دوافع إيران من تأجيل المفاوضات النووية

العديد من الأشخاص فى مركز التطعيم بمركز تسوق فى طهران فى انتظار تلقى اللقاح
العديد من الأشخاص فى مركز التطعيم بمركز تسوق فى طهران فى انتظار تلقى اللقاح

 سميحة شتا

بعد توقف دام لأكثر من شهرين لمحادثات فيينا المتعلقة بإحياء الاتفاق النووى المبرم مع إيران فى 2015، حذر وزير الخارجية الأمريكية أنتونى بلينكن، الأربعاء الماضي، من أن الوقت ينفد أمام إيران للعودة إلى الاتفاق النووى وذلك غداة تقرير لاذع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال بلينكن للصحفيين فى ألمانيا: «لن أحدد موعداً لكننا نقترب من مرحلة تصبح معها العودة الصارمة للامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة، لا تعود بالفوائد التى حققها الاتفاق»، وكان يشير بذلك إلى الاتفاق النووى الإيرانى المبرم مع القوى الدولية الكبرى.. واستنكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، عدم تعاون إيران الذى يؤدى بحسب قولها، إلى عرقلة مهام مراقبة البرنامج النووى الإيراني، وكتبت الوكالة التابعة للأمم المتحدة، «منذ فبراير 2021،: تعرضت أنشطة التحقق والمراقبة لعرقلة جدية فى ضوء قرار إيران وقف تنفيذ التزاماتها النووية» الواردة فى الاتفاق الدولى حول النووى الإيرانى المبرم فى فيينا عام 2015.

وكانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا قد أبدت، الشهر الماضي، قلقها البالغ إزاء تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أكدت أن إيران أنتجت للمرة الأولى معدن يورانيوم مخصب بدرجة نقاء انشطارى تصل إلى 20% ورفعت الطاقة الإنتاجية لليورانيوم المخصب إلى 60%، وتنفى إيران السعى لإنتاج أسلحة نووية، ولم يتحدد بعد موعد الجولة المقبلة من المحادثات.

وقد مرت محادثات فيينا، التى تُجرى بوساطة أوروبية إضافة إلى روسيا والصين، بستّ جولات لم تسفر عن شيء نحو العودة إلى اتفاق 2015 أو تأسيس اتفاق جديد. وينتظر المفاوضون الدوليون منذ نهاية يونيو الماضي، عقد الجولة السابعة التى طلبت طهران تأجيلها إلى ما بعد تنصيب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وهو ما حدث بالفعل مطلع الشهر الماضي، إلا أنه لم يتم الاتفاق على موعد استئناف جولات التفاوض.

وحتى الآن لم يتم الإعلان عن أيّ موعد لاستئناف محادثات فيينا على الرّغم من الدعوات المتكرّرة من الغرب الذى يشعر بالقلق من تصعيد إيران الأخير فى برنامجها النووي، ما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب المماطلة الإيرانية لعودة المحادثات إلى مجراها.

ويرى مراقبون أن هناك ثلاثة أسباب يهدف من خلالها النظام فى طهران تأجيل العودة إلى المحادثات.السبب الأول، هو أن «النظام الإيرانى يحاول أن يقوم بالتغطية على فشله داخليا بزيادة الانتهاكات النووية والتهديدات الإقليمية»، مشيرا إلى استغلال النظام لاستمرار العقوبات الدولية للتبرير للشعب الإيرانى بأن هذه مسئولية المجتمع الدولي.. السبب الثانى أن تأجيل استئناف المحادثات يأتى أيضا فى إطار محاولة الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا على رفع العقوبات.

أما السبب الثالث الذى يدعو إيران إلى عدم تحديد موعد هو كسب المزيد من الوقت للوصول إلى تخصيب يورانيوم بنسبة 90٪ من أجل الوصول إلى قدرة تمكنه فى أى وقت من استئناف برنامجه النووى وصنع قنبلة نووية.. ومن جانبها تصر الإدارة الأمريكية على توسيع الاتفاق النووى ليشمل برنامج الصواريخ الباليستية، فضلاً عن مطالبتها بالتخلى عن نفوذها فى الشرق الأوسط، وليس مجرد العودة فقط إلى اتفاق 2015 الذى يتفق ترامب ودول المنطقة أنه يتّسم بالكثير من الثغرات.

وترى جميع الفصائل الإيرانية أن استئناف الاتفاق النووى لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع أكثر من 1600 من العقوبات  الأمريكية التى استهدفت صادرات النفط الإيرانية هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تواجه البلاد، حيث إنه منذ بداية فرض العقوبات الدولية والأمريكية تعانى إيران أوضاعًا داخلية واقتصادية صعبة، فالانسحاب المفاجئ والأحادى للولايات المتحدة عام 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية زاد الأمر سوءًا. وما لبثت الأوضاع أن انتقلت من سيئ لأسوأ فى ظل الدفع الأمريكى بسياسة الضغوط القصوى، لتجد إيران نفسها فى المقدمة مع بقية دول العالم أمام جائحة صحية عالمية، حيث جاءت جائحة (كوفيد-19) لتضيف إلى التحديات التى تواجه طهران. وتعد إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثرًا بالجائحة، علمًا بأن مسئولين فى قطاعها الصحى أكدوا سابقًا أن الأرقام الرسمية تبقى دون الفعلية. وبعد خنق إيران  بالعقوبات الأمريكية التى جعلت من المستحيل استيراد اللقاحات، حظر خامنئى استيراد اللقاحات من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ووصفها بأنها غير جديرة بالثقة، وأجبر الهلال الأحمر الإيرانى على رفض 150 ألف لقاح تبرعت بها شركة فايزر.. وتواجه البلاد نسقًا تصاعديًا بالإصابات والوفيات منذ أواخر يونيو، فيما يصنّفه المسئولون «موجة خامسة» من التفشى الوبائى هى الأشد حتى الآن، وتعود للمتحورة دلتا الشديدة العدوى. وبلغت أعداد الوفيات والإصابات اليومية مستويات قياسية مرات عدة هذا الشهر.