مروة أنور - ياسين صبرى
نورت يا قطن النيل.. يا حلاوة عليك يا جميل.. اجمعوا يا بنات النيل.. يلا دا مالوش مثيلب.. هكذا كان الفلاحون فى الريف المصرى يتغنون لمحصول القطن وقت موسم حصاده، الموسم الأهم بين كل مواسم حصاد المحاصيل الزراعية، بل إن هناك أنشطة اجتماعية واقتصادية مهمة كانت ترتبط به مثل زواج الأبناء فى الريف..
اآخرساعةب قامت بجولة فى عدد من الحقول المزروعة بالقطن فى محافظتى الفيوم والبحيرة، وكان المشهد مثيراً للبهجة بمنظر حقول القطن التى تفتح االنوارب الخاص بها، فخلق اللونان الأخضر والأبيض حالة من البهجة بين الفلاحين.
فرحةٌ عارمة تلمسها بين مزارعى القطن مع ارتفاع أسعاره هذا الموسم، تُعيدهم إلى العصر الذهبى لمواسم الخير، بعد سنواتٍ من العناء لم يجلب لهم المحصول خلالها إلا الخسارة. البشائر التى استقبلتها محافظات الوجه القبلى بدأت ببنى سويف، التى وصل سعر القنطار فى أول المزادات التى عُقدت بها إلى 3715 جنيهاً، فيما تجاوز 3800 جنيه فى الفيوم التى تضم عشرة مراكز لتجميع القطن ضمن منظومة التداول الجديدة، التى شهدت إقبالاً غير عادى من المزارعين بالمحافظة لتوريد المحصول.
ورصدت اآخرساعةب المنظومة الجديدة من داخل أحد مراكز التجميع الذى تراصت فيه أجولة القطن من صنف اجيزة 95ب، الذى يدوّنه المسئول عليها بعد الانتهاء من وزنها بالميزان المُخصص لذلك داخل المركز. فيما يتوافد المُزارعون لتوريد إنتاجهم استعدادًا للمزاد المُقبل.
ارتفاع الأسعار
ويأتى ذلك بعد أن واصلت أسعار القطن الارتفاع بالمزادات التى عُقدت بمحافظات الوجه القبلي، حيث وصلت بمحافظة الفيوم إلى 3865 جنيها للقنطار، فيما لم تبدأ بعد المُزايدة على أصناف محافظات الوجه البحري، التى عادةً ما تزيد بمقدار 200 - 300 جنيه للقنطار، الأمر الذى يتوقع معه الخبراء زيادة قيمة التعاقدات التصديرية للموسم الجديد، التى بلغت خلال الموسم الماضى 237٫4 مليون دولار بزيادة 25% عن الموسم الأسبق له. وتبلغ مساحة محصول القطن للعام الحالى نحو 1٫6 مليون قنطار، بزيادة الزراعات إلى 231 ألف فدان مقابل 171 ألف فدان خلال الموسم السابق.
وتشرف على عملية تداول الأقطان لهذا الموسم الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، بمتابعة اللجنة التنفيذية المعنية بمنظومة التداول الجديدة، وتضم وزارات قطاع الأعمال العام ووزارة الزراعة فضلاً عن وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، وغيرها من الجهات المعنية بالمنظومة التى تعتمد نظام المزايدة العلنى الذى يُطبَّق للمرة الأولى على مستوى الجمهورية، بعد تطبيقه بشكل جزئى الموسم الماضي.
وتعمل المنظومة الجديدة على علاج المشكلات التسويقية لمحصول القطن بما يضمن حق المُزارع وسلامة ونقاء المحصول، وذلك بقصر عملية التداول على مراكز التجميع التى تم تحديدها بالمحافظات تحت إشراف ورقابة الجهات المعنية، مع وضع أسس وشروط عادلة لفتح المزادات التى تُشارك بها شركات تجارة الأقطان، ما يلغى دور الوسطاء وعمليات خلط الأقطان بالمحالج الأهلية غير المرخصة.
عودة الزراعة
اكنا نترقب سعر المزاد الأول مثلما ينتظر التلاميذ نتيجة الثانوية العامةب يُبادرنى عبدالغنى حسن الذى يمتلك 21 قنطارًا من القطن، هى حصيلة زراعته لثلاثة أفدنة خلال هذا الموسم. متابعًا: الم نكن نتوقع أن يحقق المحصول هذا الربح بعد الخسارة الكبيرة التى حققها فى العام الماضي، حيث تراوح سعر القنطار بين 1700و1900 جنيه، ومنذ عدة سنوات كانت الأسعار فى تراجع مستمرب.
يضيف: اكثير من المزارعين هجروا القطن لصالح محاصيل البصل والبنجر، بعد تدهور سعر المحصول وإنتاجيته، كما كنا نقف وحدنا فى مواجهة التجار ونضطر للقبول بالأسعار المتدنية، بعدما رفعت الدولة يدها عن تسويق المحصول آنذاك، غير أن ما تحقق هذا العام يشجِّع على العودة إلى التوسع فى زراعة القطن، فمتوسط هامش ربح الفدان هذا الموسم يصل إلى 18 ألف جنيه، والمنظومة تتيح توصيل القطن للشركات دون اللجوء للتجّار والوسطاء، والسعر المبدئى الذى تحدّد لفتح المزادات يضمن لنا عدم الخسارة، لكن الحظ حالفنا بشكل كبير فى الأسعار النهائيةب.
ويرى أحمد محمد أن المنظومة الجديدة تقضى على الدواليب الأهلية، التى كان كثير من المزارعين يلجأون إليها للحصول على أسعار أفضل، بينما تسبب خلط الأصناف الذى كان يتم بها فى ضرر بالغ لمواصفات محصول القطن وإنتاجيته، ما انعكس علينا جميعًا بشكل سلبي. لكننا نأمل فى تحسين جودة التقاوى الخاصة بالإكثار لتعود الإنتاجية كما كانت سابقًا.
االلى كان عنده عيّل عاوز يجوزه أو بيت عاوز يبنيه كان بيستنى موسم القطنب.. يستعيد محمد ذكريات الفترات الذهبية لزراعة القطن التى يأمل فى عودتها، متابعًا: الدىّ هذا العام 49 قنطاراً من القطن، يصرف الواحد منها ما لا يقل عن 450 جنيهاً لعملية الجنى فقط، بينما تصل تكلفة تجهيز الفدان من إعداد الأرض والتقاوى والأسمدة والمبيدات إلى ثلاثة آلاف جنيه، لذا أتمنى أن يزيد الطلب على القطن لتكون زراعته مجزية لناب..
أين دور الجمعيات؟
ويؤكد مجدى مطاوع، أحد المزارعين بالقرية: اتعليمات وزارة الزراعة بضرورة زراعة القطن وتشجيع الفلاح، جعلت نسبة كبيرة من المزارعين تقبل على زراعة القطن، هذا بخلاف نظام الزراعة التعاقدية الذى طُبق لأول مرة بمحافظة الفيوم، ومن المعروف أن السنة الماضية لم يكن هناك سعر محدد لقنطار القطن، وكان يباع بسعر بخس لا يتماشى مع ما يبذله الفلاح من عناء ومشقةب.
لكنه ينفى وجود أى دور للجمعيات الزراعية، فيقول: االجمعية الزراعية لا دور لها على الإطلاق، والذى يتابع الآن مع المزارع هى المديريات الزراعية وفِرق الإرشاد الزراعى، فيأتى فريق من الإرشاد ويعرِّف المزارع بالخطة المستقبلية والنظام التعاقدى الجديدب.
فى المقابل، يقول محمد الفقى، أمين عام الجمعية الزراعية: ادور الجمعيات الزراعية فى القرى جرى تهميشه، حيث أصبح المزارع يتلقى التوجيه من مديريات الزراعة والمهندسين الزراعين التابعين لهم، وفى العام الماضى تم زراعة القطن (سخا 53) المحلي، وبعد توجيه الإرشاد الزراعى الخاص بالمديرية، ودخول نظام الزراعة التعاقدية، تم الحصول على تقاوى (سلينا) المستوردة، لكنها ليست متاحة لجميع المزارعين، لذا نطالب المسئولين بإحياء دور الجمعيات الزراعية والتوزيع العادل للتقاوى والرىب.
ويشير الفقى إلى أنه فى العام الماضى كان سعر قنطار القطن 1700 جنيه، وهذا لا يتناسب مع مقدار العناء وتكلفة زراعة المحصول، لكن مع تطبيق نظام تجميع الأقطان ودخولها المزادات وصل سعر القنطار إلى ٣٨٠٠ جنيه، فحدثت طفرة كبيرة للمزارع، وهو ما يشجع جميع المزارعين على زراعة القطن العام الحالى.
ضرورة حل المشاكل
فيما يقول محمد عبدالناصر (مُزارع): الا أحد ينكر أن هناك طفرة فى سعر القطن هذا العام، لكن مشكلات زراعة القطن أو أى محصول بالمحافظة كثيرة، أهمها حصص الرى، التى لا تُوزّع بشكل عادل، بخلاف غياب دور الجمعيات الزراعيةب.
ويوضح حسن متولى (مزارع): امع تطبيق النظام الجديد فى الزراعة والوقوف بجانب الفلاح يجب أيضا المراقبة على التوزيع العادل فى حصص الرى خاصة أن الفيوم لا يوجد بها إرشاد زراعى آلى وتعتمد على الرى بـ(الراحة)، بمعنى رى الأرض من مياه الترع حين يرتفع منسوبها، مما يجعل التوزيع غير عادل، بالإضافة لاختفاء دور الجمعيات الزراعية وعدم التوزيع العادل للتقاوى فى المظومة الجديدةب.
أما نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، فيقول إن احجم المساحة المنزرعة من القطن طويل التيلة هذا العام فى مصر وصل إلى 200 ألف فدان، ومتوسط إنتاجية الفدان 10 قناطير، لذلك فإن حجم الإنتاج السنوى المتوقع هو مليون قنطار. والمساحات المنزرعة بالقطن طويل التيلة شهدت تذبذباً على مدار السنوات الماضية حتى وصلت إلى 336 ألف فدان، وواصلت الانخفاض حتى بلغت مساحتها العام الماضى 180 ألف فدان، لكنها زادت العام الحالى حوالى 20 ألف فدان عن العام السابقب.
يتابع: امشكلة التسعير هى أبرز ما يواجه الفلاحين فى زراعة القطن طويل التيلة، فلا يوجد زراعة تعاقدية قائمة على تحديد سعر عادل للفلاح من أجل تشجيعه على الاستمرار فى زراعة القطن، ففى العام الماضى بيع القنطار بأقل من 2000 جنيه، ما سبب خسائر كبيرة للمزارعين، لأن تكلفة إنتاجه تتجاوز هذا المبلغ، والأسعار الموجودة حالياً متدنية، وحل هذه المشكلة هو تحديد (سعر ضمان) للقطن بين الحكومة والمزارعين قبل زراعة المحصول، كما كان الوضع فى السابق، حيث كان يتراوح بين 2600 أو 2700 جنيه للقنطارب.
فيما يقول بهاء الطاهر، نقيب الفلاحين بالبحيرة: ازراعة القطن تسبب عبئاً مالياً للفلاح فى محافظة البحيرة، نظراً لعدم صرف مستلزمات الإنتاج كاملة له، وفدان القطن الواحد بحاجة لـ7 شكائر من سماد اليوريا أو النترات، فى حين أن ما يحصل عليه من الجمعية الزراعية هو أربع شكائر فقط مما يضطره لشراء الباقى من السوق، علماً بأن سعر شيكارة السماد داخل الجمعية الزراعية 165 جنيهاً، وتُباع خارجها بـ350 جنيهاً.
يضيف: احتى إذا تم توفير الأسمدة كاملة لمزارعى القطن، ستواجههم مشكلة تسويق المحصول، فلا توجد مجمعات حكومية فى البحيرة لشرائه، وهو ما أدى لعزوف الفلاح عن زراعته نهائياً بعدما كانت ثلث المساحة الزراعية فى المحافظة مخصصة لزراعة القطن طويل التيلة، إلى جانب محاصيل أخرى مثل الأرز والذرة، ولكن حل محله حالياً محصول البطيخ.. ولابد من وجود خطة لدعم زراعة القطن، كإيجاد تعاقد حكومى مع الفلاح لتسويق محصوله، وبناء عليه يمكنه العودة لزراعة القطن طويل التيلةب