«الحياد الكربونى» ..هل يكون طوق نجاة العالم من التغييرات المناخية ؟ | تقرير

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

هبة سلامة

مازالت تداعيات التغير المناخى تلقى بظلالها على دول العالم، الأمر الذى واجهته دول كبرى باتخاذ تدابير استباقية للحيلولة دون مزيد من "غضب الطبيعة".


لا سيما بعد ما طال العالم من الحرائق والفيضانات الأخيرة التى اجتاحت عدة دول وظهرت فى بعضها للمرة الأولى، ما يشير إلى أن الـعـالـم كله بات في قـبـضـة الـتـغـيـر المـنـاخـي وتسارع وتيرته .

لم تكن التأكيدات العلمية عن تسارع وتيرة التغير المـنـاخـي كافية لقبول الجميع بالخطة المناخية القوية التي أطلقها الاتـحـاد الأوروبـي الشهر الماضي, وتبعها إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطة لرفع حصة السيارات التي تعمل على الـكـهـربـاء والـهـيـدروجـين إلـى نصف السيارات الجديدة في الولايات المتحدة بحلول عام ٢٠٣٠.

واعـتـبـرت بـعـض الأوساط هـذه الـتـدابـيـر خيالية بعض الشىء، ولذلك قوبلت بمعارضة شديدة من الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الفحم الحجري، مثل صناعة السيارات وشركات الطيران فهذه وجدت في التدابير قيوداً كبيرة وسريعة عليها، قـد تمنعها مـن التحول السهل إلى العمل وفق الشروط الجديدة. 

لكن تقرير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ، الذي صدر قبل أيام، قطع الشك باليقين، حين أكد أن واقع التغير المناخي يفوق التوقعات السابقة بأشواط.. أشار التقرير إلى أن التخفيف من حدة التدهور لا يزال متاحاً، فقد أصبحت بعض الآثـار حقيقة لن يمكن تغييرها تمثلت فى الظروف الجوية القاسية مثل الجفاف وموجات الحرارة والأمطار الغزيرة والفيضانات والانهيارات الأرضية بصورة متواترة وارتفاع مستويات سطح البحر وتحمض المحيطات وفقدان التنوع البيولوجي مما يستدعي تسريع التدابير للتأقلم معها.

ومن بين التدابير فـرض رسـوم مرتفعة على وقـود الطائرات، وبالتالى رفــع أسـعـار الـبـطـاقـات للتخفيف من السفر الجوي وتسريع التحول إلى وقود أنظف مثل الهيدروجين، في الطيران كما في البواخر, كذلك إلغاء جميع أشكال الدعم المباشر أو غير المباشر للوقود الأحفوري مثل الفحم, النفط, الغاز الطبيعى, الطاقة النووية, وطاقة الرياح. 

فى ديسمبر 2019 قدمت المفوضية الأوروبية الصفقة الأوروبية الخضراء, وخطتها الرئيسية تهدف إلى جعل أوروبا محايدة مناخياً بحلول عام 2050, والآن قررت أوروبا الوصول إلي «الحياد الكربوني» في 2050 في ظل تحديات كثيرة منها علي سبيل المثال، اللجوء إلي رفع سعر الكربون ما يؤثر علي تكلفة كل شيء بداية من أسعار الرحلات حتي تدفئة المنازل في طبقة تعد أقل مسؤولية عن تلوث الكربون المضاف إلي الغلاف الجوي منذ عام ١٩٩٠، إضافة إلي تدمير الوظائف القائمة علي الكربون ويقدر تقييم التأثير الخاص بالاتحاد الأوروبي في شغل تلك الوظائف بنحو ٤٩٤ ألف وظيفة بحلول ٢٠٣٠ .

ورغم أن العدد يبدو ضئيلا  إلا أن تمركزه في قطاعات مثل الفحم يؤثر بشكل مباشر علي قطاعات محددة دون غيرها, لكن سيتم الوصول إلى هذا الهدف من خلال قانون المناخ الأوروبى الذى يضع الحياد المناخى فى تشريعات الاتحاد الأوروبى الملزمة.

وفى سبيل تخفيف الصدمة حتي لا تعود حركة السترات الصفراء تجتاح أوروبا ظهر صندوق المناخ الاجتماعي قدمت مؤسسة «فيفد إيكونوميكس» الاستشارية مقترحاً لتمويله بنسبة 33 %  لتخفيف آثار ضريبة الكربون .. لم تستطع سوي الحصول على 25% فقط من عائدات مقايضة الانبعاثات لوقود البناء والنقل الحفري والتي وصلت لـ ٧٢ مليار يورو خلال ٧ سنوات والتى تعد غير كافية للوصول  للحياد الكربوني ٢٠٥٠, كذلك تدريب وإعادة بناء قوة العمل في أوروبا لا زال لم يحصل علي الدعم المالي والموارد اللوجيستية التى تؤهله لتنفيذ الخطة .

المــســؤول عــن شـــؤون الـبـيـئـة والمـنــاخ فـي الاتــحــاد الأوروبــــي فــرانــز تـيـمـيـرمـانـز اعـتـرف بـصـعـوبـة الإجــــراءات، لـكـنـه قــال إنـهـا الـطـريـقـة الـوحـيـدة لـلـحـصـول عـلـى «فـرصـة لـلـقـتـال» ضد الآثــار الكارثية المتسارعة لتغير المـنـاخ وحتى قـبـل صــدور الـتـقـريـر المــدوي للهيئة الحكومية للمناخ. 

أعلنت وكالة الطاقة الدولية "IEA" أن على العالم التخلي "الآن" عن أي مشروع جديد للتنقيب عن النفط أو الغاز، وعدم بيع أي سيارة تعمل بمحرك حراري جديدة بعد عام 2035 إن كان يريد تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 والتمكن من حصر الاحترار المناخي بحدود 1.5 درجة مئوية.

ويحتم تحقيق الحياد الكربوني تغيير مصادر الطاقة بشكل شبه كامل، مع تراجع كبير في الطلب على الطاقات الأحفورية يقابله تزايد الطلب على مصادر الطاقة المتجددة مثل زيادة قدرات الطاقة الشمسية والهوائية بأربع مرات بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2020، وفي 2050 سيكون نصف التخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ناجمة عن تكنولوجيات لا تزال الآن بصدد التطوير، بحسب ما أكدت الوكالة، ومنها البطاريات الجديدة والهيدروجين المراعي للبيئة، فضلاً عن أنظمة احتجاز ثاني أكسيد الكربون وخزنه، وهو موضوع نقاش بين متخصصين في مجال المناخ. 

وفقًا لتقرير صادر عن شركة China International Capital Corp. سيتطلب التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري خطوة إلى مصادر أنظف مثل الرياح والطاقة الشمسية والإنفاق على تدابير التخفيف أو تعويضات الكربون, وهذا يعني خفض أكبر قدر ممكن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ثم تعويض ما لا يمكنك التخلص منه. 

فى الوقت الذى أطلقت الواشنطن بوست على "الكرملين" عملاق الوقود الأحفورى فإنه قد ثار تساؤل حول مصير الاستثمارات الهائلة فى ذلك المجال, ولفتت فى تقرير بعنوان "الواقع الاقتصادي يدفع روسيا نحو قبول المناخ" إلى أن في اجتماع وزاري تطرق إلى المراقبة البيئية  تم تحذير المسؤولين من أنه على مدى العقود الأربعة الماضية أو نحو ذلك، ارتفعت درجات الحرارة في روسيا بنحو ثلاث مرات أسرع من المتوسط العالمي, وأن تغير المناخ كان وراء حرائق الغابات التي اجتاحت سيبيريا.. لذلك من الضروري الحد من انبعاثات الكربون من أجل الوصول إلى الحياد المناخي .

هناك خمس دول فى الاتحاد الأوروبى تهدف حالياً إلى الحياد المناخى فى القانون الذى صاغه الاتحاد هى السويد, الدنمارك, ألمانيا, فرنسا, والمجر .

ووفـق نتائج تقرير صدر فى هذا الشأن، أصبح لزاماً رفع حدود التزامات قمة باريس المناخية، عن طريق تسريع تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى وقفها كلياً بلا استثناءات قبل سنة وصولا ٢٠٥٠، وتفعيل برامج التعاون العلمي والتمويل. 

أيضاً نجد أنه تم اتخاذ خطوة مبكرة رئيسية في يوليو عندما فتحت الصين أكبر سوق لتجارة الكربون في العالم، وخلقت إطارًا لكيفية تسعير الانبعاثات وتنظيمها في البلاد, كما  الاستثمار في الطاقة النووية، التي لا تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري وهناك المزيد من الإنفاق على البحث في تقنيات مثل بطاريات التخزين واستخدام الهيدروجين كوقود لاستكمال مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات. 

وفى تقرير نشره موقع The Sun  تحت عنوان  "GOING GREEN" أعرب البريطانيون عن قلقهم من أن الحلول الخضراء مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية ستجعل الغلاء يستشرى بين العامة. 

مواجهة التغير المناخي تحصل على خطين متوازيين: معالجة الأسباب بتخفيض الانبعاثات الـكـربـونـيـة، والاسـتـعـداد لـلآثـار الـتـي لـن يمكن وقفها كلياً. والدول العربية، التي لا تزال معظمها مـقـصـرة فـي المـجـالـين، يمكنها الآن الـبـنـاء على الخطة الأوروبية لتطوير استراتيجيات وطنية وإقليمية مـلائـمـة لأوضـاعـهـا، تقيها المـفـاجـآت وتؤهلها للتعامل مع عصر جديد .

فـي مـواجـهـة الـخـطـط الأوروبــيــة الـواضـحـة والنقاش السياسي والشعبي الجدي للحد من تغير المناخ ومجابهة آثــاره، نجد ضعفاً كبيراً في المنطقة العربية، التي لم تسلم بعض بلدانها من حرائق الغابات الهائلة خلال الفترة الأخيرة.

اللافت أن مستوى القبول بالتدابير القاسية كان مرتفعاً في البلدان التي شهدت القدر الأكبر من الأضرار والضحايا، مثل ألمانيا وبلجيكا، بعد الفيضانات التي جرفت قرى ومدناً بأكملها.. أما في هولندا، فكانت الأضرار أقل ولم يقع ضحايا، بسبب الاحتياطات التاريخية لمواجهة ارتفاع المياه في هذا البلد ذو الأراضـي المنخفضة. لذا اعترضت أحـزاب اليمين على الخطة الأوروبية، الـتـي وجـدتـهـا مكلفة جـداً ومـضـرة بالاقتصاد، قبل أن تعتمد موقفاً وسطياً عقب صدور التقرير الدولى فـي مـواجـهـة الـخـطـط الأوروبــيــة الـواضـحـة. 

تشير التصريحات الرسمية والإلحاح الجديد إلى أن واقع الطلب العالمي الأكثر مراعاة للبيئة، قد يجبر الجميع على التراجع عن دعم الوقود الأحفورى، وقبول ما لا مفر منه.

لكن التساؤل الذى يتبادر إلى الأذهان هل ستتخلى الدول العظمى عن الأرباح الضخمة التى تقدر بالمليارات من الاستثمار فى ذلك النمط من الطاقة وتضحى بتلك الثروة مقابل تحقيق الحياد المناخى فى المستقبل !!