عُرفت مصر علي مدي تاريخها بأنها دولة مبادئ تحترم المواثيق والعهود والشرعية.. تقوم استراتيجيتها علي انها تحمي ولا تعتدي. إنها وفي هذا الإطار تلتزم دوما بالدفاع عن حقوقها رافعة شعار لا تفريط في حق مشروع. تفعيلا لهذه القيم الحضارية فإن الطرق السلمية تأتي علي رأس أولوياتها لحل النزاعات التي تكون طرفا فيها. انسجاما مع هذا التميز الأصيل في شخصيتها جاءت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي لحل مشكلة الآثار السلبية لسد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا بما قد يؤدي إلي إلحاق الضرر بحصة مصر من مياه النيل. في هذا الإطار جاء تعامله مع هذه المشكلة متمشيا تماما مع التوجهات الأساسية في السياسات المصرية. تجلي ذلك بداية في العمل علي استعادة  اواصر الثقة التي كانت مفقودة منذ سنوات بين مصر وإثيوبيا رغم العلاقات التاريخية القديمة. هنا يظهر الفرق بين السيسي ومحمد مرسي الذي تعكس شخصيته طبيعة الجماعة الإرهابية التي ينتمي إليها والمستندة إلي الجهل والأممية التي لا تراعي المصلحة الوطنية. كلنا تابعنا سلوك هذا المرسي في مواجهة أزمة سد النهضة وهو ما يتناقض مع المصلحة الوطنية وما يدعو إليه الدين الإسلامي جنوحا إلي السلم والذين احترفوا التجارة به لتسويق مبادئهم الهدامة. تجسد ذلك في تلك التمثيلية »‬الكمين» التي اتسمت بالغدر وكان ضحاياها رجال السياسة  والاحزاب والتي حملت عنوان »‬بحت تطورات سد النهضة». تم ذلك دون الاعلان عن أن هذا الاجتماع سوف يكون علنيا من خلال اذاعته تليفزيونيا وهو ما جعل المشاركين فيه يقولون ما بدا لهم. لقد عبرت آراؤهم عن عدم المسئولية والضحالة بما تضمنته من أفكار كوميدية. كان من نتيجة ما دار في هذا الاجتماع اختلاق مزيد من التوتر والتعقيد في علاقتنا مع الدولة الاثيوبية وهو ما دفع بالأزمة إلي طريق مسدود. أما الرئيس السيسي فقد أطلق تصريحا سياسيا عاقلا كرجل دولة تلخص في كلمات قليلة يقول انه اذا كان هدف سد النهضة تحقيق التنمية في اثيوبيا فإنه يعد بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت.. هذه الكلمات الواضحة المعبرة كانت الطريق إلي فتح الحوار البناء مع المسئولين الاثيوبيين حيث كانت محصلته اتفاق مبادئ الخرطوم الذي وقعه السيسي والرئيس عمر البشير باعتبار انهما يمثلان دولتي المصب وعن الجانب الاثيوبي »‬ديسالين» رئيس الوزراء والذي يمثل الجانب الأساسي كدولة منبع. الشيء المؤكد أن اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه بشأن كل ما يتعلق بسد النهضة قد تضمن الالتزام بالحقوق المشروعة للاطراف الثلاثة في مياه النيل. رغم التوقيع علي هذا الاتفاق فإن مصر وحرصا منها علي حقوقها القانونية اعلنت انها لن توقع علي الاتفاق الاطاري  لدول حوض النيل والذي كانت وراءه اثيوبيا. هذا الاتفاق اعطي لدول المنبع  حق اقامة مشروعات علي النيل وروافده داخل اراضيها دون موافقة دولتي المصب ـ مصر والسودان ـ وهو ما يتناقض مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنظم الاستفادة من مياه الأنهار الدولية. في هذا الإطار يعد اتفاق الخرطوم انتصارا لسياسة السيسي باعتباره خطوة مهمة وضرورية لتسوية الأزمة مع اثيوبيا. انه في نفس الوقت سيكون جدول عمل للمهمة المكلفة بها اللجنة الاستشارية الفنية الدولية فيما يتعلق بالمتطلبات الهندسية للحفاظ علي حقوق دول المنبع والمصب لحوض النيل. اذن فإن تسوية هذه الأزمة سلميا يعني اتاحة الفرصة لكل من مصر والسودان واثيوبيا لتوجيه جهودهم نحو التنمية.