حكايات| «إنسان الغاب».. أذكى الحيوانات يبكي ويضحك كالبشر 

«إنسان الغاب».. أذكى الحيوانات يبكي ويضحك ويفكر ويمشي كالبشر 
«إنسان الغاب».. أذكى الحيوانات يبكي ويضحك ويفكر ويمشي كالبشر 

فقط انظر إليهم فبمجرد رؤية ظلالهم وسط الغابات، سيخيل إليك أنهم بشر كبار وباعتبارهم أضخم حيوانات تعيش على الأشجار، فقد يصل وزن ذكر «إنسان الغاب» البالغ إلى ما يزيد عن 140 كجم.

 

تقضي هذه الحيوانات ما يزيد عن 90 بالمائة من وقتها على قمم الأشجار تأكل الفاكهة الناضجة، وأوراق الأشجار الصغيرة، وفي بعض الأحيان النمل الأبيض أو الكروم.


تمشي حيوانات «إنسان الغاب» على الأرض مستخدمة أطرافها الأربعة، لكن إذا نظرت إليها عن قرب فستجدها تمشي كالبشر، إضافة إلى استخدامها لأيديها بطريقة رائعة، وتمتلك هذه الحيوانات أصابع إبهام معكوسة تمكنها من حمل الطعام وجذب فروع الأشجار. 


وتستخدم بعض حيوانات «إنسان الغاب» أدوات كالعصي للحصول على النمل الأبيض، أو النمل، أو النحل من الحفر الموجودة بالأشجار. وقد لوحظ أيضًا قيام هذه الحيوانات بعمل قفازات من أوراق الشجر لحمل الفاكهة الشائكة أو فروع الاشجار المسننة، بل إنه يضع على رأسه مظلة بدائية من أوراق الشجر لتحميه من المطر، نعم، إنها حيوانات ذكية.


لكن ليس هذا كل ما في الأمر وحسب، بل تستطيع حيوانات «إنسان الغاب»  الإدراك، والتفكير، والتعبير عن المشاعر مثلنا كالضحك والتذمر والبكاء وما إلى ذلك. كل هذه الصفات تجعلها شبيهة بنا بشكل عجيب.

إذا استغرقت دقيقة واحدة في تأملها عن قرب، فنحن على يقين من أنك ستقسم أنها تشبهنا تمامًا.


وغالبًا ما تسمى هذه القردة أهل الغابة. ويقضون معظم أوقاتهم في التنقل بين الأشجار للبحث عن الفاكهة اللذيذة والمتعة، يحبون قضاء الوقت بمفردهم ولكن من المعروف أيضًا أنهما يعملون على إقامة روابط قوية من الصداقة مع قلة مختارة.


وهي كذلك نوعًا ما. مقارنة بالبشر، يتطابق تسلسل الحمض النووي لـ «إنسان الغاب»  بنسبة 97 بالمائة مع الحمض النووي البشري وذلك وفقًا لتحليل نشرته  مجموعة من العلماء على مستوى العالم في 2011. لذا صُنف «إنسان الغاب» كواحد من أقرب الكائنات الحية للبشر في سلسلة التطور جنبًا إلى جنب مع قرود الشمبانزي، وكما اكتشف مؤخرًا، قرود البونوبو, لذلك ليس من المستغرب شعورك بصلة قرابة قوية حال رؤيتك لحيوان «إنسان الغاب».


وتمثل الفواكه  60 %  من طعام قرود إنسان الغاب، ويفضل من بينها فاكهة دوريان كريهة الرائحة، ومن المعروف عن تلك القرود أنها تأكل ما يزيد على 400 نوع مختلف من الأطعمة، وعندما تشح الفاكهة يلجأ إنسان الغاب إلى تناول لحاء الأشجار وأوراقها.


وتكمن المفارقة هنا في أن الخطر الحقيقي ناجم عن السلوك البشري ضد «إنسان الغاب» وليس العكس.

يمثل الصيد الجائر وفقدان المؤن ونزاعات البشر مع الحياة البرية تهديدًا لكل أنواع «إنسان الغاب» في البرية  فقد أعلن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية كل أنواع «إنسان الغاب» مهددة بشدة بالانقراض، مما يعني أن إنسان الغابة الماهر معرض للإنقراض إذا لم نتحرك بسرعة.

وليس ذلك فقط، بل إنه كثيرًا ما يتم اختطاف صغار قرود إنسان الغاب، لبيعها كحيوانات أليفة، وهو ما يؤدي لكثرة حالات اليتم وحرمانها من التنشئة اللازمة في البرية.


وتعتبر الرابطة بين الأم والطفل، مستمدة من أركان مجتمع إنسان الغاب، حيث يقضي الصغار من 3 إلى 4 سنوات في اكتساب التعلم من أمهم تماما مثل البشر، ومن المعروف أن إنسان الغاب مدرك لذاته وقادر على التعرف على وجهه في المرآة.


تُعد حيوانات «إنسان الغاب»  من العناصر الأساسية في البيئة، ويعني ذلك أنها تعمل على تغيير البيئة المحيطة بشكل كبير مما يجعل العديد من الكائنات الأخرى والنباتات قادرة على البقاء على قيد الحياة اعتمادًا على هذه التغييرات. ومع اختفاء حيوانات «إنسان الغاب» فستختفي أيضًا الآف الأنواع المختلفة من الكائنات التي تعيش في الغابات المطيرة الاستوائية الهشة.


ويعني ذلك أن هذه التغييرات ستؤثر علينا نحن البشر لأننا نعيش أيضًا على هذا الكوكب. لذلك، فبذل الجهود لمساعدة الأورانغوتان والحفاظ على موئله لن يساهم فقط في حماية هذه المخلوقات، بل سيسهم أيضًا في حماية مستقبلنا.


باتت هذه القرود الضخمة التي تعرف باسم إنسان الغاب سيئة الحظ في السنوات الأخيرة، لارتباط اسمها بمشكلة التصحر وإنتاج زيت النخيل الذي يفاقم من ظاهرة التغير المناخي.

وتوجد هذه الأنواع الرائعة، التي تحدق بها الأخطار، فقط في جزيرتي سومطرة وبورنيو في آسيا  وهناك أنواع متعددة منها، فقد تم تحديد ثلاثة أنواع مختلفة من إنسان الغاب البورني والسومطري والتابانولي، والذي تأكد تصنيفه كأحد الأنواع فقط في 2017.


ويأتي الاسم الإنجليزي لإنسان الغاب من دمج كلمتين بلغة الملايو أو اللغة الماليزية، وهما أورانغ والتي تعني شخص، وهوتان والتي تعني غابة  والترجمة الكاملة لهذا الاسم إلى إنسان الغاب ملائمة، حيث نشترك نحن البشر مع هذه القرود الرائعة بنسبة 97 في المئة من الحمض النووي.


قرود إنسان الغاب ماهرة وذكية بشكل لا يصدق، وتنتقل بأقدامها التي تشبه اليد بسهولة بين الأشجار، وهي كبقية القرود الكبيرة، لها أدمغة كبيرة الحجم. وبالجمع بين ذلك وبين أصابعها البارعة، تبدي قرود إنسان الغاب سلوكا ربما نعتبره بشريا.


وبينما تعتبر قرود إنسان الغاب واسعة الحيلة والدهاء، إلا أن أعدادها في تناقص نظرا لتدمير البيئات التي تعيش فيها  ويقدر عدد حيوانات إنسان الغاب ما بين 57 ألفا إلى 100 ألف من فصيلة البورني، وأقل من 14 ألفا من فصيلة السومطري، وأقل من 800 من التابانولي  وهي تواجه تهديدات كثيرة أبرزها التصحر وانحسار الغابات، والصيد غير المشروع للحصول على اللحوم وتجارة الحيوانات الأليفة.


وإنسان الغاب هو أضخم الثدييات التي تعيش في الغابات، حيث تقضي 90 في المئة من وقتها في ظلال الغابة تنام وتبحث عن الطعام  ومكان سكنها المفضل هو المستنقعات المنخفضة للغابات الاستوائية، ونظرا لما تفضله من طعام، يندر أن تجدها على ارتفاع يزيد عن 500 متر. وهي تحتاج إلى غابات واسعة وممتدة للتزاوج والعثور على طعام كاف.


وأثناء تنقلها عبر الغابة، يمكن أن تقصف وتكسر الأغصان مخلفة ثغرات وفجوات في ظلال الأشجار. ومن شأن ذلك أن يسمح للضوء بالوصول إلى أرضية الغابة، ما يحفز نمو النباتات من جديد ويؤدي إلى تجدد الغابة بشكل طبيعي.


وليس هذا هو الدور البيئي الإيجابي الوحيد الذي تقوم به قرود إنسان الغاب، فعندما تتنقل في الغابة تقوم بنشر البذور التي تعلق في فرائها (وربما في برازها، كما يقوم إنسان الغاب ببصق البذور من فواكه بعينها)، وقد أكسبها ذلك لقب بستاني الغابة.


وتتميز المنافسة للحصول على الطعام بالشدة والصعوبة، ما يؤدي إلى حياة شبه منعزلة، وهو أمر فريد بين الأنواع الراقية من الثدييات.

اقرأ أيضا |حكايات| ملوك «المراتب البلدي».. عماد منجد بالمنيا «على الأصل دور»