النيران والحرائق والأدخنة والاختناقات والماس الكهربائي كلها كلمات حملت لنا أصداء الخطورة التي تتعرض لها معظم بل كل المناطق التجارية في وسط العاصمة منها: العتبة.. الرويعي.. صيدناوي.. الغورية.. الحمزاوي.. الجمالية.. الأزهر.. الموسكي.. شارع عبد العزيز.. درب البرابرة.. شارع الجيش، كل هذه المناطق عرضة لاشتعال النيران فيها في أي وقت ودون إبداء أسباب أو حتي البحث عن المسئول.. فالمتهم هنا كل المتواجدين من تجار وسكان وباعة جائلين وحتي الجهات الرسمية المنوطة بالتفتيش الأمني علي تراخيص التشغيل والإطفاء وخراطيم المياه وأسلاك وأعمدة الكهرباء.. إنها المسئولية الجماعية والتي تشير لها أصابع الاتهام بالإهمال الجسيم تجاه هؤلاء جميعا بلا تفرقة ويجب ألا نستثني أحدا من العقاب فالجريمة التي تقع نتيجة هذا الإهمال الجماعي تؤكد لنا أن وسط العاصمة يحتاج إلي إعادة تخطيط أمني في كل شبر واتجاه في تلك المناطق المذكورة وغيرها أيضا.. فلقد بدأت الحرائق ليلة السبت واستمرت حتي صباح الأحد الماضي في فندق بالعتبة وانتشرت النيران منه إلي ثلاث عمارات متجاورة دون أن يتحرك أحد لإخمادها علي الفور.. كما جاء في التقرير المبدئي للنيابة العامة أن سبب هذا الحريق هو ماس كهربائي ناتج عن كل تلك التوصيلات المسروقة من أعمدة الإنارة الحكومية بالشوارع وأن هذه العمارات تحولت شققها إلي مخازن للبضائع التي يتاجر فيها الباعة وأصحاب المحال التجارية معا وكلها من الأقمشة والمواد سريعة الاشتعال وفي ذلك مخالفة صريحة للقانون.. وأن هذه المناطق شديدة الازدحام بفرش الباعة الجائلين لدرجة أنه لا يوجد طريق للمشاة بينهم فما بال الحال عندما تحضر سيارات الإطفاء لإخماد الحرائق فأنها لا تستطيع الوصول لموقع النيران.. وتأتي الكارثة الأكبر أنه لا توجد طفايات حريق في أي محل أو علي أي فرش والألعن من كل هذا أنه عند بدء اشتعال النار لجأ كل سكان وتجار المنطقة إلي قطع الكهرباء عنها وبالتالي لم تعمل أي حنفيات للمياه للمشاركة في إطفاء الحرائق لتوقف مواتير المياه.. كما أن استمرار الحريق من منتصف الليل إلي الصباح وانتشار الأدخنة الكثيفة أدي إلي تزايد حالات الاختناق ليسفر حادث الرويعي وحده عن وفاة 3 واختناق 93 شخصا.
ونفس ما حدث وبنفس السيناريو والأخطاء تكرر بعد أقل من يومين هذا الحادث المروع في منطقة الحمزاوي بالغورية وحتي الآن لا أحد يعرف كيف يؤدي الإهمال بنا إلي ترك تلك المناطق التجارية الثرية والأثرية والتي شوهتها النيران وحرقت أرزاق العاملين والتجار فيها.. إننا نبحث عن صوت للعقل حتي نؤكد لأنفسنا قبل الآخرين أن الإهمال والتسيب وعدم الحذر في اتخاذ احتياطات الأمن والأمان سوف يلتهم تلك الثروات التجارية ويغلق أرزاق الناس ويزيد من معاناتهم المالية.. إننا نحاول أن ندق ناقوس الخطر ونطالب الجميع بالمراقبة والرقابة واستمرار حملات إبعاد الباعة الجائلين إلي الأسواق التي سبق للمحافظة أن أوجدتها لهم في أرض الترجمان ورمسيس والعباسية وغيرها ونعاقب كل من يضرب منهم عرض الحائط بتعليمات الأمن والقانون فمصر ليست في حاله تسمح لها بأن يعبث بأمنها الجهلاء والطماعون والجائلون.. فإن الشارع والرصيف ملك للمواطنين وليسا ملكية خالصة للذين يحاولون الكسب غير المشروع والتجارة التي تنتج عنها اشتعال الحرائق.