الإمام الأكبر: تطوُّر مؤسّسى غيـــــــر مسبوق لترسيخ منهج الأزهر الوسطى

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

تحول كبير فى أداء الأزهر محليا وعالميا.. عطاء ومــــــــــواجهة وإصرار على الاشتباك مع واقع الناس

«بيت الطاعة» إهانة للزوجة وإيذاء نفسى
لا يحتمل ولا وجود له فى الشريعة الإسلامية

جماعات التطرف وتيارات العنف مدلسون.. وساهموا فى تشويه صورة الإسلام وشريعته

المنوط به أمر الجهاد هو السلطة المختصة فى البلاد وفق ما يحدده الدستور والقانون

الأزهر قلعة الاجتهاد والتجديد فى الإسلام بعد الأئمة الأربعة والمذاهب المعتبرة

الدعوة لتقديس التراث الفقهى تؤدى إلى جمود الفقه المعاصر

ليس فى تهنئة المسيحيين واليهود أو تعزيتهم مخالفة للشريعة الإسلامية

يحرم على أى فرد أو جماعة تجييش الشباب ومن يفعل ذلك مفسد فى الأرض ومحارب لله ورسوله

كان الأزهر الشريف وسيظلُّ قلعة الاجتهاد والتجديد فى الإسلامِ على مَدَى تاريخِ المسلمين، بعدَ عصرِ الأئمة الأربعة وأئمَّة المذاهب الفقهية الأخرى المعتبَرة، فمن الثابتٌ فى التاريخ من أنَّ تراثَ المسلمين كان قد أَشْرَفَ على الهلاكِ بعدما ضاع على أيدى الغُزاة بالأندلس فى الغرب، وبعدما أحرَقَه التتارُ فى الشرق، ولولا ما عَمِلَه الأزهرُ وعملَتْه مصر فى القرونِ الأربعة الميلادية، من الثانِى عَشَرَ حتى الخامس عَشَرَ؛ لما كان هنالك ما يُسَمَّى الآن بالتُّراثِ العربيِّ الإسلاميِّ.
يضطر الإمام الأكبر - أحيانا- للتوضيح، بمثل هذه العبارة القوية، عندما يرى أن الأمر يتحول من انتقاد موضوعى طبيعى، فيما يتعلق بالتجديد، إلى حملات غير مبررة تنتقص من مؤسسة لا تمثل مصر فقط ،وإنما تمثل ما يتعدى المليار ونصف مسلم فى العالم.لا يرد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ولا يلتفت -غالبا- على الحملات المتكررة أو ما أطلق عليه «مواسم الهجوم على الأزهر»،ولكن عندما يرد يأتى الرد علميا مدروسا منطقيا مؤيدا بالأدلة والبراهين والحجج القاطعة،لا يلتفت الإمام الأكبر للوراء فـ» الملتفت لا يصل» وإنما ينطلق بكل ما أوتى من قوة ليحقق المزيد والمزيد من الإنجازات للمؤسسة التى أؤتمن عليها،والتى نجح فى إعادتها للصدارة، ونفض غبار سنوات طوال من التهميش،فعادت تواصل تأدية دورها التجديدى والدعوى والخدمى محليا وعالميا.
يتماس مع قضية تجديد الخطاب أو الفكر الدينى أو التجديد الفقهى ،التى اتخذها البعض مطية فى «مواسم الهجوم على الأزهر»،ما شهدته المؤسسة الأزهرية من تطوُّر مؤسّسى غيرَ مسبوق،على يد الإمام الطيب عن طريق استحداث مؤسسات جديدة منها: «بيت العائلة المصرية» و«بيت الزكاة والصدقات المصرى» و«مجلس حكماء المسلمين» و «مركز الأزهر العالمىّ للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة»و» أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ» و«منظمة خريجى الأزهر» و «مركز الأزهر للحوار» و«مركز الأزهر للتراثِ والتجديد» وإعادة إحياء لأخرى ومنها:» هيئة كبار العلماء» و» الأروقة الأزهرية» بهدف ترسيخَ المنهج الأزهرى الوسطى، والوُلوج إلى مجالاتٍ وميادينَ غيرِ مطروقة، والسعى للوصول إلى أكبرِ شريحةٍ من البشر عبر العالم؛ انطلاقًا من رسالة الأزهر العالمية، وكونه المؤتمَنَ على تبليغ تعاليم الإسلام السمحة، وفقًا لمنهجٍ وسطيّ معتدل؛ وهو ما جعله قِبلةَ طلاب العلم الشرعى من كافّة أرجاء العالم.
وبالعودة لقضية تجديد الخطاب الدينى لا ينفك الإمام الأكبر عن توضيح ما يتعلق بضوابطه ومجالاته ورجاله - كل ذلك عبر مؤتمرات ورسائل وبرامج تليفزيونية- ليؤكد أن «الأزهر على مدار تاريخه هورائد الثورة على الجمود والتقليد، «وأن» التيار الوسطى هو الأجدر بمهمة التجديد«وأنه» لا تجديد فى النصوص القطعية المتعلق معظمها بالعبادات والمواريث» وأن «النصوصُ الظنيَّة فهى محلُّ الاجتهاد والتجديد»،و«أن عالما من العلماء لا يستطيع -بل لا يجرؤ- مهما كان واسعَ العلمِ وخارقَ الذكاءِ أن يُطالِعَنا بجديدٍ فى فرضيَّةِ الصلاة وبقيَّة العبادات، وفى تحريم الزنا والسرقة والخمر والميسر، وحُرمة الربا والغصب، وأنه لا ضَررٍ بالنفس ولا ضرارٍ بالغير، وكذلك أحكامُ المواريثِ الثابتةُ نصًّا ثُبوتًا قطعيًّا من القُرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ».

11 عاما على تولى فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب منصبه شيخا للأزهر وهى فترة شكلت تحولًا كبيرًا فى أداء الأزهر الشريف؛لرسالته محليا وعالميا، بقيادة واعية ،هى فترة شهدت حالة كبيرة من العطاء والمواجهة والإصرار على الاشتباك مع واقع الناس، والحفاظ على وعيهم، وهى رسالة تحملتها المؤسسة بقطاعاتها المختلفة فمنذ تولى الإمام الأكبر قيادة الأزهر الشريف، وتشهد قطاعات الأزهر، تحولًا كبيرًا فى أدائها وخدماتها، حتى أصبحت مقصدًا لكل حائر، وسبيلًا لكل فهم واعِ.
جهود الأزهر الشريف كبيرة ومتعددة فى «تجديد أمور الدِّين»، وخِدمةِ الأهدافِ العُليا للوطَنِ وللأُمَّتَيْن: العربية والإسلامية، وفى مجالِ السلامِ والأخوَّةِ الإنسانيَّةِ فى أرجاء المعمورةِ بأسرِها ومن بينها مؤتمرِ الأزهر العالميِّ لتجديدِ الفكرِ الإسلاميِّ الذى انعقد فى يناير من العام الماضى 2020م، برعايةٍ الرئيس عبدالفتاح السيسي-وعنه يقول الإمام الأكبر:»إن المؤتمر «شهده علماءُ ومُفتونَ ومُفكرون من أكثر من ستين دولة، وتميَّز عن باقى المؤتمرات بالمعالجةِ الواقعيَّةِ لقضايا حقيقيَّةِ يعيشها المسلمون فى مصر وفى كثيرٍ من بلدان العالم الإسلامى. واستطاع الأزهر أنْ يحدد رأيا شرعيًا فى تسعٍ وعشرين «مادة» فى بيانه الختامى، خضعت للبحث والنِّقاش، وكُلُّها مأخوذة مُباشَرةً من واقع الحياة المعاصِرة، ومُعتَمَدة من مُمثِّلين لعُلَماء العالم الإسلامى، وأن مما أجمَعَ عليه العلماءُ إجماعًا كاملًا خلال المؤتمر: أنَّ تيَّارات التطرف وجماعات العنف والإرهابِ مُدلِّسون فى كل ما يصدر عنهم فى فتاوى الجهاد والقتل والدماء، وأن مقولاتهم التى ألبسوها ثوبَ الفقه وحكم الشريعة مقولاتٌ زائفة وكاذبة، مثل: مقولاتهم فى نظام الحكم، والحاكمية، والتكفير، والهجرة والجهاد، والموقف ممَّن لا يُؤمِنُ بعقائدهم، ومُعاملة غير المسلم، وأنَّ هذه الجماعات شاركت مُشاركةً بالغة السوء فى تشويه صورةِ الإسلام وشريعتِه عند الغربيِّين ومَن على شاكلتِهم من الشرقيِّين، بل ربما كانوا رُؤوسَ حِرابٍ -من حيث لا يَشعرُون- فى حملات تشويه الإسلام، وتجريد المسلمين من أقوى أسلحتهم وأمضاها فى وجودهم وبَقائهم على قَيْدِ الحياة».

تهمة الجمود

تهمةَ الجمودِ ورفضِ التجديد، وتقديس التراث، والتباسات فى أذهان الكثيرين حول هذه القضية يوضحها الإمام الأكبر:» الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه فى ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّى إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ فى عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها فى عصرِها الذى قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا فى مُشكلاتِ اليوم، التى لا تُشابِهُ نظيراتِها الماضيةَ، اللهمَّ إلا فى مُجرَّدِ الاسمِ أو العنوان. ومما قد يثير الدهشة أن قضيةَ «التجديدِ» الفقهيِّ، وبخاصةٍ فى مجالِ: الأسرةِ، والمرأةِ، والأحوالِ الشخصيَّةِ، والاقتصادِ، والبنوكِ والربا، بل والقضايا السياسيَّةِ وغيرِها، هى قضية ليست بنتَ اليوم، ولا بنتَ هذا القَرْنِ، والحديثُ فى بيانِ ذلك حديثٌ طويلٌ، أقتصرُ فيه على لَفْتِ الأنظارِ إلى أنَّ الدكتور محمد يوسف موسى -رحمه الله- أصابَ كَبِدَ الحقيقةِ حين لَفَتَ الأنظارَ إلى أنَّ علةَ الجمودِ والعجزِ عن التجديدِ علةٌ مُركَّبةٌ من عُنصرٍ كسولٍ وعنصرٍ مُتهوِّرٍ، وأنَّ كُلًّا من هذين العُنصرَيْن المتنافرين يُغرى الآخَر بالصُّمودِ فى معركةٍ خاسرةٍ، ويمدُّه بأسبابِ التعويقِ والفشل الدائم، وهذه مشكلةٌ شديدةُ التعقيدِ لا تزالُ تعملُ عملَها المشؤومَ حتى يومِ الناس هذا، ولا أزالُ أنا شخصيًّا أشعرُ بشيءٍ غيرِ قليلٍ من الإحباطِ كُلَّما فكرت فى حَلٍّ مناسبٍ لها.فحين نقرأ كلامِ أَئِمَّةِ الفِقْهِ نجد تَحْذيرًا واضِحًا ونَهْيًا صَرِيحًا عن التَّقْليدِ، باعْتبارِه طريقًا يُفْضِى -لا مَحَالَةَ- إلى الجُمُودِ وقَتْلِ مَلكةِ التَّفكيرِ والإِبْداعِ، تَقْرأُ كُلَّ ذلك فى عباراتٍ لا تَقْبَلُ التَّأْويلَ، مثل قولِهم: «لا تُقْلدْني» وقَوْلِهم: «خُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا» وقَوْلِهم: «يَتَّبعُ الرَّجلُ ما جاء عن النَّبيِّ  وعن أصْحابِه، ثمَّ هو من بَعْدُ فى التَّابِعينَ مُخَيَّرٌ». وهذه المَأْثوراتُ تُمَثِّلُ مَرْوياتٍ صَحِيحةً للإِمَامِ أَبى حَنِيفةَ والإمامِ أحمدَ والإمامِ الشَّافعيِّ والإمامِ مالكٍ، رضى الله عنهم. وأنا لا أعُدُّ نفسى واحدًا من علماءِ التجديد، أو فُرسانِ الاجتهادِ؛ فأنا -ويعلمُ الله!- دُونَ ذلك بكثيرٍ، ولكنِّى لا أُنكر أنَّنى واحدٌ من هؤلاء الذين أرَّقَهم هذا الجمودُ منذ زمنٍ طويلٍ جدًّا، بَدَأَ مع التنقُّلاتِ بين القُرى ومدنِ الصعيدِ ومدينةِ القاهرةِ، وبعضِ المدن الأوروبية والعربية والآسيوية، ومشاهدة المفارقات التى تذهبُ من أقصى النقيضِ إلى أقصاه الآخَر، وبرُغم أنَّ الأزهرَ الشريف قد وُجِّهَتْ إليه فى الآوِنةِ الأخيرةِ؛ تهمةَ الجمودِ ورفضِ التجديد، فإنِّى أُؤكِّدُ لله، ثم للتاريخ أنَّ الأمرَ لم يكن أبدًا كذلك.. بل إنَّ الأمرَ كلَّه كان بعكسِ ما قِيلَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

شروط المجدد

عملية التجديد فى شريعة الله صناعة علمية دقيقة لها ضوابطها وشروطها بداية من القضايا التى تقبل التجديد وصولا لمن لهم الحق فى التجديد أو شروط المجدد..وهو ما يوضحه الإمام الأكبر بقوله:»إن من القضايا التى تقبل الاجتهاد والتجديد، هى القضايا المستنبطة من نصوص ليست حاسمة فى الدلالة على معنى واحد؛ كالنصوص القطعية ومن أمثلتها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وأمثالها مما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا محددًا من النص، أما النصوص القابلة للتجديد فتسمى النصوص الظنية الدلالة، ومثَّلنا لها بالنصوص الواردة فى البيع وغيرها، ومن هذه النصوص الآيات الواردة فى الأمر بالعدل والشورى والمساواة، فإنها قابلة للتطبيق عبر الاجتهاد على أى نظام من أنظمة الحكم، ما دام يحقق مقاصد هذه الآيات، ومنها النصوص التى تحقق للمسلمين حرية الحركة والتأقلم بالأنظمة الحديثة فى مجال العلاقات الدولية، ومنها أيضًا مجال القوانين الجنائية فى غير مجال الحدود الشرعية، وإن كان مجال الحدود الشرعية هذا قد وضع له من القواعد والاشتراطات الشرعية ما يجعل من إقامة «الحد» أمرًا نادر الحدوث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، فهذه القاعدة بمفردها تجعل من إثبات الحد أمرًا بالغ الصعوبة؛ إذ كل جريمة من جرائم الحدود لا تكاد تخلو من شبهة من الشبهات، تأخذ بيد القاضى إلى النزول من عقوبة الحد إلى عقوبة أخرى أقل منها، وقُل مثل ذلك فى مجالات الاقتصادِ ومجالات الأحوال المدنية، وكلِّ ما يُثمِرُه «قانونُ التطور» من اجتماعيَّاتٍ وآدابٍ وثقافاتٍ، ما دامت تَندرجُ بصورةٍ أو بأخرى تحتَ مقاصدِ الشريعةِ، والتى لا نَمَلُّ من القولِ بأنها مقاصدُ إنسانيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ ومصلحيَّةٌ تقومُ على الإيمانِ بالله تعالى. وعملية التجديد فى شريعة الله، صناعة علمية بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون فى العلم، وقد طلب الأزهر فى هذه المادة غير المؤهلين تجنب الخوض فى هذا الموضوع؛ حتى لا يتحول التجديد إلى ما يشبه محاولة للتدمير والتبديد، وفيما يتعلق بمجال دعوات المتطرفين للشباب بترك أوطانهم التى ينعتونها بالمجتمعات الكافرة، ومطالبتهم بالهجرة منها للالتحاق بجماعاتهم المسلحة، يقول الأزهر: إن هذه الدعوة ضلال وجهل بالدين وبشريعته السمحة، والأمر على عكس ذلك تمامًا؛ إذ من حق المسلم إذا أمن على نفسه ودينه وماله وعرضه من الفتنة أن يتخذ له مسكنًا ووطنًا فى أية بقعة من بقاع المسلمين أو غير المسلمين.

رد الاعتداء

والجهاد فيما يقول الأزهر ليس ـ كما يشاع ـ هو القتال مطلقًا، وإنما هو القتال من أجل رد الاعتداء والعدوان، ولم يحدث أن شنت حرب فى الإسلام لإدخال الناس فى هذا الدين، ولو كان الأمر كما يقولون لما وجب على المسلمين وقف القتال إذا اختار أهل البلاد المفتوحة البقاء على أديانهم، والمنوطُ به أمرُ «الجهاد» هو السُّلطةُ المختصَّةُ فى البلادِ وَفْقَ ما يُحدِّدُه الدستورُ والقانون، ويَحرُم على أيِّ فردٍ أو زعيمٍ أو جماعةٍ أن يُجيِّشَ الشبابَ، أو يُدرِّبَهم على القتلِ أو قطعِ الرُّؤوس، ومن يَفعَلُ ذلك فهو مُفسِدٌ فى الأرضِ ومحاربٌ للهِ ورسولِه، ويجبُ على السُّلطاتِ المختصَّةِ أن تَتعقَّبَهم وتُحاكِمَهُم، وتَقتَصَّ منهم القصاصَ العادلَ، وتُخلِّصَ البلادَ والعبادَ من جَرائمِهم. والدولة فى الإسلام ليست ـ كما يقول زورًا وكذبًا ـ دولة دينية (كهنوتية) بالمفهوم الغربى، وكذلك ليست دولة مستبدة تجحد الدين، وتحرم الناس مما يتضمنه من مصالح ومنافع وأمن وأمان، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم وأفراحهم، ومواساتهم، وعزاؤهم فى مصابهم من أخلاق البر الذى أمرنا الإسلام به تجاه إخوتنا من غير المسلمين، فليس فى تهنئة المسيحيين، أو اليهود ـ من غير الصهاينة ـ أو أى مسالم لنا على وجه الأرض، أو تعزيتهم-مخالفة للشريعة الإسلامية، وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} هذه الآية الكريمة قاطعة فى الردِّ على الذين يُحرِّمون مُصافحةَ المسيحيِّين؛ ذلك أنَّها -مع ما بعدها- تُقسِّمان غير المسلمين إلى من لا يحاربون المسلمين ولا يُخرجونهم من دِيارِهم، ولا يُضيقون عليهم ليَهجُروا بلادَهم وأوطانَهم، وهؤلاء لا حَرَجَ على المسلِمِ أن يَبَرَّهُم ويُقسِطَ إليهم، بل مطلوبٌ منه البِرُّ والقسط، والبرُّ المذكور فى الآية هو: «حسن المعاملة والإكرام»، والإقساط هو «العدل بأوسع معانيه»، وهو يَنطبقُ على التوازن فى كُلِّ مواقفِ الإنسان مع غيرِه وتَصرُّفاته إزاءه. والآيةَ الأولى قد أوحت إلى الفقهاء والعلماءِ كثيرًا من وجوهِ البر والتعاونِ بين المسلمين وأهلِ الكتاب، وخاصة المسيحيِّين منهم، مثل: جوازِ أن يَتصدَّقَ المسلمُ على المسيحيِّ الفقير، وجوازِ إخراج زكاةِ المسلم إلى الكتابى، وجوازِ أن يُوصِيَ المسلمُ فى مالِه بعد وفاته لمسيحى، كما يجوز له الوقف عليه أيضًا.. وهذا كلُّه من باب «البرِّ» المطلوب من المسلم تُجاهَ الذمي،و الذين يحاربون المسلمين فقط هم من تحرم معاملتهم بالبر والإحسان».

قضايا المرأة

حظيت المرأة بمكانة كبيرة فى الاجتهاد الفقهى فى أروقة الأزهر ومؤخرا كانت هناك تطورات فيما يتعلق بذلك يشير إليها شيخ الأزهر:»كان للمراة نصيب الأسد من المكاسب فى القَضايا التى خضَعَتْ للتوصيفِ الشرعيِّ، والاجتهادِ الفقهيِّ فى أروقةِ الأزهرِ الشريف، حيث دُرِست مُعظمُ قضاياها إمَّا بحُسبانِها فردًا مُستَقِلًّا، أو عُضوًا فى الأسرة والمجتمع. وأوَّلِ هذه المكاسبِ موضوعُ» سفرِ المرأة»، ومعلومٌ أنَّ سفَرَها فى تُراثِنا الفقهيِّ مشروطٌ -عندَ أغلبِ الفقهاءِ- بمُرافقةِ الزوجِ، أو أى مَحرَمٍ من مَحارِمها؛ لأنَّ سَفَرَ المرأةِ بمُفردِها فى تلك العُصورِ-بدون مَحرَمٍ- كان أمرًا صادمًا للمُروءةِ والشرفِ، بل كان طعنًا فى رُجولةِ أفرادِ الأسرةِ؛ نظرًا لما تتعرَّضُ له المرأةُ -آنذاك- من سَبْيٍ واختطافٍ واغتصابٍ، فى الصحارى والفَيافى المُظلِمةِ ليلًا، وقد كان من عادةِ العربِ السَّفَرُ ليلًا، والكُمُونُ نهارًا، وحين قال النبيُّ : «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ -أى مَحرَمٍ- فإنَّه، وهو النبيُّ العربيُّ الذى بُعِثَ ليُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ، كان يَحمى حَقًّا أصيلًا للمرأةِ على أُسرتِها. وفى ظل تغيُّر نظامُ الأسفارِ فى عصرِنا الحديثِ، وتبدّل المخاطرُ التى كانت تُصاحبُه إلى ما يُشبِهُ الأمانَ، وتوفُّر الرفقةِ المأمونةِ من الرجالِ والنساءِ، ولم يَعُد السفر يَستَغرِقُ لياليَ وأيامًا، فإنَّ الاجتهادَ الشرعيَّ فى هذه المسألة لا مَفَرَّ له من تطويرِ الحكمِ من منعِ السَّفرِ إلى الجوازِ، بشرطِ الرفقةِ المأمونةِ كما هو الحالُ فى الحج والعمرة والرحلات وغيرِها. وإنْ كان المذهبُ المالكيُّ، ومنذُ العصر الأوَّلِ للإسلامِ أباحَ للمرأة الخروجَ إلى الحج -بدون مَحرَمٍ- إذا كان معها رفقةٌ مأمونة، وقد انتهى رأيُ العلماء فى هذه القضيَّةِ إلى تَبنِّى فقهِ الإمام مالكٍ -رضى الله عنه- فى جوازِ سفرِ المرأةِ -اليوم- بدون محرمٍ متى كان سفَرُها آمِنًا، بصُحبةٍ تُرافِقُها، أو وسيلةٍ من وسائلِ السفر تمنعُ تَعرُّضَها لما تكرَهُ.و من مَكاسِبِ المرأةِ أيضًا اتِّفاقُ علماءِ مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى على أنَّه يجوزُ لها شرعًا أن تتقلَّدَ الوظائفِ التى تُناسبها كافَّةَ بما فيها وظائفُ الدولةِ العليا ووظائفُ القضاءِ والإفتاءِ، وأنَّه لا يجوزُ الالتفافُ حولَ حقِّها هذا لمصادرتِه أو وضع العقبات أو التعقيدات الإداريَّةِ ممَّن يستكبرون أن تجلسَ المرأةُ إلى جوارهم، ويَحولُون بينَها وبينَ حقِّها المقرَّرِ لها شرعًا ودستورًا وقانونًا، وكلُّ محاولةٍ من هذا القَبِيلِ هى إثمٌ كبيرٌ، يَتَحمَّلُ صاحبُه عواقبَه يومَ القيامة.كذلك يَتعلَّقُ بأمر فَوْضَى الطلاقِ قرَّر العلماء، وربما لأول مَرَّةٍ، أنَّ الطلاق التعسفى، بغير سببٍ مُعتَبرٍ شرعًا، حرام وجريمة أخلاقية يُؤاخَذ عليها مُرتكبُها يومَ القيامة، سواء كان ذلك برغبةٍ من الزوجِ أو الزوجةِ، وذلك للضررِ الذى يَلحَقُ أُسرةَ كلٍّ منهما، وبخاصَّةٍ: الأطفال. وإنَّنى، وأثناءَ بحثى فى فقهنا القديم، عن حكم الطلاق، وكيف يكونُ مباحًا مع الأضرارِ المترتبةِ عليه، وجدتُ من كبار الفقهاءِ الأجلاءِ مَن يقولُ: إنَّ الأصلَ فى الطلاقِ الحرمةُ، وإنَّه لا يَصِيرُ مباحًا إلا للضرورة، وكادوا يحصرون الضرورةَ فى نُشُوزِ الزوجة على زوجِها، والنشوزُ هو التعالى والتكبر على الزوج واحتقاره وإشعاره بأنَّه فى منزلةٍ أدنى من منزلةِ الزوجة.. فهاهنا يكونُ الطلاقُ «مباحًا»، وأُكرِّر: «مباحًا» وليس واجبًا ولا سنةً ولا مستحبًّا، ثم يقولُ هذا الفريقُ من العلماءِ: وهذا هو الطلاقُ المباحُ الذى وُصِفَ فى الحديثِ الشريفِ بأنَّه أبغض الحلال إلى الله، وليس كما تَفهَمُ غالبيَّةُ الأمَّةِ بأنَّ الطلاق حلالٌ مطلقًا وإنْ أبغَضَه الله تعالى.

الشبكة والمهر

كذلك عالج مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى مسألةً هامَّةً كثيرًا ما يَضطِربُ فيها أمرُ الأُسَرِ، وهى: ما يَتعلَّقُ بالشبكةِ التى يُقدِّمُها الخاطبُ لمخطوبتِه؛ هل هى جزءٌ من المهر فيجبُ رَدُّها معه إذا لم يَتِمَّ الزواج، أو ليس جُزءًا فلا يجبُ ردُّه؟ وقد انتهى رأيُ العلماء إلى أنَّه إذا كان فسخُ الخطوبةِ بسببِ المخطوبةِ فللخاطبِ حَقُّ استردادِها، وإذا كان هو السببَ فلها الاحتفاظُ بكلِّ ما قدمه لها كشبكةٍ، وفى كلِّ الأحوال لا تُعَدُّ من المهر، إلا إذا اتُّفِقَ على ذلك، أو جَرَى العُرْفُ به. وكذلك لا يُعَدُّ مجرَّدُ العدولِ عن الخطوبة ضررًا يُوجِبُ تعويضًا، لكنْ إذا ترتَّب عليه -فعلًا- ضررٌ أدبيٌّ أو ماديٌّ أو كلاهما، وبخاصَّةٍ للمخطوبةِ، فللمُتضرِّر حقُّ طلبِ التعويض. كما راعى مؤتمر الأزهر النظر فى بعض العادات المؤسفة التى تَلجَأُ إليها بعض الأسر، مثل: تعنُّت ولى أمر البنت وحرمانها من رغبتها فى الزواج بشابٍّ مُناسب؛ انتظارًا لشابٍّ ثريٍّ أو من أسرةٍ ثريَّةٍ، أو من نفس عائلةِ البنت، كما يحدثُ فى بلادِنا فى الصعيد وفى دول أخرى، وقد انتهى الرأيُ فى هذا الموضوعِ إلى أنَّه: «لا يحقُّ للوليِّ منعُ تزويجِ المرأة برجلٍ كفءٍ ترضاه، إذا لم يكن للمنعِ سببٌ مقبولٌ، وللقاضى إذا رُفع إليه أمرُها أن يُزوِّجَها». ومن أهمِّ ما أكَّدَه العلماءُ فى فقهِ المرأةِ إلغاءُ ما يُعرَفُ ببيتِ الطاعةِ إلغاءً قانونيًّا قاطعًا لا لبسَ فيه ولا غُموض؛ لما فيه من إهانةٍ للزوجةِ، وإيذاءٍ نفسى لا يُحتَمل، ومعاملةٍ غيرِ آدميَّةٍ لها كإنسانٍ تُحتَرم مشاعرُه وأحاسيسُه.. ولم ينسَ السادةُ العلماءُ أنَّ يُنبِّهوا إلى أنَّ ما يُسمَّى ببيتِ الطاعةِ لا وُجودَ له فى الشريعةِ الإسلاميَّةِ التى كرَّمت النساءَ، وجعَلَتْهُنَّ شقائقَ الرجالِ، وهل ننتظرُ من مَقهورةٍ مسحوبةٍ على وجهِها أن تملأ بيتَ زوجها -بعد ذلك- ودًّا ورحمة».

احتكار المفاهيم

-احتكار المفاهيم واضطراب فهمها ومن بينها مفهوم «أهل السنة والجماعة» من أهم أسباب التطرف مع اتهام للأزهر بالانحياز لمذهب بعينه..عن ذلك يوضح شيخ الأزهر:» من المهم الإشارة إلى ما ابتُلِيت الأُمَّةُ فى الآونةِ الأخيرةِ من اضطرابِ مفهومِ «أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ» فى أذهانِ نابتةٍ من أبنائها جعَلُوا منه شارَةً بل عَلَمًا على التشدُّدِ والتطرُّفِ، والغُلُوِّ والتكفيرِ، واستباحةِ الدِّماء، وحَكَمُوا على مَن لا يَعتَقِدُ عقائدَهم بالخروجِ من دائرةِ أهل السُّنَّة والجماعةِ.. ونحن فى الأزهرِ نعملُ ليلَ نهارَ على تصحيحِ هذا المفهومِ، وعودتِه إلى دلالتِه الحقيقيَّةِ التى أجمَعَ عليها المسلمون على مدى أكثر من ألفِ عام. ونحن نَبذُلُ الجُهدَ فى التعريفِ بمذهبِ الإمامِ الماتريديِّ الحنفى فى بلاد ما وراءَ النهرِ وما جاوَرَها، ومذهبِ مُعاصِرِه الإمامِ الأشعريِّ الشافعيِّ فى العِراقِ والشام ومصرَ والمغرب،ونفعلُ ذلك وفاءً للأزهرِ الشريف الذى التحقتُ به عام 1956م من القرن الماضى، ودرستُ فى مرحلتَيْه: الابتدائيَّةِ والثانويَّةِ شرحَ الخريدةِ، وشرحَ الجوهرة، وهما كتابان مدرسيَّان فى تعليم مذهب أهل الحقِّ.. وفى كلية أصول الدِّين التى التحقتُ بها عام 1965م، نسجنا على المنوالِ ذاتِه فى مُقرَّرات علمِ الكلامِ، وسَمِعنا أوَّلَ ما سمعنا فى هذه الكليَّة العريقة عبارةَ الإمامِ النسفيِّ التى يَفتتحُ بها العقيدةَ المنسوبةَ إليه. وهى: «قال أهلُ الحقِّ: حقائقُ الأشياءِ ثابتةٌ، والعِلمُ بها مُتحقِّقٌ، خِلافًا للسوفسطائيَّة»، وحَفِظنا ما قالَه الشُّرَّاح فى بيانِ المراد من «أهلِ الحقِّ»، وأنَّهم الأشاعرةُ والماتريديَّةُ. وقد كُتِبَ الخلودُ لمذهبِ هذَيْنِ الإمامَيْنِ بسبب أنَّه لم يكن مذهبًا جديدًا اختَرَعه الماتريديُّ أو الأشعريُّ، يميل إلى العقل على حساب النَّص، أو ينحاز لظاهر النص على حساب العقل، وإنما هو مذهب يقرِّر ما عليه أصحاب رسول الله ، يتمسَّك به ويناضل عنه ويقيم الحجج والبراهين عليه فيما يقول: تاج الدِّين السبكى فى طبقات الشافعية. وأختم بتساؤل قد يبدو سطحيًّا فى ظاهره، وإن كان محوريًّا فى الواقع ونفس الأمر، وهو: هل الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى مذهب الإمامين الجليلين: الماتريدى والأشعرى ومذهب أهل الحديث؟ والجواب المباشر هو: نعم وألف نعم، بل أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول: إنَّه لا يوقِف حمامات الدِّماء التى أُريقَت على مذابح التكفير إلَّا مذهب أهل السنةِ والجماعة. فنحن نعلم يقينًا أنَّ الجماعات المسلحَّة التى تنتسب للإسلام لا ترتكب جرائمَ القتلِ وإراقة الدماء إلا انطلاقا من عقيدة فاسدة تقول: إن مرتكب الذنوب والكبائر كافر ودمه حلال، وإن صلى وصام وقال: إنه مسلم، فكلُّ مُرتكبٍ لكبيرةٍ هو فى نظَرِهم كافرٌ، ودمه وماله وعِرضه حلال.. فالتكفير بالكبائر هو بريد استحلال الدِّماء، وهو مذهبٌ دمويٌّ يتستَّر بالدِّين، وهنا نلفت أنظار -غير العلماء والمتخصِّصين- إلى أنَّ المذهب الوحيد، وأكرِّر: الوحيد، الذى لا يكفِّر أحدًا من أهل القِبلة، ولا يُخرج أحدًا من المسلمين من دائرة الإسلام، حتى وإن ارتكب جميعَ الكبائر ومات عليها- إنَّما هو مذهب أهل السنة والجماعة، يقول الأشعريُّ وهو يلفظُ آخر أنفاسه فى بغداد: «اشهدوا عليَّ أنى لا أُكفِّر أحدًا من أهلِ هذه القِبْلَة، لأنَّ الكل يُشـيرون إلى معبـودٍ واحد، وإنَّما هذا كله اختـلاف عبارات».. والمذهب نفسه نجده عند الإمام الماتريدى، وبصورة موسَّعة تعقب فيها آراء الخوارج والمعتزلة وسائر المكفِّرين بالكبيرة، وفنَّدها عبر ست وخمسين صفحة فى الباب الرابع من كتابه الرائع، كتاب التوحيد، وهذا هو ما قرَّره رسول هذه الأمة -- فى بيان صريح واضح وضوح الشمس فى رابعة النهار «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِى لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِى ذِمَّتِهِ». وإنى لأتساءل: أَلَا يُمثِّلُ مذهبُ الإمام الماتريدى، طوقَ نجاة لشبابنا الذى انخرط مع المُكفِّرةَ والقَتَلَةِ؟ ويستوجب من الأمة كلها أن تروِّج هذا المذهب الذى يُعبِّر فى أمانةٍ وصدق عن روح الإسلام وانحيازه للإنسان، ولحرمة دمه وماله وعِرضه. وألَّا تدَّخر الأمةُ وُسعًا فى تدريسه للناشئة ولطلاب العلم، وأن تفسح له ولو مكانًا ضيِّقًا فيما يبثُّه إعلامُها من لقاءات وحوارات».

رسائل كورونا

- بعد ظهور فيروس كورونا كانت رسائل للإمام الطيب آخرها ما يتعلق بمعالجة التفاوت فى توزيع اللقاحات وعنها يتحدث:» نحن أمام اختبار إنسانى حقيقي؛ لا يمكن تجاوزه إلا بالتضامن وتغليب الضمير اليقظ، والرحمة الخالصة، والعدالة الإنسانية،ولذلك أدعو الشركات المنتجة للقاح كورونا إلى إعادة النظر فى سياسات التسعير وخطط التوزيع، كما أدعو الدول الغنية إلى العمل على معالجة التفاوت الشديد فى توزيع اللقاح لضمان وصوله للمناطق الأكثر فقرًا واحتياجًا،وأطالب الدول والشركات المصنعة للقاحات كورونا بعدم خذلان الفقراء واللاجئين فى حقهم للحصول على لقاح كورونا، وأن تقر الشركات المنتجة سياسةً عادلةً لتوزيع اللقاح؛ انطلاقًا من رسالتها وضميرها الإنسانى، بعيدًا عن أسواق التجارة والحسابات المادية وأقدر ما يبذله العلماء والباحثون من جهود فى سبيل تقديم لقاح كورونا للعالم، فهذا «عطاءٌ سخيٌّ ومقدرٌ من أبطالٍ اختصهم الله بالمحافظة على حياة البشر فى ظل جائحةٍ أودتْ بحياة أكثر من مليون شخص، ولا تزال تهدد العالم كما أؤكد دعمى وتقديرى لأبطال الطواقم الطبية؛ أطباء وممرضين وموظفين وعمالا، ممن يقفون على خطوط الدفاع الأولى لحماية المجتمع والحفاظ عليه من فيروس كورونا، فعملهم وجهودهم هذه تضحيات إنسانية لهم عليها كل الشكر.

الماء ملكية عامة

ظاهرة خطيرة، ظهرت حديثًا وهى «ادِّعاء» مِلْكيَّة بعض الموارد ‏الطبيعية والاستبداد بالتصرف فيها ‏بما يضر بحياة دول أخرى يعلق الإمام الطيب عليها:» الدِّين –‏عند مَن يؤمن به ويحترم قوانينه- يَحكُم ‏حُكمًا صريحًا بأنَّ مِلْكيَّة الموارد الضروريَّة ‏لحياةِ النَّاس هى مِلْكيَّةٌ عامَّة، ولا ‏يصحُّ بحالٍ من الأحوال، وتحتَ أى ظرفٍ من ‏الظُّروفِ، أن تُترك هذه الموارد ‏مِلْكًا لفردٍ، أو أفرادٍ، أو دولةٍ تتفرَّدُ بالتصرُّفِ فيها ‏دونَ سائر الدُّول المشاركة لها ‏فى هذا المورد العام أو ذاك،و هذا من ‏أمسِّ ما يتعلق بموضوع الإفساد فى الأرض، ويجب أن يتكاتف العالم لوقفة قبل أن ‏تنتقل عدواه إلى نظائره من البيئات والظروف المتشابهة.‏و«الماء» بمفهومه الشامل الذى يبدأُ من ‏الـجُرعة ‏الصغيرة وينتهى بالأنهار والبحار- يأتى فى مُقدِّمة الموارد الضروريَّة التى ‏تنصُّ ‏شرائع الأديان على وجوبِ أن تكون ملكيتُها ملكيةً جماعيةً مشتركة، ومَنْعِ ‏أن يستبدَّ ‏بها فردٌ أو أناسٌ، أو دولةٌ دون دولٍ أخرى. فهذا المنع أو الحجر أو ‏التضييق على ‏الآخرين، إنما هو سَلْبٌ لحقٍّ من حقوقِ الله تعالى، وتصرفٌ من ‏المانعِ فيما لا ‏يَمْلِك. ‏وسبب هذا المنع المشدَّد هو أنَّ اللهَ تعالى لمَّا جعل ‏الماء هو أصلُ الحياةِ ‏على اختلافِ أنواعها خَصَّ نفسه –سُبحانه!- بتفرُّدِه بملكيته، ‏وبإنزالِه من السَّماءِ ‏إلى الأرضِ، وجَعْلِه حَقًّا مُشْتَركًا بين عبادِه؛ وأنَّ أحدًا من عبادِه ‏لم يَصنع منه ‏قطرةً واحدةً حتى تكون له شُبهةُ تملُّكٍ تُخوِّله حقَّ تصرُّفِ المالكِ فى ‏مِلْكِه، يَمْنحه ‏من يَشاء ويَصرفه عمَّن يَشاء.. وأنَّ مَن يستبيح ذلك ظالم ومعتد، ‏يجب على ‏الجهات المسؤولة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا أن تأخذ على يديه، وتحميَ ‏حقوق الناس ‏مِنْ تغوله وإفساده فى الأرض.