الأصدقاء نعمة كبيرة يهبها الله للإنسان لأنهم يمثلون الوقود الحيوي للتغلب علي تقلبات الأيام ومواجهة ظروفها الصعبة.. ويقول الناس إن الصديق المخلص كثيرا ما يكون أوفي من عائلة بأكملها لأنه دائما في جنبك يساندك ويدعمك ويمد لك يد العون في مختلف الأوقات وأصعب الظروف ولا ينتظر منك حمدا ولا شكورا ولا عجب أن يكون الخِل الوفي أسطورة وهمية لا تصادفنا في حياتنا قط ولكن كان الله كريما معي عندما عرفت صديق عمري الأستاذ الكبير محمد عبد المقصود منذ التحق للعمل بعدي في أخبار اليوم وجدت فيه انسانا أشبه بالملائكة ورجلا يعتمد عليه في كل المواقف الانسانية والمهنية كان دائما وأبدا دمث الأخلاق بشوش الوجه قادرا علي اكتساب حب واحترام الاخرين وكان دائما في صف كل الذين جاءوا بعدنا للعمل في قسم الحوادث الذي شرفنا بالعمل فيه تحت إشراف أستاذنا الراحل العظيم محمد زعزع الذي تعلمنا منه أن العمل الصحفي يجب أن يستمر علي مدار الـ24 ساعة وغرس فينا أخلاقيات الصحفي الحميدة وأهمها الا تبيع قلمك أو تفتح درج مكتبك لتقبل هدايا أو رشاوي.. عشت مع عبد المقصود أكثر من أربعين سنة نتنافس ونتسابق ونتزامل في عمل التحقيقات الصحفية ولم نكن نفترق إلا لساعات قليلة نعود بعدها في صباح اليوم التالي لنبدأ رحلة جديدة للبحث عن المتاعب وخدمة الناس وإزالة همومهم ولذا جاءت معظم الموضوعات انسانية اجتماعية حققت لنا شهرة واسعة ولم يكن لدينا الوقت لنفكر من فينا الأول أو الثاني بل كنا نجد الحب يجمعنا والزمالة تشجعنا طوال مشوار عمرنا معا.. تأثر عبد المقصود منذ طفولته بغبار مصانع أسمنت حلوان الذي كان يخيم ويرمي بالأمراض الصدرية علي سكان منطقة المعصرة التي نشأ فيها فوضع نصب عينيه أن يكون محاربا في مجال قضايا البيئة في كل اتجاه وبالفعل تفرغ لعمل تحقيقات عن مشاكل التلوث وأمراضه وأنشأ أكبر صفحة متخصصة للبيئة في جريدة الأخبار ليصبح من أشهر كتاب البيئة والتنمية علي مستوي الوطن العربي وشارك في معظم المؤتمرات الدولية وكنت معه كأعضاء في جمعية البيئة المصرية لعدة سنوات.. وعلي الجانب الانساني لم تكن طفولته سعيدة فلقد وجد نفسه يتيم الأم ولكنه آثر أن ينبغ في تعلم اللغة العربية واعطاء الدروس فيها وحفظ القرآن الكريم إلي أن تزوج فور تخرجه ابنة ناظر مدرسة المعصرة التي أنجبت له فيما بعد أحمد (دكتور جامعي) وآية (صحفية بأخبار النجوم) واستطاع بمحبة وثقة الزملاء والرؤساء أن يصبح مديرا لتحرير الأخبار وأفضل من جلس في الديسك المركزي المنوط به اخراج الصحيفة بمعلوماتها الصحيحة ولغتها العربية السليمة ولكن لم يستطع بفضل ايمانه وحبه للحياة أن يتغلب علي هذا الألم المزمن الذي عشعش في صدره منذ ريعان شبابه نعم قاوم كثيرا وخضع للعلاج كثيرا واستمر في العطاء حتي توفاه الله الجمعة الماضية لنفقد جميعا رجلا من أفضل الصحفيين العرب وصديقا لن يجود بمثله الزمان ولا أجد لدي من كلمات سوي أن أدعو الله أن يتغمد روحه الكريمة برحمته وإلي أن ألقاك يا صديق العمر لن تكفي دموعي أبدا ما يدور في صدري من حزن علي فراقك.. رحمك الله يا عبد المقصود.