نصر: تأثرت بجميع أعمال «نجيب محفوظ».. ونتنفسه دون أن نحس

الروائى مصطفى نصر
الروائى مصطفى نصر

دائما ما كانت حياة نجيب محفوظ مصدر إلهام لغالبية المبدعين، وعندما رحل عن عالمنا ظلت أعماله لها النصيب الأكبر داخل حيّز مكتباتهم، تخلق لنفسها مكانا يتجدد كل فترة، ويستقبل الجديد دائما، فما زالت الكتب الجديدة عن عوالم محفوظ تصدر ولازالت أعماله تكسب قراء جددا كل يوم، لكن العلاقة مختلفة خاصةً مع هؤلاء الذين اقتربوا منه إنسانيا فهو لم يكن مجرد كاتب بالنسبة إليهم، لكنه ربما وصل إلى صورة «الكمال»، إذ أضاف لهم محفوظ الكثير خلال حياتهم، هنا نحاول الاقتراب أكثر، لنتعرف عن بدايات معرفتهم بكتابات محفوظ وأعماله، وكذلك الإجابة عن سؤال رئيسى هو «ماذا يمثل ركن محفوظ بالنسبة لهم؟».


يؤكد الروائى والأديب الكبير مصطفى نصر، أننى لم ارتبط بنجيب محفوظ بسهولة فى بداية الأمر، إذ كنت أميل لإحسان عبد القدوس، وعندما كانوا يسألوننى -وأنا صغير- «عايز تبقى إيه لما تكبر؟ أرد قائلا: عايز أبقى زى إحسان عبدالقدوس». فقد كنت مبهورًا بالحكايات التى يكتبها فى أعداد مجلة صباح الخير، ثم بعد ذلك اكتشفت فتحى غانم عندما قرأت له رواية الرجل الذى فقد ظله، مسلسلة فى مجلة صباح الخير، وكتبت فى أكثر من حديث إننى أفضل فتحى غانم عن نجيب محفوظ، وفى لقاء لى مع نجيب محفوظ بالإسكندرية حدثته عن اهتمام الناس بمتابعة المسلسل التليفزيونى زينب والعرش المأخوذ عن رواية فتحى غانم، فرد نجيب محفوظ قائلا: «الناس مهتمة به، لكى تعرف من الذى يقصده المؤلف بفلان وعلان من رجال الصحافة الذين يذكرهم فتحى غانم فى رواياته».   وقد وقعت فى هذه الحيرة عدة مرات خلال حياتى، فعندما قرأت شعر المتنبى وأبو فراس الحمدانى، أعلنت أن شعر «أبو فراس» أكثر فنية وسهولة من المتنبى، وتساءلت لماذا يحظى المتنبى بشهرة أكبر؟ وعندما قرأت شعر شوقى وحافظ إبراهيم كتبت أن حافظ أشعر وأهم، لكن بعد أن استعدت توازنى، اكتشفت قدرات عجيبة عند نجيب محفوظ ليست موجودة عند فتحى غانم، وأيقنت من أن المتنبى أكثر قدرة من أبو فراس الحمدانى، وأن شوقى غاص فى عوالم صعبة وثرية لم يقترب منها حافظ إبراهيم.


ويضيف الأديب مصطفى نصر قد اعتمدت فى قراءاتى لفترة طويلة من حياتى على الأستعارة من مكتبة البلدية، ولم نكن  نرى الكتب فهى محفوظة فى مكان عال ممنوع علينا الوصول إليه، لكن نختار الكتاب طبقا لاسمه أو اسم مؤلفه، فكنت اقرأ كل أعمال الكاتب، قرأت جميع أعمال جبران خليل جبران، وقرأت كل ما كتبه نجيب محفوظ، ووجدت صعوبة فى قراءة رواياته الأولى: خان الخليلى والقاهرة الجديدة والثلاثية. لكن نجيب محفوظ توقف عن الكتابة عقب قيام ثورة يوليو 52، وعمل مع صناع السينما مثل صلاح أبو سيف وتوفيق صالح والسيد بدير وغيرهم، وقد كتب العديد من سيناريوهات الأفلام المهمة مثل «ريا وسكينة وبين السماء والأرض ودرب المهابيل والنمرود وفتوات الحسينية» وهذه التجربة الخصبة أفادت نجيب محفوظ فى كتابة الرواية فالتقنيات السينمائية الحديثة أثرت فى فنية القصة عنده، فتخلصت رواياته الجديدة من الزيادات، كما إنه لجأ لتقنيات جديدة تعلمها من تقنيات السينما.

 

فجاءت روايته منذ اللص والكلاب، أسرع فى التناول واستخدم فيها الفلاشباك والتقطيع الفنى الحديث، إلا إننى تأثرت بجميع أعماله، خاصة تلك التى تحدث فيها عن مدينتى الإسكندرية، مثل اللص والكلاب والسمان والخريف والطريق وميرامار. لكن قمة أعماله هى الحرافيش، وأنا أعود لقراءتها من وقت لآخر، خاصة فى شهر رمضان عادة، لأستعيد ذكريات جميلة عشتها عندما قرأتها فى أول مرة، وفى كل مرة اكتشف أشياء جديدة لم اكتشفها من قبل، فنحن نتنفس نجيب محفوظ دون أن نحس، نتأثر بفكره وفنيته، وقد تعلمت منه أشياء كثيرة؛ منها ألا أقترب من مناطق لا أعرفها، فعبقرية محفوظ جعلته لا يكتب إلا عن الأشياء التى يعرفها، مثلًا عندما كتب عن الإسكندرية لم يتعرض لشخصية سكندرية واحدة، أبطال رواياته فى «الطريق» و«السمان والخريف» و«ميرامار» كلها شخصيات غير سكندرية، وفدت إليها لتعيش فيها بعض الوقت، ويقولون إنه كتب رواية عن الريف ولم ينشرها، لأنه لم يرض عنها.