الدير المحرق «جامع» المسلمين والمسيحيين فى الصعيد

الدير المحرق
الدير المحرق

أسيوط: محمد خضير

فى هذه الأيام نحتفل بأحد الأعياد الخاصة بالسيدة مريم العذراء، حيث تنقسم أعياد العذراء إلى ثلاثة أقسام، الأعياد المريمية الكبرى وتحتفل بها جميع الكنائس فى العالم، والأعياد المرتبطة بمراحل من حياتها.
وثالثاً الأعياد الخاصة بذكرى ظهورها أو طلب شفاعتها لبلد أو منطقة وتتميز بكونها محصورة فى البلد والمنطقة وأحيانًا بالطائفة الخاصة بذلك أو الكنيسة المُشيدة على اسمها، كما أن اختلاف التقويم أدى لاختلاف الاحتفال بعيد ميلاد السيدة العذراء، فالكنيسة الكاثوليكية تحتفل به 8 سبتمبر، بينما تحتفل الكنيسة القبطية به وفق التقويم القبطى أول شهر بشنس الموافق 9 مايو، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بـ9 أعياد للسيدة العذراء.. ونحن الآن بصدد الاحتفال بعيد البشارة بميلادها، وهو يوم 7 مسرى، الموافق 13 أغسطس، حيث بشر ملاك الرب أباها يواقيم بميلادها.

«يا زيارة العدرا يا أحلى زيارة.. بعودة يا أم النور يا مباركة لكل النصارى.. طايرة فى العالى يا حمامة العدرا.. طايرة فى العالى يا أم النور نندهلك تعالى».. بقلوب صافية آمنة مطمئنة يُردد المسيحيون تلك الكلمات فى حب زيارة السيدة مريم بالدير المحرق بأسيوط.
المئات من المسيحيين والمسلمين يقصدون الدير يوميًا للتبرك والدعاء، حاملين الشموع والنذور لتحقيق المطالب والأمنيات، هنا فى رحاب السيدة العذراء بالدير المحرق، الذى باركته العائلة المقدسة قبل 2000 عام، تشع أنوار السلام والمحبة لكل العالم. 
يقع الدير المحرق فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام ويبعد نحو ١٢ كم غرب مركز القوصية بمحافظة أسيوط، والذى يبعد ٣٢٧ كم جنوبى القاهرة، وعلى بعد 48 كم شمالى محافظة أسيوط . 
ترجع شهرة الدير المحرق إلى أنه كان منطقة لتجميع الحشائش والنباتات الضارة وحرقها، ولذلك دعيت بالمنطقة المحروقة أو المحترقة، ومع مرور الوقت استقر لقب الدير بالمحرق، كما أشتهر بدير جبل قسقام، وقسقام اسم قديم منذ عصر الفراعنة وهو يتكون من مقطعين، هما (قُس) وهى اسم مدينة اندثرت كانت عاصمة الولاية الرابعة عشرة من الولايات الـ 22 التى كان مقسما بها صعيد مصر ولم يبق منها حاليا إلا البربا (المعبد) ومعناها الدينى المكان العلوي، ومعناها المدنى تكفين أو تحنيط جثة الميت ولفها بالكتان لتحضيرها للدفن، و(قام) اسم كانت تختص به المنطقة التى تقع غرب الولاية الرابعة عشرة ومعناها الدينى اللانهاية، إلى الأبد، ومعناها المدنى كما يقول المؤرخ أبو المكارم مكفن بالحلفاء للصعاليك (فقراء).. وحسب التقليد القبطى المتوارث؛ هو المحطة الأخيرة فى رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر، وتحتفل الكنيسة بتذكار تكريس كنيسة العذراء الأثرية فى يوم 6 هاتور من الشهر القبطي.
كنيسة العذراء
بناؤها المعمارى بسيط، وغير متكلف فهو من الطوب اللبن والحوائط غير المنتظمة، بلا أية نقوش زخرفية عتيقة أو رسومات قبطية مرسومة على حوائطها.
الكنيسة كما يشهد التقليد والتاريخ هى البيت المهجور الذى عاشت فيه العائلة المقدسة وبقى على مساحته كما هو حتى القرن 19، وعندما تحول البيت فى العصر المسيحى المبكر إلى كنيسة تم عمل التقاسيم والحواجز المناسبة لطقس الكنيسة، فتم عمل حضن الآب فى شرقية الهيكل، كما أنشئت حجرتان على جانبى الهيكل، واستخدمت الحجرة اليسرى لملابس الكهنة، وهى لذلك بدون باب يفتح على صحن الكنيسة، والحجرة اليمنى لخدمة الشمامسة وبها حفرة فى الأرض أسفل الحائط الشرقى مباشرة لتفريغ الشورية بعد انتهاء الصلاة، وأهم ما فى الهيكل المذبح الحجرى، الذى جلس عليه السيد المسيح وهو طفل، وباركه بيمينه الإلهية ليدوم مدى الأزمان والأجيال.
للمذبح قصة ذكرها المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس نقلاً عن بعض الشيوخ من رهبان الدير (فى الستينيات من القرن العشرين) أن أحد رؤساء الدير فى القرن العشرين رأى أن المذبح صغير ولا يتسع للذبيحة المقدسة وأوانيها، فحاول إزالة المذبح ليقيم مذبحاً آخر أكبر حجماً، فالراهب الذى تناول الفأس إطاعة لأمر الرئيس، شلت يده عندما ضرب أول ضربة، فصرخ وامتنع عن مواصلة العمل ولم تعد يده إلى الحركة إلا بعد استرحام وصلوات ودهنها بالزيت المقدس. 
ولهذا اهتم المتنيح الأنبا ساويرس أسقف ورئيس دير المحرق بالحفاظ على الوضع الأصيل والأثرى لهذا المذبح، حيث لا يوضع على المذبح إلا الأوانى المقدسة الخاصة لخدمة القداس الإلهى، أما الشمعدانات فتُوضَع فوق الأرضية حول المذبح.
يرجع تاريخ الحصن القديم إلى نهايات القرن السادس وبدايات السابع الميلادى، وهو من أصغر الحصون الموجودة فى الأديرة العامرة حاليا والحصون عموماً، والتى بنيت لحماية الرهبان، أما كنيسة الحصن فلها مذبح واحد.
أما كنيسة مارجرجس فقد أنشأها القمص عبد الملاك الأسيوطى رئيس الدير فى أواخر القرن 18 الميلادى بإمكانيات بسيطة، وفى سنة 1878م ــ 1594 ش ـ بدأ القمص ميخائيل الأبوتيجى رئيس الدير فى إنشاء كنيسة جديدة باسم السيدة العذراء، على أنقاض كنيسة مارجرجس، وانتهى منها فى 1880، وأطلق على المذبح البحرى اسم يوحنا المعمدان وعلى المذبح القبلى مارجرجس، على أساس أن المذبح الأوسط هو بالاسم الجديد للكنيسة وهو اسم السيدة العذراء.
وهناك كنائس قديمة ليست موجودة الآن، منها كنيسة القديس يوحنا المعمدان وكانت مخصصة للرهبان الأحباش، وأقدم خبر عنها يرجع إلى منتصف القرن 17 الميلادي، وكانت بجوار الكنيسة الأثرية من الجهة البحرية ثم أزيلت فى القرن 19 الميلادى وأنشئ مكانها الصالة الخارجية للكنيسة الأثرية والغرف الملحقة ولم يبق منها إلى اليوم إلا المذبح الحجرى وبعض الأيقونات، وكنيسة القديسين بطرس وبولس وكانت للرهبان الأحباش، وأنشئت على سطح الصالة الخارجية للكنيسة الأثرية فى القرن التاسع عشر ولكنها أزيلت فى الثلاثينيات من القرن 20 الميلادى.
وعندما اعتلى البابا شنودة الثالث الكرسى البطريركى اهتم بالكلية الإكليريكية فرأى أن يُنْقَل القسم المتوسط الموجود بالقاهرة إلى الدير المحرق، وكان أنسب مكان لها هو مدرسة الرهبان.
وفيها أيضاً معهد المرتلين الذى أنشئ فى أواخر السبعينيات لتخريج مرتلى الكنيسة المتخصصين فى ممارسة طقس الكنيسة والدراسة لاهوتية حيث يدرس كل التسابيح والألحان الكنسية كمادة أساسية إلى جانب المزامير والكتاب المقدس عهد قديم وجديد ولغة قبطية، ومدة الدراسة فى المعهد خمس سنوات.