توابع «الهروب الكبير» تفرض مشهدًا كارثيًا على إسرائيل

محمد العارضة - زكريا زبيدى - مناضل نقيمات -محمود العارضة -يعقوب نادرى - أيهم كممجى
محمد العارضة - زكريا زبيدى - مناضل نقيمات -محمود العارضة -يعقوب نادرى - أيهم كممجى

ما بين  اتهامات التقصير وهواجس التواطؤ  يظل مشهد الهروب الكبير لستة أسرى أمنيين فلسطينيين من سجن جلبوَّع شديد الحراسة مشهدًا مفتوحًا لم يبح بأسراره بعد. حتى بعد القبض على أربعة منهم أشهرهم زكريا الزبيدي.

 

اكتشاف مسافة خالية بين أرضية الزنزانة وأساسات المبنى تسمح بمد حفر نفق الهروب إلى الخارج، وحارس برج المراقبة الذى غلبه النعاس فنام اثناء ورديته، ومع فقر الأدوات ووسائل التشديد، تكمن الاتهامات بالتقصير، وبين نقل الزبيدى قائد الهروب إلى زنزانة واحدة مع السجناء الخمسة الآخرين المنتمين لمخيم چنين بما يخالف قواعد السجن، تكمن هواجس التواطؤ

 

 تتزاحم عشرات الأسئلة فى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دون إجابات معلنة حتى الآن. القبض على الأربعة كفيل بالإجابة عن هذه الأسئلة؛ كيف حدث الهروب الكبير، ومنذ متى يتم الإعداد له، وكيف تم تنفيذه؟ وأين كانت قوات المراقبة المكلفة بالحراسة؟.مع ذلك فإن حالة الإجهاد والجوع التى وجد عليها الهاربون عند إلقاء القبض عليهم تشى بأنهم لم يتلقوا أى دعم بعد هروبهم ولم يخططوا لمسار حركتهم بعد الهروب.. أما تداعيات الواقعة على الأمن الداخلى والعلاقات مع الفلسطينيين فهى العامل الذى يحدد مصيرهم.

 

توابع «جلبوَّع» تفرض مشهدًا كارثيًا على إسرائيل

 

إطلاق قذائف «الجهاد الإسلامي» على إقليم أشكول فى إسرائيل، بمجرد إلقاء القبض على اثنين من السجناء الفلسطينيين الهاربين من سجن جلبوَّع، يعد شرارة أولية لردود فعل الفصائل الفلسطينية المتوقعة، فمن غير المستبعد تصاعد المواجهة خلال الأيام القليلة المقبلة، سواء فى قطاع غزة، أو الضفة الغربية، تزامنًا مع تحسُّبات إسرائيل من تفاقم تداعيات الأزمة وانعكاساتها على الأمن العام.. وفى ظل هذا الواقع المرتبك، تضاءل أمل التهدئة، وتباعدت قدرة إسرائيل، بحسب صحيفة «هاآرتس»، عن احتواء الأوضاع الأمنية، والسيطرة على الشارع الفلسطيني، كما حدث على هامش عملية «حامى الأسوار» الأخيرة فى قطاع غزة؛ كما تبدَّد تعويل أجهزة تل أبيب الأمنية على عودة التنسيقات الميدانية مع السلطة الفلسطينية؛ وتقلصت فى المقابل آمال التوصل إلى اتفاق مع حماس حول تبادل الأسرى.. لقد نضب اهتمام الأطياف السياسية الفلسطينية بكل هذه القضايا، وانصب فقط، وفقًا للكاتب الإسرائيلى چاكى خوري، على دعم السجناء الهاربين، ووضعهم فى خانة الأبطال، حتى إذا نجحت إسرائيل فى إلقاء القبض عليهم جميعًا. وكان لهذا الموقف بالغ الأثر فى تفكير الجهاز الأمنى الإسرائيلى أكثر من مرة قبل التعامل غير المحسوب مع الواقع الجديد.

 


وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى تعقيدات موقف السلطة الفلسطينية، ففى حين لا تقبل الظهور برداء من يساعد فى إلقاء القبض على السجناء الهاربين، ترفض الوصول إلى سيناريو مضاهٍ للانتفاضة الثانية، حين تحصن مطلوبون فى كنيسة المهد، وفقد الجميع السيطرة على الموقف

 

 أما إسرائيل، فلا تعتبر ما حدث فى جلبوَّع أمرًا داخليًا يتعلق بمصلحة السجون، وإنما تدرك أن الإجراءات الممارسة مع السجناء الفلسطينيين ستؤثر على استقرار الائتلاف الحكومي، والعلاقة مع عرب إسرائيل (عرب 48) وعلى الأوضاع الأمنية فى الضفة وغزة، ما يعنى وفقًا لتقديرات، نشرتها صحيفة «معاريڤ» حتمية تعامل بينِت، وعباس، والسنوار بحذر بالغ، قبل الوصول إلى وضع لا يعلم أحد نهايته

 

وفى تقدير للموقف الإسرائيلي، أشار موقع «جلوبال» العبرى إلى أن السؤال لم يعد فقط: متى وأين يتم إلقاء القبض على بقية السجناء الهاربين؟ وإنما بات الأهم: ما الثمن الذى ستدفعه إسرائيل نظير ذلك؟ وردًا على السؤال، أوضح التقرير أن إسرائيل مهددة بسفك مزيد من الدماء، يفوق المواجهات السابقة مع الفلسطينيين، خاصة وأن «قصور» مصلحة السجون، أصبح أكثر خطورة من أى «قصور» سابق للشرطة أو الجيش الإسرائيلي، وربما يعزز هذا الاعتقاد تبعية السجناء الستة لمخيم چنين، وما يحمله ذلك من حتمية انطلاق الفوضى الأمنية من المخيم، وانضمام سائر البؤر الساخنة إليه، واتساع «دوائر الزيت» القابلة للاشتعال فى مختلف أنحاء الضفة الغربية.

«المحسوبية» وراء نجاح هروب السجناء الفلسطينيين الستة!

 

التحليلات الإسرائيلية لهروب السجناء الفلسطينيين الستة من معتقل جلبوَّع، لم تقتصر فقط على مؤشرات التواطؤ بين القائمين على المعتقل الأمنى والهاربين، وإنما طالت جوانب أخرى من «قصور» مصلحة السجون الإسرائيلية فى عمليات التأمين، ولاسيما أن عملية الهروب الأخيرة، سبقتها فى عام 2014، محاولة أخرى بنفس الطريقة ومن المكان ذاته، لكنها لم تكلَّل بالنجاح.. تكمن أولى جوانب القصور، بحسب كوادر أمنية إسرائيلية، فى تجاهل قيادة جلبوَّع تخصيص ميزانيات مالية مناسبة، لتعزيز إجراءات الحراسة، وهو ما جعل إدارة السجن تفتقر إلى مجرد وجود سيارة دوريات، لمتابعة الحركة خارج السجن

 

يضاف إلى ذلك أن مصلحة السجون ظلت تعمل خلال سنوات طوال بمنأى عن إشراف وزارة الدفاع، وفى ظل ذلك دخلت «المحسوبية» على خط تعيينات القيادات، ومنها تعيين رجب دحروج رئيسًا لوحدة استخبارات سجن جلبوَّع فى فبراير الماضي؛ ويُعرف عن الأخير علاقاته الوطيدة بحزب «الليكود»، واقترابه من نتانياهو خلال حملة الانتخابات السابقة، ورغم أنه لم يمارس العمل الاستخباراتى الميدانى قبل ذلك، إلا أنه بات مطالبًا بعد واقعة الهروب بتنسيق العمل مع جهاز الأمن العام الـ«شاباك»، للكشف عن تفاصيل ما يجرى داخل وخارج أسوار سجن جلبوَّع..  وطالت جوانب «القصور» سجونًا إسرائيلية أخرى، ومنها سجن «شطا»، الذى رصدت إدارته عشرات ملايين الشواكل، لتدشين ما أطلق عليه مشروع «الخزينة»، وهو عبارة عن أجهزة إليكترونية تحول دون التواصل هاتفيًا بين السجناء والخارج، إلا أنه تم تجميد المشروع بعد اعتراض سجناء حماس والجهاد الإسلامي، ورغبة إدارة السجن فى التهدئة، للحيلولة دون إحماء الشارع فى الضفة الغربية، رغم أن «الخزينة» التقطت العديد من الاتصالات الهاتفية بين سجناء بارزين فى جلبوَّع وسجون أخرى جاء فى طليعتهم زكريا الزبيدي.

 

بروفايل  زكريا الزبيدى قط بسبع أرواح

 

هكذا وصفه صديقه الكاتب الإسرائيلى بصحيفة هاآرتس جدعون ليڤي. هو أكثر المطلوبين الفلسطينيين شهرة من قبل القبض عليه يوم السبت الماضي. لطالما كان مصدر انبهار للإسرائيليين لأكثر من عقدين. قد يُعزى ذلك إلى تأرجحه بين الدعوة إلى المصالحة السلمية مع إسرائيل والعمل فى مسرح المجتمع الفلسطيني، وخبرته الواسعة كمناضل ضالع فى الهجمات ضد إسرائيل، لا سيما خلال الانتفاضة الثانية قبل عقدين من الزمن. مظهره الصبيانى الجميل وقدرته واستعداده للتحدث مع الصحفيين، وهروبه المتكرر من الموت لم يضف سوى المزيد من الغموض على غموضه.. ولد زكريا محمد عبد الرحمن الزبيدى عام 1976، وطوال حياته، كان منزله فى مخيم چنين للاجئين شمالى الضفة الغربية.

 

هو واحد من ثمانية أبناء لمحمد وسميرة الزبيدي. كان الأب مدرسًا تحول إلى عامل مسبك اعتقله الإسرائيليون بسبب عضويته فى حركة فتح. مات محمد عندما كان زكريا فى السابعة عشرة من عمره.. التحق زكريا بمدرسة تابعة للأونروا فى المخيم، وشهد أول مواجهة له مع القوات الإسرائيلية فى سن 13 عامًا ، عندما أصيب فى ساقه برصاص جنود أثناء قيامه بإلقاء الحجارة خلال الانتفاضة الأولى (1987-1991)، مما أصابه بالعرج. قبل ذلك، انخرط فى البرنامج المسرحى الذى تأسس فى مخيم چنين.. وراء هجوم عام 2002 على فرع حزب الليكود فى بيت شان والذى قتل فيه ستة أشخاص ، من بين هجمات أخرى. لطالما اعتبر أحد أكثر المطلوبين فى الضفة الغربية. اعتقل فى 2019 واتهم بتنفيذ عمليتى إطلاق نار فى بيت إيل فى 2018 و 2019 ، إضافة إلى عدد من العمليات التى تم التخطيط لها خلال الانتفاضة الثانية.