ليس بحشد النجوم تنجح الأفلام.. «٢٠٠ جنيه» فيلم تائه بين الإفلاس والاقتباس

أحمد السقا.. أداء المعركة المفتعلة فى الفيلم
أحمد السقا.. أداء المعركة المفتعلة فى الفيلم

 

قبل عرض «٢٠٠ جنيه» لمحمد أمين كان قد واجه مؤلف الفيلم أحمد عبدالله اتهامات بالسرقة من سيناريو آخر، وأصبحت الفكرة والأحداث معروفة بسبب المعارك المتداولة إعلاميا بين الطرفين، والتى انتهت ببراءة أحمد عبدالله من السرقة، لكنها كشفت اقتباسه من الفيلم المصرى القديم «خمسة جنيه» لحسن حلمى تأليف السيد بدير والذى عرض عام ١٩٤٧، وهو ليس مشكلة على الإطلاق فمعظم الأفلام فى السينما عالميا مأخوذة من أفلام سابقة أو أفكار متشابهة، ولكن لكل مبدع أسلوب وفكر يميزه ويميز عمله الإبداعى وقد يتفوق على الأصل وهذا ما لن تجده فى «٢٠٠ جنيه».


هنا أنت بلا مفاجآت، فالفكرة معروفة والأحداث تكاد تكون «محروقة»، ورقة مالية  تنتقل من شخص لآخر وتتنقل معه الدراما أيضا تغوص فى مشاكل طبقات اجتماعية مختلفة، المفاجأة الحقيقية كانت إفلاس الكاتب أحمد عبد الله والذى جرّ معه المخرج محمد أمين لهذا الفخ.. فالفيلم ماهو إلا «قصاقيص» من أفلام ومسلسلات أحمد عبد الله، مع سيطرة تامة لروح أفلام الأربعينيات تعود بك عقودا للخلف.


حشد المخرج عددًا كبيرًا من النجوم كمعظم أفلام أحمد عبد الله الناجحة «كباريه» و«الفرح» و«الليلة الكبيرة»، واكتفى بذلك، وتصور أن وجود هذا الحشد سيمنح الفيلم بريقا، فلم يهتم بالتفاصيل، الديكور مكرر بلا شخصية، والإضاءة لا تختلف من حال لآخر والماكياج حسب مزاج النجوم، والحارة بلا ناس تقريبا متصورا أن الأحداث فى الأربعينيات قبل الانفجار السكانى فى مصر، وبنفس المنطق كانت الشوارع خالية من السيارات إلا القليل، والمستشفى الحكومى هادئة بلا زحام من مرضى أو أطباء أو حتى قليل من الزائرين !

وبما ان روح الأربعينيات تسيطر، سيطرت الميلودراما والمواعظ والحكم المباشرة جدا، وكان الأداء مفتعلا من النجوم خاصة أحمد السقا الذى قدم له المؤلف والمخرج حدوتة تستهويه ليبدو شهما فارسا، وفتوة يدافع عن امرأة شوهها السيناريو متعمدا، لكنه دخل معركة - مفتعلة طبعا - من أجلها فى شارع شعبى خال من المارة لينتصر على ثلاثة رجال ويعود لبيته بلا خدش، يستيقظ ليقرر أن يضحى بكل ما يملك وهو «قسط السيارة» ليدفعها فى مستشفى لسباك فقير، وهو يردد: «المركب اللى فيها لله ما تغرقش» وكأننا فى خطبة الجمعة وليس فيلم سينمائى فى ٢٠٢١!


وفى قصة قصيرة أخرى أو «قصقوصة» من أحد أفلام المؤلف، الراقصة الحسناء «صباح» التى تجسدها غادة عادل، ترقص «بشرف» نظير أجر زهيد لتعول إبنها الصغير وأمها المريضة التى لا يفوتها فرض، والموسيقى التصويرية حزينة فى انتظار بكاء الجمهور كأفلام حسن الإمام!.. منتهى العبث، والأكثر عبثا كان اندماج «محسن» خالد الصاوى شاردا لوقت طويل يكلم نفسه عن «الشغالة» وطبقتها وأفكارها عنه وعن طبقته وهو الذى يعانى من أجل مصروفات جامعة ابنه فباع خاتم زوجته الماسى الثمين!!

وتتبادل معه الشغالة نفس الموقف فتكلم نفسها أيضا عن الڤيلا وثراء الأسرة مقارنة بحياتها البائسة، وبغض النظر عن افتعال الحدث -ككل الفيلم- إلا أن المخرج والمؤلف غاب عنهما أن تضييع الوقت فى فيلم وليس بمسلسل مع ممثل يكلم نفسه أسلوب عفّى عليه الزمن وانتهى منذ عقود طويلة.


وسيطرت الميلودراما الساذجة جدا أيضا على حدوتة «سلوى» ليلى علوى الزوجة الجميلة المخلصة التى تعول زوجها القعيد حتى تنتهى حياتها بموته، أداء مبالغ فيه جدا لكنه يناسب الموقف القادم من أفلام الأبيض والأسود.. و«شوقى» الأب الذى تكسره رغبات ابنته فيرسم تمثيلية ساذجة ليقنعها بملابس العيد من العتبة فى موقف وأداء مفتعلين لهانى رمزى.. 


و«عنتر» الابن الشاب الحرامى «أحمد السعدنى» الذى بدأت عنده الحدوتة بسرقة ورقة الـ ٢٠٠ جنيه المختومة بختم أمه الفقيرة «عزيزة»..  يدهسه صديقه الفاسد مثله عندما يعرف أنه على علاقة بزوجته اللعوب لتنتهى الأحداث عند نقطة البداية مع الأم صاحبة الـ٢٠٠ جنيه والتى دعت على سارقها فاستجاب الله لدعائها وقُتل لابنها مدهوسا بسيارة صديقه لتنهار الأم وحولها مجاميع الحارة أربعة فقط منهم طفلان!.. وبما أننا فى الأربعينيات أو بدايات السينما المصرية انتهى الفيلم بمشهد لبيومى فؤاد  يلتقط ورقة الـ ٢٠٠ جنيه ويداعب الجمهور الذى لم يتفاعل أبدا معه ولا مع حواديت أحمد عبد الله المستهلكة! 


تاه المخرج الموهوب محمد أمين فلم يكن له بصمة واضحة كأفلامه السابقة ويبدو أن تشتت السيناريو أربكه تماما، وأضاع الفيلم بهجة عودة إسعاد يونس وحضورها بعد غياب أكثر من عشر سنوات فكانت رغم سذاجة السيناريو الأفضل فى الفيلم، وتفوقت فى أدائها لدور الأم الكادحة خفيفة الروح التى يحبها الجميع، ثم الأم المكلومة بلا صراخ وعويل، فكان أداؤها، صادقًا دون افتعال، نافسها أحمد آدم فى دور البخيل خفيف الظل وطارق عبد العزيز فى مشهد قصير، ليخرج الثلاثة فقط من عباءة المخرج والفيلم الذى لايصلح حتى لحواديت قبل النوم لأطفال هذا الزمن !