وداعا.. الحاج محمود العربي

فرج  أبو العز
فرج أبو العز

«تاجر مع الله فربحت تجارته أضعافا مضاعفة».. هذا هو سر النجاح وسر اكتظاظ المصريين لوداع شهبندر التجار الحاج محمود العربي، والآخرين الذين انشغلوا بالدعاء له عن ظهر الغيب اعترافا بدوره الوطنى فى النهوض بالصناعة الوطنية وتوفير فرص عمل لأبناء الوطن.
الصدق والرحمة كانا شعاره طوال مشواره الكبير مع التجارة والصناعة فهو ذلك الرجل العصامى الذى بدأ من تحت الصفر ليصل لمرتبة شراكة صناعية مع كبريات شركات اليابان وما أدراك ما اليابان.
فى حوار طويل أجريته مع الحاج محمود منذ سنوات سألته عن البداية وكنت أعرفها تماما خلال مرحلة إعدادى للحوار وتوقعت منه أن يختصر الطريق وأن يتجمل بعد أن أصبح من كبار التجار بل شهبندر تجار مصر.. فاجأنى الرجل بالحديث بكل ارتياح ووجهه تعلوه الابتسامة الودودة عندما كان صغيرا فى الرابعة من المرحلة الابتدائية ويبيع العسلية لزملائه فى المدرسة وحكى بكل التفاصيل بدايته فى الموسكى وبداية تكوين شركته مع اثنين من الشركاء وكيف كان وفيا لشريك أقعده المرض ثم مات ليظل نصيب الشريك قائما لا مساس به وتعامله الحسن والأبوى مع أبناء شريكه ومعاملتهم مثل أبنائه تماما. كنت أعرف إلى أى مدى وصل فى مشوار الدراسة وسألته عن تعاملاته مع العقلية اليابانية التى لا تعرف سوى الالتزام والصرامة.. وكانت إجابته رجل عركته الأيام والتجارب واكتسب خبرة واسعة فى عالم الأعمال.. قال: أعرف تماما العقلية اليابانية وأظننى مثلهم لا أعرف سوى الصدق والإلتزام لذا لا أعانى أى مشاكل فى التعامل مع اليابانيين الذين أعجبوا جدا بفكرة تصنيع منتجاتهم فى مصر استثمارا للأيدى العاملة المصرية ومن باب تقليل تكلفة المنتج وبالتالى زيادة مبيعاته.
قاده صدقه وأمانته لمنصب رئيس اتحاد الغرف التجارية أى شهبندر التجار وكان دمثا خلوقا وبمثابة معبود التجار وفى الوقت نفسه ذلك الرجل الحاسم فيما يخص حقوق زملائه التجار الذين انتخبوه للمنصب وفى الوقت نفسه المدافع القوى عن حق الدولة والوطن وحق المستهلك الذى كان يضعه دائما نصب عينيه فى تطبيق حازم ولا يقبل للجدل لمبدأ «الزبون دائما على حق».
فى وقت مبكر من مشواره مع الصناعة آمن بضرورة توطين تكنولوجيا الصناعة بإيفاد مهندسين من مصانعه للتدريب والتأهيل فى الشركة الأم باليابان وبعد ذلك أنشأ بالتعاون مع الجهات المختصة مدرسة تكنولوجية لتخريج العمالة المصرية الفنية المؤهلة للتعامل مع التقنيات الحديثة فى الصناعة وهاهى المدرسة تخرج كل عام فنيين من أبناء الوطن يلتحقون فور تخرجهم للعمل فى المصانع.. وفى تلك الخطوة باب كبير للرزق يفتحه لشباب محافظته وسائر محافظات مصر بدليل مشهد الوداع المهيب الذى شهدته جنازته والذى شارك فيه كافة فئات الشعب فى إجماع على صدق ونزاهة تعاملته وعشقه للوطن.
أدرك بفطرته النابهة بأن التكنولوجيا أساس أى نهضة فى الصناعة لذا سابق الزمن فى ملاحقة جديد التكنولوجيا الصناعية فى العالم وفى الوقت نفسه أدرك بطبيعته الخيرة وروح ابن البلد التى تحلى بها أن العنصر البشرى هو الأساس بل العمود الأساسى لأى مشروع ناجح.. طبق مع العاملين معه أرقى أساليب الإدارة الإنسانية وفى المجتمعات المحيطة بمصانعه طبق أيضا أرقى مفاهيم المسئولية المجتمعية للشركات وهو مبدأ أقرته الأمم المتحدة للحوكمة فى الأعمال بمشاركته فى مشاريع اجتماعية عديدة للنهوض بالمجتمعات المحيطة بمصانعه إدراكا منه بأن قيام رجال الأعمال بمسئوليتهم تجاه المجتمع أكبر ضمان لمصانعهم.
رحم الله الرجل الوطنى الحاج محمود العربى وعزاؤنا فى أبنائه وعلى رأسهم المهندس إبراهيم العربى رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية فى استكمال مسيرة والدهم العطرة.. نعم ابن الوز عوام.