تحقيق ــ عامر نفادى
حلم بسيط راود صاحبه الشاب الثلاثينى، فلاقت فكرته إعجاب الجميع، وسعى فى تنفيذها على أرض الواقع فكان أول كتاب حديث متطور فى مصر، إنه "كُتاب البخاري" بالتجمع الخامس، أحد أهم صروح تعليم القرآن على الإطلاق، الذى يعتمد فى عملية الحفظ على طرق وأساليب مبتكرة لم يمارسها أحد من قبل.
تفرُد الكتاب وجمعه بين الفكرة الأساسية للكُتاب القديم وبين الأفكار المتطورة التى تتماشى مع الحاضر وحداثته، جعلت منه أُعجوبة من عجائب الزمن فى تحفيظ كتاب الله بطريقة تكاد تُدهش كل من يزور هذا الصرح أو يسمع عن عدد الخريجين الذين أتموا حفظ القرآن الكريم كاملا داخل أروقته بأحكامه السليمة المتقنة.
تميُز هذا الصرح القرآنى لا يقف عند الأساليب المُبتكرة للحفظ وإنما يتجاوز ذلك بمراعاة الجانب النفسى للطلاب وتحفيزهم على عملية الحفظ وإقامة سوق سنوى يحصل فيه الطلاب المتفوقون على هدايا قيمة، إلى جانب العمل بروح الفريق الواحد بين العاملين داخله، وإشعار كل من فيه أن المكان ملك للجميع.
اللواء الإسلامى زارت الكُتاب، والتقت بعدد من المحفظين داخل المكان للتعرف عليه بشكل أكبر.
بداية قال الشيخ طارق عبدالعزيز النجار، المدير التنفيذي، إن فكرة الكُتاب بدأت على أرض معاهد البخارى الأزهرية الخاصة للغات فى نهاية عام ٢٠١٣ بمنطقة التجمع الخامس، واقترن اسمه باسمها "كُتاب البخاري".
وأشار إلى أن الفكرة نالت إعجاب مجلس إدارة المعاهد، وسارعوا إلى مناقشة أفضل الطرق التى تحبب الأطفال فى حفظ القرآن الكريم، فتقدم أحد الأعضاء بمقترح لمشروع جديد لتحفيظ كتاب الله فكان أول كُتاب حديث متطور فى مصر، يقوم بالتحفيظ فيه كوكبة من المحفظين والمحفظات الذين تم اختيارهم بعناية شديدة، وجمعوا بين الخبرتين العلمية والعملية، وسبق لهم العمل فى كبريات المعاهد الأزهرية ودور التحفيظ داخل مصر وخارجها، لافتا إلى أن الكُتاب لديه عدد آخر من المحفظين والمحفظات الأحتياط يتم الاستعانة بهم فى حال غياب أو مرض المحفظين الأساسيين حتى لا تتوقف عجلة العمل.
وأضاف أنه لأهمية متابعة عملية التحفيظ وإطلاع ولى الأمر على ما أنجزه طفله من تقدم، قام فريق العمل بإعداد كراسة متابعة بشكل فنى جميل ترصد عملية التحفيظ بدقة.
"سوق كُتاب البخاري"
وعن فكرة مشروع "سوق كُتاب البخاري" أشار إلى أن الفكرة استمدت من القرآن الكريم الذى يرغب فى الأعمال الصالحة بإعطاء جزيل الثواب، وموفور الحسنات.
وتابع "نحن فى "كتاب البخاري" نهتم بأمرين رئيسيين: أدب الطالب، وحفظه، وأعددنا للمتفوقين منهم عملتين: الأولى ذهبية أسميناها "دينار الحفظ" لا يحصل عليها إلا طالب واحد فى الحلقة والشرط أن يحصد درجة "ممتاز " فى الحفظ من المحفظ داخل الكتاب، وأيضا من ولى أمره فى المنزل، والعملة الثانية فضية أسميناها "درهم الأدب"، لا يحصل عليها إلا طالب واحد فى الحلقة بشرط الحصول على درجة ممتاز فى أدبه وسلوكه من المحفظ، وولى أمره"، مؤكدا أن هذه الفكرة شجعت الطلاب على التنافس فيما بينهم للحصول على أكبر قدر ممكن من العملات تمكنهم من دخول "سوق كُتاب البخاري"، واستبدالها بما يروق لهم من الهدايا والعطايا.
وأشار إلى أن هذا السوق يُقام بصورة مُبهرة مرة واحدة كل عام، فى شهر سبتمبر "نهاية النشاط الصيفي"، تحت رعاية ١٨ شركة ممن تبنت فكرة الكُتاب وساهمت فى دعم نشاطه عبر تقديم العديد من منتجاتها للأطفال كهدايا عينية تحفزهم على الحفظ، وتسهم فى إذكاء روح التنافس بينهم.
صرح فريد
فيما قال حسين فتحى نظير، إنه يعمل محفظا بالكتاب منذ عدة سنوات، ويعتمد فى طريقة تحفيظه للأطفال على أسلوب التكرار والترديد من خلال المصحف المعلم، إلى جانب خلق روح التنافس فيما بينهم، لتشجيعهم على مواصلة عملية الحفظ.
وأضاف أن أهم ما يميز كُتاب البخارى أنه صرح فريد من نوعه يجمع بين الفكرة الأساسية للكُتاب القديم وبين الأفكار المتطورة فى العصر الحديث، من خلال الجمع بين الماضى برونقه وبين الحاضر بأساليبه وحداثته، ويهدف إلى إخراج قدر ممكن من الحفاظ العاملين بكتاب الله عز وجل، العارفين بأحكامه السليمة المتقنة.
مؤكدا أن إدارة الكُتاب تسعى إلى خلق روح المحبة بين المحفظين وبين الجهات الإدارية للمكان مما يؤدى إلى أداء العمل بروح الحب والألفة بعيدا عن التباغض والتنافر.
خرائط ذهنية
وأشار عبدالله أحمد، إلى أنه يعمل مُحفظا بالكُتاب، ويحفظ الأطفال بطريقة عرضpresentation power point، التى تعتمد على عرض خرائط ذهنية لشرح الآيات وبيان المتشابهات، مصاحبة لأساليب التعلم التعاوني، ثم تجديد حماسهم بقصص القرآن والهدايا التشجيعية.
وأضاف أن كُتاب البخارى يسهم فى تخريج جيل حافظ متقن لما حفظه، متخلقا بأخلاقه، مُحبا للقرآن وأهله، إضافة إلى الميزة التى يتقنها المعلمون داخله وهى المحبه فى الله والتعاون على عمل الصالحات.
ثروة كبيرة
من جانبها أشارت آية محمد، المحفظة بالكُتاب، إلى أنها تعتمد فى طريقة التحفيظ على طريقتين مختلفتين: الأولى تستهدف الأطفال بداية من عُمر ٣ إلى ٦ سنوات، من خلال التركيز على أسلوب الترديد مع اللعب وتفسير بسيط يتناسب مع عُمرهم الصغير، والثانية تستهدف الأطفال بداية من عُمر ٧ سنوات، وتعتمد على نفس الأسلوب باختلاف التطبيق، من خلال الترديد مع التدريب على القراءة من المصحف ثم التفسير وربط الآيات بالواقع و تعريفهم بعض أحكام التجويد البسيطة، لافتة إلى أنها لا تعتمد على أسلوب الحفظ وحده، وإنما ترى أنه من الضرورى تشجيع الأطفال على الحفظ من خلال تشجيعهم على التنافس فى الحفظ، لذلك تقدم لهم العديد من الهدايا الرمزية التى تحسهم على التنافس، وسرعة إنهاء حفظ المقرر عليهم.
وقالت إن أهم ما يميز كُتاب البخارى للطالب هو توفير مجتمع يحاكى العصور الأولى فى تكوين حلقات يترأسها المحفظ ويلتف حوله الطلاب كما كان الحال سابقا مع التطوير بما يتناسب مع روح عصرنا، أما بالنسبة للمحفظين فيحصلون دائما على التقدير الذى يليق بهم، واعتبارهم ثروة للكُتاب وليس مجرد موظفين يؤدون عملا يتقاضون عليه أجرا لا أكثر.
شرح مفصل
أما محمد أحمد رزق، فقال إنه يعتمد على طريقة التكرار والترديد، إلى جانب شرح مفصل للآيات، مع قص بعض القصص من سير الأنبياء ممن ورد ذكرهم فى القرآن الكريم، والاحتفاظ بجدول للمراجعة يشمل ما تم حفظه من قبل وإعادة تكراره، مؤكدا أن تشجيع الطلاب على الحفظ عامل مهم للغاية، وهو الأمر الذى يحرص على إتباعه، من خلال خلق روح التنافس بين الطلاب ومنحهم بعض المكافآت العينية.
وقال :أحب أن أشكر القائمين على إدارة المكان، لحرصهم الدائم على النظام والجدية والحب فى الله والتطور المستمر، الذى يسهم فى الوصول للأفضل، وتخريج جيل حافظ لكتاب الله بشكل متقن.
روح الفريق الواحد
وأكد حسين فتحى عبده، أنه يعتمد نفس الطريقة التى تعتمد على التكرار والترديد على طريقة المصحف المعلم وشرح الآيات والقصص، إلى جانب اعتماد اسلوب التشجيع، ومنح الطلاب المتميزين المكافآت والعطايا.
وقال إنه فخور كونه واحدا من أبناء هذا الصرح القرآنى الكبير الذى يدين له بالعرفان جزاء ما تعلمه داخله من العمل بروح الفريق الواحد، وعمل الصالحات فى تحفيظ عدد كبير من الطلاب كتاب الله، وتوفير المناخ الملائم الذى ساعده على ذلك.
الترديد والتكرار
وقالت آيات العراقي، إنها تعتمد فى أسلوب التحفيظ على طريقة الترديد والتكرار لسرعة إنهاء الحفظ، ثم تشجيع الطلاب من خلال ابتكار اسلوب التبادل، الذى تعتمد فيه على إجراء القرعة بين الطلاب الأكثر حفظا، واختيار المتميز منهم لأن يكون معلما مساعدا لها وتكرار الآيات معها حتى يحفظها الجميع ثم إعادة تسميع ما تم حفظه، مشيرة إلى أن كُتاب البخارى يختلف عن أى مكان آخر بالنسبة للطالب، لأن به الكثير من التشجيع وحب الحفظ لدى الأطفال، أما بالنسبة للمعلم فيعلمه كيف يضع أمامه هدفا يسعى إلى تحقيقه وكيف يكون صبورا مع الأطفال.
طريقة مبتكرة
من جانبها قالت أمنية فتحى "أعمل محفظة بكٌتاب البخارى منذ ٨ سنوات، وأقوم بتحفيظ الأطفال عن طريق الترديد كالمصحف المعلم مع اصطحاب ذلك بشرح الآيات شرحا موجزا مبسطا حتى يتسنى للأطفال الحفظ الجيد وتنتهى الحلقة وجميع الأولاد يحفظون وردهم اليومي"، مشيرة إلى أنها تحرص على تنشيط ذاكرة طلاب الحلقة عن طريق ممارسة الألعاب الذهنية، والحصول على قسط من الراحة بين التحفيظ والتسميع لالتقاط الأنفاس، والقدرة على إعادة التحصيل، إلى جانب تخصيص ورد عبر الجروب الخاص بالحلقة، وحث الطلاب على سرعة حفظه، وخلق روح التنافس فيما بينهم من خلال إقامة الحفلات الدورية لتكريم الأولاد عند الانتهاء من حفظ عدد معين من الأجزاء.
وأكدت أن كُتاب البخارى يتميز بأنه يوفر المناخ الذى يدعو إلى الترابط داخل العمل سواء بين المشرفين ومعلميهم أو بين المعلمين والطلاب، وأولياء الأمور والمشرفين، إلى جانب السوق السنوى الذى يحرص على تنظيمه سنويا، ويقوم فيه الأطفال باستبدال عملاتهم التى حصلوا عليها على مدار العام بالهدايا، مما يحفزهم على التفوق فى الحفظ للحصول على أكبر قدر من العملات والاستفادة منها فى السوق.
شريك النجاح
وقالت مديحة حسن جمال، إنها التحقت بالعمل فى كُتاب البخارى منذ أكثر من عامين، وتشعر بالفخر كونها واحدة من أبناء هذا الصرح الكبير الذى استشعرت بركته فى كل شئ من حولها، مؤكدة أنها كلما أرادت الاعتذار عن مواصلة العمل داخل المكان لظروفها الصحية لا تستطيع ذلك، بسبب بركة القرآن التى تحيط بالمكان، إلى جانب حُسن تعامل القائمين عليه، الذين يحرصون أشد الحرص على إجلال مُعلم القرآن، واعتباره شريك النجاح داخل المكان.
وأكدت أن أجمل ما يميز المكان حرص إدارته على تشجيع الطلاب وتحفيزهم الدائم على عملية الحفظ بأفكار جديدة مبتكرة تُسعد الطلاب، وتشعل روح التنافس بينهم، إلى جانب سُمعة الكُتاب التى ذاعت فى أماكن كثيرة بفضل كثرة الحفظة والخريجين الذين تجاوزوا الآلاف منذ بداية تأسيسه.
منظومة واحدة
"أعمل محفظا بكُتاب البخاري، وأقوم بتحفيظ الأطفال بطريقة ضرب الأمثال، وتشجيعهم على الحفظ عن طريق كلمات المديح، وتلقينهم كيفية تحديد الهدف البعيد والوصول إليه"، هكذا قال خالد عبداللطيف، المحفظ بالكتاب، الذى أكد أن كُتاب البخارى يمتاز بأنه منظومة واحدة متكاملة تتضافر عناصرها لإخراج أجيال من الحفاظ المهرة.