رفعت الجلسة | جحود.. ولكن !!

جحود.. ولكن
جحود.. ولكن

لم أحذف من ذاكرتى ذلك اليوم، كان مشهدًا قاسيًا، طردنى أبى مع إخوتى من البيت فى منتصف الليل، وأدخل زوجته الثانية مكاننا، وهو يصرخ «اخرجوا فلن أستطيع تحملكم بعد اليوم».

كان عمرى 13 عاماً وشقيقاتى البنات ما بين الـ 9 والـ 7 أعوام، خرجنا ولا نعلم أين نذهب، لم نكن نرتدى سوى ملابس النوم، شقيقاتى يبكين، وأنا أعيش لحظات من القلق والخوف عليهم، ليس أمامى سوى منزل عمى.


بمجرد أن طرقنا بابه، أدخلنا بسرعة، وقبل أن نقص له ما حدث.. بادرنا بالقول: «أعلم كل شىء، وكنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، لم يرزقنى الله بذرية، وستكونون من اليوم أولادى». 


ما فعله أبى لم يكن وليد الصدفة، لقد تغير كثيرًا بعد وفاة أمي، أصبح يدمن الخمر، يسهر حتى الصباح، بارت تجارته، بعد أن كان من كبار رجال الأعمال والمستثمرين فى مصر.. علاقة والدى بوالدتى لم تكن علاقة زوج بزوجته، بل كانت روحه ، فهى زميلته فى الدراسة، كانت أمى تخطط لنجاحه، هى من مهدت له الطريق للدخول إلى عالم السياسة والاقتصاد، حيث كان يكتفى أبى بكلمة واحدة عندما تضيق الدنيا فى وجهه ويجد صعوبات فى العمل «حنعمل إيه ؟» بعدها يجد كل الطرق ممهدة وما عليه سوى أن يجنى الثمار..

لم تكن والدتى صاحبة نفوذ أو ابنة رجل أعمال أوسياسى كبير، لكنها كانت مثقفة، خريجة الجامعة الأمريكية، درست علوم سياسية، وحصلت على دبلومة فى الاقتصاد وإدارة الأعمال..

لم تعان والدتى من أى أمراض، لكنها كانت ترهق نفسها فى العمل، تتحمل كل أخطاء أبى، تحاول أن تنهض بتجارته إلى العالمية، وفجأة سقطت فى مكتبها، فقدت الوعى، تم نقلها إلى المستشفى، لكنها فارقت الحياة فى الطريق..

كان أبى فى ذلك الوقت خارج مصر، مسافرًا إلى إحدى الدول الأوروبية، للخارج.. عاد أبى من السفر، شاهد عمى يجلس فى الصالون، وبجواره زوجته ترتدى السواد، بدأ يتوتر، نادى على والدتى، مرة ومرتين وثلاثاً، حتى دعاه عمى إلى الجلوس بحجة أنه قادم من السفر، دقائق وسمعت صراخ أبى، خرج مسرعاً من باب الحجرة، ظل ينادى على أمى، بحث فى هاتفه، رن على تليفونها، وجده مغلقاً، سقط والدى مغشياً عليه، وعندما استعاد وعيه كان حزيناً، منعزلاً فى حجرته، لا يتحدث مع أحد..

أسبوع كامل وأبى منعزل، لا يطلب سوى السجائر لتكون رفيقه فى حجرته، حتى قرر فجأة أن يخرج من المنزل، ارتدى ثوبًا جديدًا، وغادر دون أن يتحدث مع أحد..

عاد إلى البيت فى السادسة صباحًا، لكنه كان مخمورًا.. أصبحت حياة أبى هكذا، كان عمى الوحيد الذى يطمئن علينا. 


مر عامان وأبى على هذا الوضع، حتى فاجأنا ذات يوم بفتاة فى العشرينيات من عمرها، أدخلها مباشرة إلى حجرة نومه، ثم خرج إلينا معلناً أن هذه زوجته، وأم ابنه القادم، وأنها ستعيش معنا فى هذا البيت، الذى أصبح ملكها منذ اليوم، لم نتفاجأ بقرار أبى، كنا على علم بخطواته من عمى، عشنا شهرين مع زوجته، كانت تعتدى على شقيقتى الصغرى، تقوم بإهانتها، وتقطع ملابسها، وعندما اشتكيت إلى أبى، كان يتجاهلنى، حتى جاء اليوم الذى تسبب فى القطيعة بيننا وبين أبى، شاهدت زوجته تقوم بضرب شقيقتى، طلبت منها بهدوء أن تتوقف عن فعل ذلك، رفضت وقذفتنى بالحذاء فى وجهى، عدت إليها وسحبت شقيقتى من يديها، لكن من قوة الدفع سقطت على الأرض، بعدها قامت بالاتصال بوالدى وكانت تصرخ وتبكى، حتى خيرته فى نهاية المكالمة بيننا وبينها واتهمتنا أننا نريد إجهاض حملها.


عاد أبى مذعوراً من الخارج، لم ير أمامه، جل ما فعله، قام بالنداءعلينا، ثم طردنا من المنزل بملابس النوم، خرجنا فى منتصف الليل، توجهنا إلى منزل عمنا، أكرمنا وعطف علينا، اعتبرنا أولاده الذين لم ينجبهم، ظل ينفق علينا ويؤوينا فى منزله، حتى اليوم الذى تخرجت فيه من الكلية، واجتاز أشقائى الثانوية العامة..

أما أبى، فقد انقطعت علاقتنا به منذ أن طردنا من المنزل، ولم يكلف نفسه بالسؤال علينا، رغم أنه يعرف أننا نعيش فى منزل عمنا..

وعلمنا أن تجارته خسرت، وكتب كل أملاكه لزوجته وابنه، وأصبح بلاعمل بعد أن كان من كبار رجال الاقتصاد والتجارة..

اليوم..

لا أعرف ماذا أفعل مع أبي، الجميع يطالبنى بمقاضاته للحصول على حقى وحق أشقائى فى ميراثه، وأنا فى حيرة من أمرى، فقد اعتبرته قد فارق الحياة يوم أن طردنا من المنزل، وأصبح لنا أب آخر هو عمى.

 

طمأنة .. قبل القرار

 

هناك كواليس كثيرة فى قصتك التى قصصتها لى، اخترت ألا أذكرها لأنها تمس أعراضاً، وليس لدينا دليل عليها، لكن ما زلت أحترم طلبك..

وقمت بإرسال قصتك إلى عدد من علماء الدين والسياسة والاجتماع، وأضفت لهم كواليس ما اخترت أخفيه عن القارئ.

وعندما تصلنى الردود سأرسلها لك مباشرة حسب طلبك.. اعلم أنك تريد أن تتخذ قرارك النهائى بشأن والدك مستندًا إلى تطمينات دينية ونفسية واجتماعية.. بل سأضيف إليها أيضاً ردود قراءة رفعت الجلسة على رسالتك، ونصائحهم لك.