لحظة صدق

قول شكرا .. تأخد جايزة

إلهام أبو الفتح
إلهام أبو الفتح

من أجمل الأخبار التى قرأتها خبر عن مقهى بباريس إذا أشرت للجرسون وطلبت منه قهوة، بأطراف أصابعك يحاسبك المقهى على سعرها الرسمى تسعة يورو، لكن إذا قلت له من فضلك أريد قهوة، ثم قلت بعد احتسائها تسلم ايدك يكافئك بخصم 50% من ثمنها ويحصل منك خمسة يورو فقط ويعفيك من أربعة يورو مقابل الحروف الخمسة لكلمة "ميرسي" الفرنسية!
وقد نشرت مجلة نيتشر العلمية التى يبلغ عمرها اكثر من مائه عام دراسة أن مجموعة من العلماء تابعوا على ما يقرب من 1٫000 محادثة حول العالم فوجدوا أن الأشخاص الذين أُسدى إليهم معروف نادرًا ما يقولون "شكرًا".
وسر عجبى أنه ما أسهل كلمة شكرا على اللسان لو علمناها لأولادنا، فكلمة "شكرا" ليست مجرد أربعة حروف نحمد بها شخصا أسدى لنا معروفا، لكنها "فعل" معناه كمية هائلة من العطاء بلا حدود، ففى معجم المعانى معنى "شكرت الدابة" أى أكلت وامتلأت حتى شبعت، و"شكرت الشجرة" أى أخرجت أغصانا صغيرة وزهورا وسنابل، و"شكرت السحابة" أى اِمْتَلأَتْ بالماء، حتى الإنسان البخيل إذا وضعنا فعل شكر قبله يصبح المعنى غَزُرَ عطاؤهُ، وفى القرآن الكريم حين يقول الحق فى سورة فاطر "إن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ"  فإن معنى الشكور هو المثيب المُنْعم بالجزاء!، فلم أكن أتخيل هذه المعانى حين كتبت الأسبوع الماضى عن فضل كلمة شكرا، حتى جاءتنى ردود هائلة من القراء وكأننى عثرت على كنز فرعونى كاد يتوه تحت مغارات الرمال المتحركة ووسط زحام الحياة، ولأن بعض الناس نسوا كلمة شكرا فأصبحت تصرفاتهم فيها جحود، يخطف الفرد نتائج الخدمة ثم ينكب على موبايله فى عالمه الوهمى دون أن يشعر بمن حوله ولا يقولون لمن أحسن اليهم شكرا، لا من قدم له الطعام فى البيت ولا من غسل كوب الشاى ولا من أصلح لمبة الشارع ولا من رفع المخلفات وأماط الأذى عن الطريق، لو قال المدير للعامل شكرا على عمل اداه ولو قال العامل لمديره شكرا سيزيد الإنتاج وعمل الجميع فى جو من الحب والإيجابية.
الحديث الشريف يبشرنا برجل شوهد يتمتع فى الجنة ونعيمها لمجرد أنه رفع غصنا ناشفا من الطريق، فما بالك بمن يتصدق أو يرفع مخلفات المبانى أو يردم حفرة حفرها لتوصيل مياه لبيته وتركها مصيدة للمارة، فالشكر.. والعرفان بالجميل لا يوزن بالمال، وعلى المجتمع تشجيع ثقافة الشكر ومكافأة الأخلاق الحميدة فى التعامل، وآليات منح هذه المكافأة أيسرها كلمة شكرا قبل أن تتحول حياتنا إلى لهاث خلف المصالح الأنانية الضيقة، وتتحول علاقتنا فى العمل وفى الشارع وحتى فى البيوت إلى جزر منعزلة يحكمها مبدأ الأنانية، ولا يستوعبون تأكيد الخالق الرزاق "ولئن شكرتم لأزيدنكم".