«جولا» تيتمت بسن 6 سنوات وتزوجت 13 وأصبحت أرملة وعمرها 16 عاما

«الأفغانيات».. باحثات عن الحياة

«شربات جولا» الموناليزا الأفغانية وصورة بين عامى ١٩٨٥ و ٢٠٠٢
«شربات جولا» الموناليزا الأفغانية وصورة بين عامى ١٩٨٥ و ٢٠٠٢

دينا توفيق

معاناة إنسانية.. قسوة ووحشية.. يأس وشقاء خيم عليهن، أثمان باهظة دفعتها الأفغانيات تحت سيطرة حركة طالبان ومن قبلها منذ الغزو السوفيتى للبلاد.. ولا سبيل لهن للهروب حتى استسلمن ورضخن للأمر الواقع المرير.. أجبرن على الصمت وسلبت حريتهن، طاردهن الكابوس؛ حتى دخلن فى سبات عميق لسنوات.. زلزال الغزو الأمريكى عام 2001 وسقوط الحركة كان الإفاقة لهن؛ خرجن للنور باحثات عن حقوقهن فى تنوير عقولهن، وإنعاش لأرواحهن المكلومة.. والآن، مع عودة الحركة وسيطرتها على الحكم؛ تواصل الأفغانيات نضالهن.
 

الوضع برمته يعجز الكلام عن وصفه، حتى وإن تعالت الصرخات؛ لن تخمد النيران التى أحرقت هؤلاء لسنوات وعاش فى جحيمها النساء والأطفال.. كان القمع سمة من سمات حكم طالبان؛ لا تستطيع الفتيات الذهاب إلى المدرسة، لا تستطيع النساء شغل وظائف أو مغادرة منازلهن دون أن يرافقهن قريب ذكر. أولئك الذين تحدوا توجيهات الحركة وتفسيرهم للإسلام عوقبوا بالجلد أو الضرب.. وتأتى حالة من عدم اليقين التى تواجه المرأة الأفغانية بعد 20 عامًا من التدخل الأمريكي، الذى جاء بعد الغزو السوفيتى والحرب الأهلية، حيث تم استخدام حقوق المرأة كمبرر آخر للحرب فى أفغانستان. كانت المكاسب حقيقية، وإن كانت متفاوتة وهشة، يقوضها انعدام الأمن الذى جلبه الصراع المستمر. لم يبدأ النضال من أجل المساواة بين الجنسين مع وصول الولايات المتحدة عام 2001، قاتلت الأفغانيات من أجل حقوقهن قبل وقت طويل من وصول طالبان فى التسعينيات، وعارضت بعضهن التدخل الأمريكي؛ "شربات جولا" صاحبة العيون الخضراء، التى أحلت صورتها غلاف مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" فى يونيو 1985 كلاجئة تبلغ من العمر 13 عامًا، كانت مثالا واضحا للمعاناة، حينما فقدت والديها وهى فى السادسة من عمرها أثناء الغزو السوفيتى للبلاد، سافرت سيرًا على الأقدام إلى باكستان مع أشقائها وجدتها. تزوجت فى سن 13 وباتت أرملة وعمرها 16 عاما؛ عُرفت فى وطنها باسم "الموناليزا الأفغانية" عندما تعقبها المصور الصحفى الأمريكي، "ستيف ماكورى"، الذى التقط صورتها لأول مرة عند جبال الحدود الأفغانية الباكستانية. ورغم ذلك كانت هوية "الفتاة الأفغانية" غير معروفة حتى عام 2002، وبعد بحث مضنٍ، عثر فريق المجلة الأمريكية على جولا، فى منطقة نائية فى أفغانستان، حيث كانت تبلغ من العمر آنذاك 30 عامًا. بحلول ذلك الوقت، كانت شربات جولا متزوجة وأمًا لثلاثة أطفال ولم تكن لديها أدنى فكرة عن شهرة وجهها فى جميع أنحاء العالم. أخبرت ماكارى فى ذلك الوقت أنها تأمل فى أن تحصل بناتها على التعليم الذى لم تحصل عليه من قبل. لكن مع عودتهن إلى أفغانستان كانت أسوأ مما كانت عليه والدتهن قبل أكثر من 30 عامًا، نصف الفتيات الأفغانيات فقط يذهبن إلى المدرسة أو يتركنها فى أعمار تتراوح بين 12 و 15 سنة.


وعلى مدار عقدين، كانت أفغانستان والعالم أجمع شاهدا على مدى قسوة نضال النساء من أجل حريتهن، وما حققن من تقدم وانتصارات؛ حتى أصبحن وزيرات ورئيسات البلديات وقاضيات وضابطات شرطة. والآن هن سيخسرن كل شيء مرة أخرى، لا يمكن للمرأة الأفغانية التنبؤ بالمستقبل الذى ينتظرها مع طالبان، خاصة بعدما أعلنت الحركة عبر متحدثها "ذبيح الله مجاهد" بقاء النساء العاملات فى منازلهن إلى حين بدء تطبيق أنظمة مناسبة تضمن سلامتهن، نظرًا لان أفراد طالبان غير مدربين على كيفية التعامل مع النساء، أو التحدث إليهن. وتخشى العديد من الأفغانيات فقدان هويتهن فى ظل حكم طالبان. إذا أرادت طالبان الإصلاح، فسوف يتطلب ذلك التخلص من كراهية النساء، وهو أمر صعب للغاية لأن تفسيرهم لواجبات المرأة يساوى الأدوار التقليدية لها. وتدعو المادة 27 من اتفاقية جنيف إلى حماية المرأة من العنف الجنسى. فيما تتعرض الأفغانيات فى الوقت الحالى لخطر العبودية الجنسية. وفى يوليو 2021، طلب مسئولو طالبان من الزعماء الدينيين المحليين تزويدهم بأسماء الفتيات فوق 15 عامًا والأرامل دون سن 45 للزواج من المقاتلين.
حياة بائسة بدأت منذ أن قمعت المرأة بوحشية فى المرة الأخيرة التى حكمت فيها طالبان الأراضى الأفغانية عام 1996؛ قطع رأس ورجم حتى الموت والإجبار على ارتداء البرقع.. ذات صباح فى صيف عام 1999، استيقظت أفغانية تدعى "شكريا باراكزاي" وهى تشعر بالدوار والحمى، كان عليها زيارة الطبيب ولمغادرة المنزل، كانت بحاجة إلى وجود "محرم"- ولى أمر ذكر- كان زوجها فى العمل وليس لديها أولاد ذكور؛ دفعها الأمر إلى قص شعر ابنتها ذات العامين، وألبستها ملابس الذكور لتمريرها كوصى، وارتدت هى البرقع مخفية فى طياته أطراف أصابعها المطلية باللون الأحمر فى انتهاك لحظر طالبان على طلاء الأظافر. فيما استعانت بجارتها لاصطحابها إلى الطبيب فى وسط كابول، وعقب الانتهاء من توقيع الكشف وفى طريقهما إلى شراء الدواء توقفت شاحنة محملة بمسلحى طالبان من وزارة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقطعت عليهما الطريق. كان هؤلاء المسلحون يتجولون فى أنحاء كابول، بحثًا عن أفغان ليعاقبوهم علنًا لانتهاكهم قواعدهم الأخلاقية. قفز هؤلاء المسلحون من الشاحنة وبدأوا بجلد باراكزاى حتى سقطت، مع مواصلة جلدها. وعندما انتهوا، وقفت باكية بعدما صُدمت وأُهينَت. وبفضل هذه الواقعة بدأت حياتها كناشطة، وفتحت باراكزاي، التى كانت تدرس علم الأرصاد الجوية المائية والجيوفيزياء فى جامعة كابول، فصولًا دراسية سرية للفتيات بعد أن أجبرن على ترك دراستهن، وعقب خروج طالبان ساعدت باراكزاى فى صياغة دستور أفغانستان، وخدمت فترتين فى البرلمان.


فى منتصف التسعينيات، وعدت طالبان بإنهاء العنف بعد سنوات عانت البلاد من صراع وحشى؛ وانعدام الأمن، ما جعل الأرض ممهدة للجماعة الإسلامية، لكن السلام جاء على حساب العديد من الحريات الاجتماعية والسياسية والدينية. حينها طبقت طالبان تفسيرها للشريعة الإسلامية، وفقًا للمصورة الصحفية العسكرية الأمريكية "لينسى أداريو" كان تعليم النساء والفتيات محظوراً تمامًا، ولم يُسمح للنساء، باستثناء الطبيبات المعتمدات، بالعمل خارج المنزل.


أداريو كانت تعمل كمراسلة أمريكية عزباء، وكانت بحاجة إلى إيجاد طريقة للتنقل فى أنحاء البلاد مع زوج مزيف، للقيام بعملها دون أن يُقبض عليها، خاصة أن التصوير الفوتوغرافى لأى كائن حى كان ممنوعًا فى ظل حكم طالبان. لقد أجريت اتصالات مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، والتى كانت واحدة من المنظمات الدولية القليلة التى لا تزال تعمل فى أفغانستان، حيث ساعدتها لتصوير الأفغانيات خلسة وإجراء مقابلات معهن، حتى أصبح سبق لها الوصول إلى النساء فى الأماكن التى يحظر دخول الرجال إليها سواء ثقافيًا أو قانونيًا.


ومن مايو 2000 إلى مارس 2001، سافرت أداريو مع كاميراتها وقمت بزيارة المنازل، والمستشفيات النسائية، والمدارس السرية للفتيات. ذهبت إلى حفلات زفاف مختلطة بين الجنسين تحت الأرض، بينما رقص الرجال والنساء المتجملات أثناء الحفل وهى متعة بسيطة يعاقب عليها بالإعدام. كانت الشوارع مزدحمة بالأرامل اللاتى فقدن أزواجهن فى الحرب التى طال أمدها. ممنوعات من العمل، كانت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هى التسول. كان الأفغان خائفين فى الداخل والخارج. أولئك الذين كانوا شجعانًا بما يكفى للمغامرة تحدثوا بأصوات خافتة، خوفًا من استفزاز طالبان والتعرض للضرب على أى شيء مثل عدم وجود لحية طويلة للرجل أو البرقع للمرأة، فقد تم استبدال المباريات فى ملعب غازى بكابول بإعدامات علنية يوم الجمعة بعد الصلاة. 


وشاهدت المصورة الأمريكية قوة ومرونة الأفغانيات؛ وكثيرا ما سألت نفسها ما الذى سيحدث لأفغانستان إذا سقطت طالبان. تخيلت أن الرجال والنساء الذين قدموا لى مثل هذه الضيافة الرائعة والقوة سيتألقون، وأن الأفغان الذين فروا من بلادهم سيتمكنون أخيرًا من العودة إلى ديارهم. بعد أشهر جاءت هجمات 11 سبتمبر 2001، وبعد ذلك بوقت قصير كان الغزو الأمريكى لأفغانستان، سقطت طالبان، وسرعان ما أثبتت النساء أنفسهن فى أعمال إعادة بناء البلاد وإدارتها. كان هناك تفاؤل كبير وتصميم وإيمان بتنمية ومستقبل أفغانستان. ولكن حتى مع اختفاء طالبان مرة أخرى فى نسيج المدن والقرى، استمرت العديد من قيمهم المحافظة، التى لها جذور عميقة فى المجتمع الأفغاني. لقد رصدت كاميرات  أداريو هزيمة طالبان فى قندهار أواخر عام 2001 ، والتقطت صورا للأفغانيات من كابول إلى قندهار ومن  هرات إلى بدخشان، يذهبن إلى المدارس، ويتخرجن من الجامعات، ويتدربن كجراحات، ويضعن أطفالًا، ويترشحن للبرلمان ويخدمن فى الحكومة، ويقودن السيارات، ويتدربن ليصبحن ضابطات شرطة، وفى السينما، والعمل كصحفيات ومترجمات ومقدمى برامج تلفزيونية. 


الآن، يبدو أن هذه المكاسب آخذة فى الاختفاء، بعد سيطرة طالبان مرة أخرى وفرار الرئيس الأفغانى "أشرف غنى" من البلاد. فتح المتشددون أبواب السجون وأطلقوا سراح الآلاف من السجناء وأعادوا النساء إلى منازلهن وأبعدن الفتيات من المدارس. وفى التقدم نحو العاصمة، دمرت القوات المنشآت الطبية وقتلت المدنيين وتشريد الآلاف من الأفغان. يزعم البعض أن طالبان طلبت من نساء القرى التى احتلتها الزواج من مقاتليها غير المتزوجين، رغم أن الحركة تنفى هذا الادعاء. ورغم إعلانها عن حق المرأة فى التعليم والتقدم إلى الجامعات، والاستمرار فى العمل، إلا أنهن بحاجة إلى ارتداء الحجاب كما هو الحال فى قطر أو إيران، ولا حاجة لارتداء البرقع. وأكدت خلال تصريحاتها الأولى على ضمان جميع حقوق المرأة فى حدود الشريعة الإسلامية؛ حتى أنه سيتم تشكيل حكومة إسلامية قوية وشاملة بمشاركة النساء والشيعة، لكن تاريخ طالبان فى العنف تجاه الفنانين والمرأة وتعصبها العام للموسيقى والتعليم والثقافة دون معنى دينى أثار الشكوك بين العديد من المفكرين والمرأة.