عددها 144 فى نطاق 16 محافظة

«جزر النيل» .. تنبض بالجمال

جزر النيل محطات للطيور المهاجرة
جزر النيل محطات للطيور المهاجرة

ندى البدوى

بامتداد طول شريان الحياة داخل الأراضى المصرية، تنتشر عشرات الجزر النيلية التى تحظى بخصوصية كبيرة بوجودها فى قلب نهر النيل، فبخلاف الجزر ذات الكثافة السكانية العالية، تُمثل محميات جزر نهر النيل أهمية اقتصادية وبيئية كبيرة بما تحويه من موارد طبيعية وقيم جمالية، يعزز من أهميتها وقوعها فى مسار هجرة الطيور المائية، حيث تعد الأراضى الرطبة واحدة من أهم البيئات الجاذبة والملائمة للطيور المهاجرة، التى تعبر الملايين منها مصر خلال مواسم هجرتها السنوية، ما يُعظّم من فرص تنمية السياحة البيئية ومشاهدة الطيور.
 

تنتشر جزر نهر النيل التى يبلغ عددها 144 جزيرة فى نطاق 16 محافظة، منها محافظات أسوان والأقصر وقنا وسوهاج والمنيا والقاهرة والجيزة فضلاً عن محافظات الدلتا، وتتفاوت الجزر التى تتجاوز مساحتها الإجمالية 37 ألف فدان، وفقًا لطبيعتها ونوعية الأنشطة السكانية التى تضمها، إلا أن أغلب مساحات هذه الجزر تمتاز بزراعة مختلف المحاصيل لجودة أراضيها، فضلاً عن تفردها بالعديد من أصناف النباتات الطبيعية والأعشاب البرية، خاصة فى الجزر النيلية التابعة لمحافظات الصعيد على رأسها محمية سالوجا وغزال بمحافظة أسوان.


ويوضح الدكتور محمد سالم رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة أن محميات جزر نهر النيل لها أهمية بيئية كبيرة، لكن طبيعة الجزر فى بعض المناطق تغيّرت على مدار سنوات، نظرًا للتوسع السكانى والعمرانى فى بعض الجزر المأهولة بمحافظات القاهرة والجيزة، التى تختلف بشكل كبير فى طبيعتها عن الجزر النيلية الواقعة فى جنوب مصر، ما استلزم إعادة تقييم الوضع البيئى ومراجعة الموارد ببعض الجزر، عن طريق لجنة من العلماء فى مختلف المجالات البيئية، حيث اتضح أن الأنشطة البشرية فى بعضها لا تتفق وطبيعة المقصود بالمحميات الطبيعية، تضمنت 18 جزيرة منها جزيرة القرصاية والدهب والوراق وجزيرة وردان الكبرى والصغرى، وغيرها من الجزر التى تحولت إلى مناطق إدارة بيئية. ونقوم بالتوازى بتكثيف عمليات التطوير وأعمال الرصد البيئى بالمحميات الطبيعية.


ويشير الدكتور أيمن حمادة مدير الإدارة المركزية للتنوع البيولوجى بوزارة البيئة، إلى أن بيئة نهر النيل والجزر التى يحويها خاصة فى مناطق جنوب مصر، تمثل محطات هامة لتوفير الغذاء والمأوى للطيور المُهاجرة أثناء رحلتها، فسنويًا تعبر مصر ملايين الطيور خلال موسمى الهجرة، ويبدأ أولهما فى فصل الشتاء حيث تأتى الطيور قادمة من شمال ووسط وشرق أوروبا وغرب آسيا، حتى تصل مصر من البوابة الشرقية فى شبه جزيرة سيناء، لتتخذ مسارات متعددة حتى تكمل رحلتها إلى جنوب أفريقيا، وفى موسم الربيع تبدأ رحلة عودة الطيور من أفريقيا إلى أوروبا عبر المسارات ذاتها.


يلفت إلى أن هناك مايزيد عن 255 نوعًا من الطيور المائية المُهاجرة، من أهمها طيور الفلامنجو والنوارس والبشاروش والخطاطيف والبلاشونات، هذه الطيور ترتبط بشكل كبير بالمياه لاستكمال دورة حياتها البيولوجية، لذا يعد نهر النيل من مناطق الجذب الهامة لها، ويدخل ضمن تصنيف الأراضى الرطبة التى تغمرها المياه. وهناك العديد من البرامج التى ننفذها لصون وحماية ورصد الطيور المهاجرة، فمصر ملتزمة بحماية هذه الطيور بموجب التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، من بينها اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجى واتفاقية «الأيوا» لحماية الطيور المائية الأفريقية الأوروأسيوية المهاجرة.
ويوضح الدكتور إكرامى الأباصيرى مدير عام محميات المنطقة الجنوبية، أن تميّز التنوع البيولوجى الذى تحويه جزر نهر النيل يرجع إلى طبيعتها الخصبة والرطبة، ومن أهم الجزر ذات القيمة الإيكولوجية محمية جزر الشلال الأول ــ سالوجا وغزال بأسوان، وجزر الكُبّانية وبلولة والحردياب وجزيرة الزرنيخ التابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر وغيرها من جزر الجنوب، التى تمتاز بالكساء الخضرى الطبيعى الذى يزيد عن 300 نوع من النباتات والأعشاب الطبيعية، منها أنواع السنط النيلى والسدر والحلفا والعشار والسيسبان والحبق، فضلاً عن المحاصيل الزراعية المختلفة.


يتابع: هذه الجزر نُجرى لها تقييمًا بيئيًا بصفة مستمرة، مع أعمال الرصد والحماية للطيور المهاجرة التى تقع على رأس أولوياتنا، فلدينا برامج رصد دورية فى المحميات طوال العام، وخاصة خلال مواسم هجرة الطيور، حيث تقوم محميات المنطقة الجنوبية سنويًا بتنفيذ برنامج العد الشتوى للطيور المائية فى مجرى نهر النيل، ما بين السد العالى وخزان أسوان ومن خزان أسوان حتى مدينة كوم امبو لحصر أنواعها وأعدادها. كما نقوم بحملات توعوية للسكان المحليين للجزر، لتوعيتهم بأهمية الحفاظ على البيئة بعدم استخدام المبيدات الزراعية، والحفاظ على الأشجار والكساء الخضرى الموجود، لكون هذه البيئة ملائمة لجذب الطيور التى يتحول بعضها إلى طيور مقيمة. فضلاً عن رصدنا للمشكلات البيئية التى نسعى لمعالجتها وإيجاد حلول لها. 
ويشير الأباصيرى إلى أن محمية سالوجا وغزال أو جزر الشلال الأول، تعد من أجمل جزر نهر النيل على الإطلاق، رغم أنها المحمية الأصغر فى مصر حيث لا تزيد مساحتها عن نصف كيلومتر ما يعادل 55 فدانا، وسُميت بذلك لطبيعة حركة المياه والدوامات التى تُحدثها التيارات مع الصخور، فكلمة «سالوجا» باللغة النوبية تعنى «صخب المياه»، أما «غزال» فهو نوع من النباتات الطبية الذى كان موجودًا فى المحمية منذ فترة طويلة. حيث تضم المحمية تنوعًا نباتيًا كبيرًا، فهى الوحيدة التى تضم خمسة أنواع من أشجار السنط النيلى التى يُستخرج منها الصمغ العربي، وتشتهر بشجرة «لوزينيا» التى سُميت بشجرة «الست المستحية» لانكماش أوراقها عند لمسها.


مضيفًا: تستقبل المحمية الزوار بشكل مستمر، ونعمل حاليًا على تطويرها وتعظيم الأنشطة السياحية المتوافقة بيئيًا، وجارٍ العمل على الانتهاء من مركز الزوار الذى أقمناه بمنحة تقدمت بها عائلة أحد الأمراء اليابانيين بعد وفاته، الذى كان يأتى بصفة مستمرة للمحمية خلال موسم هجرة الطيور. كما خصصنا مناطق لإتاحة التخييم فى المحمية بأعداد محدودة، وأتحنا الفرصة لإقامة أنشطة اليوجا والتأمل، مع زيادة الرحلات التى تهتم بإقامة هذا النوع من الأنشطة، نظرًا للمقومات الجمالية التى تساعد على الاسترخاء والسكون الذى تتمتع بها المحمية، فلا يُسمع فيها غير خرير المياه وأصوات الطيور. وبصفة عامة تساهم الطبيعة الخلابة للجزر فى جعلها مناطق للجذب السياحي، مع زيادة الإقبال على أنشطة السياحة البيئية ومراقبة الطيور، مع إتاحة الإقامة فى بيوت الضيافة فى الجزر المأهولة بالسكان، التى يُقبل عليها الأجانب لاختبار تجربة الحياة التقليدية فى هذه المناطق.