سعد يُشكل «السعادة» بأصابع يديه

 سعد يُشكل «السعادة» بأصابع يديه
سعد يُشكل «السعادة» بأصابع يديه

سعد اسمه، إلا أن نصيبه فى الحياة من السعادة ضئيل للغاية، فمنذ خطواته الأولى فى طريق الحياة يلازمه الشقاء أينما ذهب، التعاسة تخيم على رأسه أينما وطأت قدماه، إلا أنه رغم كل ذلك يحب الحياة كثيرًا وبراءة ضحكته تجعل الجميع يشعر بأنه فى قمة سعادته.


رغم أنه فى العاشرة من عمره، إلا أن تجاربه فى الحياة تُثقل كاهل رجل فى السبعين.. اعتادت أمه أن تلقبه برجل البيت، وعائلها الوحيد، بعدما شاهدت السعادة فى عينيه مع ذلك الوصف والفرحة العارمة التى تخالط عينيه عندما يعلم أنه مصدر حياة أسرة بأكملها.


فى قرية أخناواى بطنطا، نشأ سعد على يد المعلم محمد صاحب ورشة الخراطة، الذى علمه أصول المهنة، ولم يبخل عليه بكلمة واحدة، لأنه يعلم جيدًا العبء الذى يتكاثر على كتفه الصغير.. يلقنه «المعلم» تعليمات المهنة بالهدوء والحكمة تارة، وتارة أخرى بالشدة وأحيانًا تصل إلى الصفعات.


وحقيقة لم يعرف سعد أن يكره المعلم محمد، على غير عادة الصغار الذين يكرهون معلميهم عندما يظهرون لهم العين الحمراء، وسنة تلو الأخرى تعلم صاحب العشر سنوات الكثير من تفاصيل تلك المهنة الشاقة، ونجح فى استخدام العديد من الآلات ببراعة، بداية من ماكينة «الخرّاطة» التى يحيطها خطورة بالغة، فالخطأ الأول ليس له ثان، مرورًا بالإزميل وماكينة الكشط، حتى ماكينات التقسيم والتخريش.


تُشرق شمس سعد كل يوم فى السادسة صباحًا عندما يستيقظ من نومه على صوت أصابع أمه التى تدغدغ وجنتيه فى رقه، لتخطفه من حلم طويل، يعيش فيه حياة يتمناها كل لحظة، ليفتح عينيها على واقع وُلد عليه ولم يجد مفرا من تكبد عنائه.


يغسل وجهه بالمياه، ويسرع لارتداء ملابس الورشة التى يغطيها طبقة من الشحوم.. يطمئن على وجود جنيهين فى جيبه، ليشترى رغيفين وطعميتين فى طريقه إلى الورشة،  ويأكلهمها أثناء انتظاره «المعلم» أمام أبواب الورشة الحديدية.


الدقائق التى تسبق قدوم المعلم محمد يعدها سعد أسعد لحظات حياته، لأنها تشبه استراحة محارب مؤقتة يليها حرب مستمرة من العمل والوقوف على أصابع القدمين طوال اليوم.