قبل وحتى وقتنا هذا لم يتحدثوا مع أحد عما حدث لهم في تلك الليلة كما لو أنه صندوق أسود ظل مغلقًا حتى الآن في الوعي الإسرائيلي العام.
وبدأت معركة المزرعة الصينية تحت قيادة المشير طنطاوي يوم 15 أكتوبر حيث قام العدو بهجوم مركز بالطيران طوال اليوم على جميع الخنادق وقيادة الكتيبة وكان الضرب دقيقا ومركزا, كما سلطت المدفعية بعيدة المدي نيرانها بشراسة طوال النهار, واستمر هذا الهجوم حتي غروب الشمس, ولم يصب خلال هذا الضرب سوي 3 جنود فقط, وكان ذلك بسبب خطة التمويه والخداع التي اتبعتها الكتيبة, فقبل أي ضربة جوية كانت تحلق طائرات لتصوير الكتيبة, وبعد التصوير مباشرة كانت تنقل الكتيبة بالكامل لمكان آخر فيتم ضرب مواقع غير دقيقة.
وفي الساعة الثامنة إلا الربع مساء نفس اليوم ترامت إلي أسماع الكتيبة أصوات جنازير الدبابات بأعداد كبيرة قادمة من اتجاه الطاسة وفي الساعة الثامنة والنصف قام العدو بهجوم شامل مركز على الجانب الأيمن للكتيبة مستخدما 3 لواءات مدرعة بقوة 280 دبابة ولواء من المظلات ميكانيكي عن طريق 3 محاور او كانت فرقة أدان القائد الإسرائيلي من 300 دبابة وفرقة مانحن القائد الإسرائيلي 200 دبابة ولواء مشاة ميكانيكي وتم دعمهم حتي يتم السيطرة, وعزز لواء ريشيف القائد الثالث بكتيبة مدرعة وكتيبة مشاة ميكانيكي وكتيبة مشاة ميكانيكي مستقلة, وأصبحت بذلك قيادة ريشيف 4 كتائب مدرعة وكتيبة استطلاع مدرعة و3 كتائب مشاه ميكانيكي وأصبحت تشكل نصف قوة شارون.
ومع كل هذا الحشد من القوات قام العدو بالهجوم وتم الاشتباك معه بواسطة الدبابات المخندقة والأسلحة المضادة للدبابات وتم تحريك باقي سرية الدبابات في هذا الاتجاه, وقد أدت هذه السرية مهمتها بنجاح باهر, حيث دمرت12 دبابة ولم تصب أي من دباباتنا بسوء, وتم اختيار مجموعة قنص من السرايا وبلغت 15 دبابة وتم دفع أول مجموعة وضابط استطلاع وضباط السرايا, ثم دفعت الفصيلة الخاصة ومعها الأفراد حاملي الآر.بي.جي إلي الجانب الأيمن وقامت بالاشتباك مع العدو حتي احتدمت المعركة، وقلبت إلي قتال متلاحم في صورة حرب عصابات طوال الليل حتي الساعة السادسة صباح اليوم التالي، وقد تم تدمير 60 دبابة في هذا الاتجاه.
وفي الساعة الواحدة من صباح يوم 16 أكتوبر قام العدو بالهجوم في مواجهة الكتيبة 18 مشاة وأمكن صد هذا الهجوم بعد تدمير 10 دبابات و4 عربات نصف مجنزرة, ثم امتد الهجوم على الكتيبة 16 الجار الأيسر للكتيبة 18 مشاه وكانت بقيادة المقدم محمد حسين طنطاوي.
وكانت قوة الهجوم عليه من لواء مظلي ومعه لواء مدرع وكتيبة, ونتيجة لقرار قائد الكتيبة تم حبس النيران لأطول فترة ممكنة وبإشارة ضوئية منه تم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة 16 مشاة ضد هذه القوات المتقدمة واستمرت المعركة لمدة ساعتين ونصف الساعة حتي أول ضوء, وجاءت الساعات الأولي من الصباح مكسوة بالضباب مما ساعد القوات الإسرائيلية على سحب خسائرها من القتلى والجرحى, ولكنها لم تستطع سحب دباباتها وعرباتها المدرعة المدمرة والتي ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها طوال اليومين التاليين.
وقد وصف الخبراء هذه المعركة بأن قالوا أن الكتيبة 16 مشاة والكتيبة 18 مشاة تحملت عبء أكبر معركة في حرب أكتوبر, ان لم تكن أكبر معركة في التاريخ الحديث من حيث حجم المدرعات المشتركة بها, كما كان لهذه المعركة أكبر الأثر في نصر أكتوبر المجيد وإعطاء العدو الإسرائيلي درسا لم ولن ينساه.