السماد غاب عن جمعيات الصعيد وحضر بالسوق السوداء.. والزراعة: «الفلاحون السبب»

معاناة المزارعين فى الحصول على الأسمدة
معاناة المزارعين فى الحصول على الأسمدة


◄ مزارعون:  الموظف له الحرية فى توزيع السماد مثلما يشاء .. والزراعة لم تعد مجدية وعائدها لا يكاد يغطي تكاليفها

◄ مسؤول بالزراعة:
لا يوجد نقص في السماد كما هو مُشاع .. والوزارة ضخت خلال الموسم الصيفي أكبر كمية في الجمعيات بالصعيد 

 

حان اليوم موعد تسميد محصول الحاج إبراهيم، الذي يجوب الجمعيات الزراعية منذ أيام ليبحث عن السماد بسعره المدعم، بينما في النهاية لجأ للسوق السوداء، واشتراه بقيمة تساوي ثلاثة أضعاف سعره العادي.

 

أزمة نقص الأسمدة باتت تعمق جروح الزراعة في مصر التي تعاني من التغير المناخي وأزمة تلوث المياه، بعدما شحت من الجمعيات الزراعية، وباتت قاصرة على يد المافيا بالأسواق السوداء - الساعية للربح على حساب المزارع البسيط- والتي تبيع «الجوال» ذات الـ 50 كيلو جرامًا بـ 400 جنيه بدلا من كونه 175 جنيهًا بالجمعيات الزراعية.

 

اعتاد الفلاح مع بداية كل موسم، أن يستل بطاقة الحيازة، قاصدًا الجمعية ليستلم حصته من الأسمدة، على حسب مساحة الأرض ونوع المحاصيل التي يزرعها، ولكنه عندما يقف على باب الجمعية، يجد المزارعين يتراصون في طوابير منتظرين الفرج، أو من يحدثهم بكلمات مسئولة ترأف بحالهم، ولكن الموظفين يبلغونهم بعدم توافر الأسمدة، دون مراعاة مدى احتياج «الزرع» لها.

 

«بوابة أخبار اليوم»، رصدت المشكلة التي يعانيها الفلاحون، خاصة في محافظات الصعيد، وحصلت على التفاصيل حسبما روتها  ألسنة المتضررين ذاتهم، والذين أجمعوا على أنهم يواجهون أزمة لم يسبق لها مثيل.
 

«هو الزرع بيجيب دخل إيه لما نروح ندفع أضعاف السعر في الكيماوي»، هكذا بدأ أحمد خلاف حديثه لبوابة أخبار اليوم، مشيرًا إلى أنه ذهب أكثر من مرة ليحصل على حصته من السماد من الجمعية، ولكنه يفاجئ كل مرة بالرد نفسه من الموظفين، حيث إنهم يخبرونه بنفاد الأسمدة، وينتظرون قدوم كميات أخرى.

 

انتظار الفرج

وتابع حديثه قائلًا: «هذه حالة عامة مع الغالبية العظمى من المزارعين، الذين ليس أمامهم سوى انتظار الفرج؛ لأنه ليس بمقدورهم، شراء الكيماوي (السماد) من التجار لغلو السعر والذي يصل سعره إلى 400 جنيه، بدلاً من كونه بـ 175 جنيهًا بالجمعية».

 

واتفق مع كلامه حسين حماد، صاحب أرض زراعية، مؤكدًا أنه يعيش بين نارين، لا يقدر على تحملهما، فالأولى أنه لا يستطيع رؤية مزروعاته بحاجة لأسمدة، والنار الثانية عدم امتلاك القدرة على توفيرها، حيث إن الجمعيات لا تسلم الحصة كما هو معتاد، إضافة إلى غلاء الأسعار في السوق الحر والتي تزيد عن الضعف.

 

وأكد على أن الزراعة لم تعد مجدية، من الناحية الاقتصادية، وعائدها لا يكاد يغطي تكلفتها، ولا تحقق أرباحا كما كانت في السابق قبل نحو عشر سنوات، فقد كانت الزراعة حينها بمثابة مشروع اقتصادي يدر ربحًا، خاصة من بعض المحاصيل مثل القصب والقمح والبصل، موضحًا أن كل الفلاحين مستمرون في عملية الزراعة لأسباب اجتماعية، ومن باب التعود.

 

ولفت إلى أن أهالي الصعيد، يرون أنه من العيب، امتلاكهم للأرض الزراعية، ولجوئهم لشراء «العيش»، من المخابز، مهما كلفتهم الزراعة، أو كانت عبئًا ثقيلًا عليهم، حيث إنهم يرون سترتهم في «إعداد الخبز» من إنتاج أرضهم، وما دون ذلك يعد «فضيحة».

 

وأردف حسين حماد، أن التكلفة الكبيرة للزراعة جعلت الفلاحين يهجرون أراضيهم أو جزء منها وتبويرها.

 

وفسر مزارع ثالث، أن زيادة تكلفة الزراعة يضاعفها نقص السماد، وكثرة المغشوش منها، وندرة العمالة وارتفاع أجرها نتيجة هجرتها لمهن أخرى أقل شقاءً، لا تحتاج مجهودًا كالزراعة أو التواجد طوال ساعات النهار تحت لهيب الشمس الحارقة.

 

«عشوائية» الجمعية الزراعية

وفي محاولة «بوابة أخبار اليوم» البحث عن السماد الذي لا يجده المزارعون في الجمعيات الزراعية في قرى الجنوب، أكد «أ.ع» مزارع، أن توزيع السماد يكون عشوائيًا ولا توجد معايير مأخوذ بها في عمليات التوزيع.


وأضاف أن الموظف معه من الحرية ما يسمح له بتوزيع السماد مثلما يريد، حيث إن الحصص متفاوتة من محصول لآخر، وبعض الموظفين يحسبون للمزارعين حصصهم على أعلى نوع من المحاصيل مخصص لها سماد، حتى وإن كانت على غير الحقيقة.

 

حيلة تنعش السوق السوداء

وتابع، أن بعض المزارعين يمتلكون مساحات شاسعة من الأرض الزراعية، ولكنهم يؤجرون بعضها لصغار المزارعين، ويذهب المُلاك لاستلام السماد على أرضهم رغم أنهم لا يزرعونها، في حين أن المزارع الحقيقي للأرض «مستأجر»، ولكنه لا يجوز له استلام حصة السماد، فيذهب للبحث عنه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.

 

وأوضح أن الحيلة السابقة هي السبب الأول في انتعاش السوق السوداء بسماد المزارعين، مطالبًا بعملية ضبط الأسواق على قدر الإمكان، حتى لا تضيع حقوق الفلاحين في السماد المدعم، وهم في أشد الاحتياج إليه، نظرًا لظروفهم الصعبة في ظل كساد الزراعة، وكونها مشروعًا خاسرًا لا يجلب ربحًا لأصحابه.

 

وأبدى الحاج إبراهيم، مزارع من سوهاج، غضبه عما يفعله الموظفون في الجمعيات قائلا: «أسهل ما عليهم يقولوا مفيش، وننتظرهم بالساعات في الشمس ولا حد بيعبرنا ولا بيراعي ظروفنا».

 

وأضاف أن الموظف يتعامل باستعلاء وكأنه لا يوجد عليه رقيب، يصرف الكمية التي يقررها هو ولا يضع في حسبانه نوع النبات المزروع بل إنه يسلم على أن المزروع ذرة رفيعة وهي المحصول المخصصه له أقل حصة «كيماوي».

 

اقرأ أيضا: المركزي للمبيدات ينفذ دورات تدريبية لطلبة الزراعة والعلوم بالجامعات المصرية 

 

الزراعة: لا نقص بالأسمدة

وتعليقًا على هذه الظاهرة، أوضح الدكتور عباس الشناوي، رئيس قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة بوزارة الزراعة، أن السبب في ظهور السوق السوداء في السماد بمحافظات الصعيد، هو ارتفاع أسعار السماد عالميًا، وهو ما انعكس على الأسعار في السوق الحرة.

 

وأضاف في تصريح خاص لـ «بوابة أخبار اليوم»، أن الفارق في السعر بين السماد المُدعم والحر المستورد من الخارج الذي يبيعه التجار وصل هذا العام لـ 200 جنيه، بعدما كان في المواسم السابقة لا يتعدى الفارق 20 جنيهًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر أغوى بعض المزارعين لبيع حصصهم أو جزء منها للظفر بفارق السعر.

 

وتابع رئيس قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة بوزارة الزراعة، أن بعض مُلاك الأراضي يؤجرونها ويحرمون المزارع المستفيد «المستأجر» من حقهم في الدعم، وهذا أمر لا يمكن للوزارة التدخل فيه، ولا توجد حجة قانونية يمكن المحاسبة بناءً عليها.


وأشار قائلا: «الحد من هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع، هو كارت الفلاح، والذي بموجبه يذهب المالك والمستأجر لإبرام عقد تحت مظلة الجمعية الزراعية، يقر خلاله المالك على أنه لا يمانع من حصول المستأجر على حصة السماد المستحقة للأرض، وعليه يحصل المزارع على كارت يستلم به الحصة».

 

اقرأ أيضا: الزراعة: حملات لتحصين الماشية ضد مرضى الحمي القلاعية وحمى الوادي المتصدع 

 

وأوضح الدكتور عباس الشناوي، أنه لا يوجد نقص في السماد كما هو مُشاع، حيث إن الوزارة ضخت خلال الموسم الصيفي المنقضي، أكبر كمية سماد في الجمعيات الزراعية الكائنة بالصعيد مقارنة بكل السنوات الماضية.

 

وأوضح أن الوزارة تضخ شهريًا في محافظات أسيوط وقنا وسوهاج والأقصر، 50 ألف طن من السماد، وهو ما يمثل نحو 90 % من احتياجات تلك المحافظات، في حين أنه كان في السابق يتم ضخ 50 أو 60 %فقط من احتياجاتها، ولكن لم يكن أحد يشعر حينها بهذا  لكون المزارع لم يجد حينئذ عبئًا في شراء السماد من السوق الحر لضآلة الفارق عن السماد المدعم.

 

وختم حديثه، حول بعض السلوكيات الصادرة عن الموظفين حيال المزارعين بالجمعيات الزراعية، أشار إلى أنها سلوكيات فردية لا تمثل سوى القائم بها، ومن غير المنطقي تعميمها، حيث إنه يتم المحاسبة الفورية لمن يرتكب مثل هذه السلوكيات، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنه يتم التخفي أحيانًا لرصد المخالفات.

 

اقرأ أيضا: «الزراعة»: التوسع في خدمات الإرشاد والدعم الفني للمزارعين