الكل يتحسس مسدسه في ليبيا.. البلد الجريح هل يبقي جاثٍ على ركبتيه ؟

خالد العوامي
خالد العوامي

في ليبيا ، يبدو ان الكل " يتحسس مسدسه " ، تأهباً لـ"انتخابات رئاسية" مقرر إجراؤها في 24 من شهر ديسمبر المقبل، ليبيا البلد الجريح جاثٍ علي ركبتيه ، جراء حقبة مريرة تعرضت لها الدولة في أعقاب سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي ، لا مال ، لا أمن ، لا استقرار ، و لا حتي حياة في دولة كان نفطها وخيرها وغناها ملئ السمع والبصر ، والآن باتت تقف علي اعتاب مرحلة أظن انها اصعب من سالفتها ، مرحلة ربما يتبلور فيها شكل السلطة "رئاسة وبرلمان ومؤسسات قد تري النور" ، مرحلة تتشكل فيها موازين القوي الداخلية .. ثم .. ثم تبرز خلالها قدرات كل فريق ، ليكون رقماً مهماً أو مهملاً في معادلة " الحكم والسياسة " ، واحسب ان الدولة بما تشهده من  تكتلات قبلية ، تجعل من الصعوبة بمكان تحقيق فرضية انفراد فصيل بالسلطة علي حساب فصيل أخر  .

 - سنوات الحرب والسياسة

والراصد لمجريات الأحداث في بلد عمر المختار، يدرك أن نهر الوطن جرت فيه مياه هادرة، مياه جرفت كثير من الموروثات القديمة .. ثم .. ثم غيرت تفاصيل دقيقة داخل تركيبته المجتمعية، حتي التجاذبات السياسية وسنون الحرب فرضت أوضاع جديدة يصعب زحزحتها، أوضاع تستدعي من الجميع احتواء الجميع، أوضاع يستحيل معها إقصاء هذا أو تهميش ذاك، بات لـ كافة التحالفات ومكونات الداخل الليبي مراكز ومكتسبات يصعب غض البصر عنها، وإلا ستدخل الدولة مرحلة أخرى معقدة، ربما تختلط فيها الأوراق وتتفاقم بها دوامات اخري وصراعات مريرة يستحيل فك تشابكاتها ، بما يزيد البلد الجريح ارتباكا وجراحاً اخري أكثر عمقاً .

- سيف الاسلام ومانديلا ليبيا

وجاء الظهور الفجائي لـ سيف الإسلام القذافي مطلع اغسطس الجاري للمشهد العام ، خلال حوار صحفي لـ صحيفة " نيويورك تايمز " ، بمثابة زلزال سياسي حرك الداخل الليبي ، وبعث بـ رسالة واضحة تؤكد قوة ونفوذ انصاره، بما يضع جميع الفرقاء امام منافسة ملتهبة ، ومعركة لن تكون سهلة حال خوضها ، معركة حتي وان خسرها سيف الاسلام القذافي ، إلا انه سيبقي " رقماً ثقيلاً " في معادلة السلطة والسياسة ، خاصة وان كل الدلائل تلمح إلي ان الانتخابات الرئاسية لن تنهي المرحلة الانتقالية ، بل ربما تمتد لفترات وفترات ، فما زال هناك ثقة وحنين لـ عهد معمر القذافي لدي قطاع عريض من الشعب الليبي ، حنين للأمن والأمان ورخاء العيش ويسر الحال ، ولعل التأييد الذي يحظي به سيف الاسلام من بني وليد غرباً وحتي مدينة غات علي الحدود الجزائرية ، واصطفاف قبائل الحزام الاخضر خلفه ووصفة بـ " مانديلا ليبيا " ، جميعها دلائل تعزز تأثيره النافذ في مفاصل الدولة ومجرياتها السياسية ، بما يجعل من الصعوبة بمكان ، تهميش دورة او غض الطرف عن نفوذه المتنامي وسط قبائل ومكونات الدولة الليبية .

- حفتر يعدل " ظل العود الأعوج "

.. و .. و يبقي أيضاً اسم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي بمثابة " الرقم الأصعب " في ذات المعادلة " معادلة السلطة والسياسة " ، جراء مواقفه الصلبة طوال فترات كانت حالكة السواد ، تمكن خلالها ان يعدل جانب من " ظل العود الأعوج " ، ويضبط اختلال الميزان الذي مال في اوقات صعبة لصالح جماعات متطرفة ، كادت تفترس ما تبقي من الدولة عقب سقوطها في عام 2011 .

فلا أحد يستطيع ان ينكر جهود وتضحيات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في محاربة الإرهاب وحفاظه على مقدرات الشعب .

لا أحد يستطيع ان يغض الطرف عن تصديه لـ مشروع التيارات المتطرفة، وكيف وجه لها ضربات قاسية ومؤلمة قلمت اظافرها، وحدت من نفوذها المتنامي .

لا يمكن لمنصف أن ينكر دور الجيش في إجبار كل فرقاء ليبيا، علي المضي قدماً في مسار السلام العادل بوصفه خياراً إستراتيجياً ، يعالج كافة القضايا الخلافية العالقة .

لا يمكن لعاقل أبداً ان يتجاهل جهود ومطالب المشير حفتر، بطرد القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضي الدولة وبشكل عاجل وغير مشروط .

لا يمكن لـ كائن ان يتناسى دستور خليفة حفتر القائل: "لا سلام مع المحتل، لا سلام مع المرتزقة ، ولا سلام إلا والسلاح بيد الدولة".

ولا يمكن أبداً إغفال دور الجيش في تأمين أي استحقاق انتخابي قادم ، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية ، وغيرها من الاستحقاقات الدستورية والمصيرية للشعب الليبي.

جميعها محاور وأوضاع جعلت من المشير خليفة حفتر " رمانة ميزان " في قلب الدولة، اكتسب خبرات ومراكز وأوضاع ليس من الذكاء في شئ تجاوزها أو أهمالها ، أوصاع ومحاور تحجز لـ الرجل مقعداً وثيراً في طاولة المعادلة " السلطة والسياسة " .

- معسكر طرابلس لا يعقل تغافله

.. ثم .. ثم يبقي معسكر طرابلس في غرب البلاد رقماً لا يعقل تجاهل حسابه، معسكر محوري قطعاً سيدفع بـ وجوه تنافس علي سلطة الحكم والسياسة، وكل الدلائل والمؤشرات تلمح الي ان فتحي أغا وزير الداخلية الأسبق في حكومة فايز السراج المنتهية ولايتها، يعد من أبرز الاسماء التي ستطرح نفسها لـ خوض سباق الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل.

خلاصة القول ، ليبيا مازالت " البلد الجريح " ، فـ إلي متي سيظل جريحٍ جاثٍ علي ركبتيه ؟! ، إلي متي سيظل غارقاً تتلاطمه أمواج بحور الازمات ؟! ، هل تحسم الإنتخابات الرئاسية المقبلة مصير " البلد الجريح " ؟! .. ربما !! .