«الإفتاء» عن حكم المصافحة بين المصلين: مشروعة ومستحبّة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: ما حكم المصافحة بعد الصلاة مباشرة؟، وقول المصلي للمصلي الذي بجواره: «حَرَمًا»، أو «تَقَبَّلَ اللهُ»؟ وجزاكم الله خيرًا.

وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن المصافحةُ عقبَ الصَّلاةِ من محاسنِ العاداتِ التي درجَ عليها المسلمونَ في كثيرٍ من الأعصارِ والأمصارِ، وهي من السُّلوكياتِ الحسنةِ التي تبعث الأُلْفَة بين الناس، وتقوِّي أواصر المودة بينهم، كما أنَّها ترجمةٌ عمليَّةٌ للتسليم من الصَّلاة، ومن مقاصد الشَّريعة الإسلاميَّة أن تُتَرجم العبادة إلى سلوك وممارسة وحسن معاملة.

وأشار «علام» إلى أن هذه المصافَحة دائرة بين الإباحة والاستحباب، وقد نصَّ جماعة من العلماء على استحبابِها؛ مستشهدين بما رواه الإمام البخـاري في «صحيحه» عن أَبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنـه قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ».

قَالَ أبو جحيفة: «فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ».

وقال الإمام المحبُّ الطَّبري الشافعي (ت694هـ): «ويُسْتَأْنَسُ بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات، لا سيَّما في العصر والمغرب، إذا اقترن به قصدٌ صالحٌ؛ من تبركٍ أو تودُّدٍ أو نحوه». 

واختار الإمام النووي أنَّ مصافحة من كان معه قبل الصلاة مباحة، ومصافحة من لم يكن معه قبل الصلاة سُنَّة» اهـ.

وقال أيضًا في «الأذكار» (ص: 266، ط. دار الفكر): «وأعلم أنَّ هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاءٍ، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر: فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سُنَّةٌ، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخْرِجُ ذلك البعضَ عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها» .

وأوضح مفتي الجمهورية أن الإمام العز بن عبدالسلام نقل أن المصافحة عَقِيبَ الصبح والعصر من البدع المباحة.

وأما قول بعض العلماء بكراهتها فقد عللوه بأنَّ المواظبة عليها قد تُؤَدِّي بالجاهل إلى اعتقاد أنها من تمام الصلاة أو سننها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومفهوم هذا التعليل: أنه إذا لم يعتقد الناس ذلك فلا كراهةٍ، والقائلون بالكراهة قد نصَّوا على استحباب المصافحة عقب الصلاة إذا مدَّ المصلي يده؛ لِمَا يترتب على الامتناع عن المصافحة من الأذى وكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم، والخروج عن حد اللِّياقة والذَّوق، واستجلاب العداوة والبغضاء، ودفعُ ذلك كلِّه مقدَّمٌ على مراعاة الأدب بتجنب الشيء المكروه عندهم؛ إذ من المقرر شرعًا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

واختتم مفتي الجمهورية فتواه بأن المصافحة بين المصلِّين عقب الصلاة مشروعة مستحبَّة؛ لِمَا فيها من استجابة الدعاء، ولِمَا تثمره من تقوية أواصر الأخوة والمودة والألفة بين المصلين.

كما أنه يشرع دعاء المصلين لبعضهم عقب الفراغ من الصلاة بما تيسر من عبارات الدعاء؛ مثل: «تقبَّل الله»، أو «حرمًا» و«جمعًا»، أو غير ذلك، ولا يجوز إنكاره شرعًا؛ لأن الدعاء مشروع بأصله، وإيقاعه عقب الصلاة آكد مشروعيةً وأشدُّ استحبابًا، فإذا كان من المسلم لأخيه فهو أدعى للقبول، وبذلك جرت سُنّةُ المسلمين سلفًا وخلفًا، وإنكارُ ذلك أو تبديعُ فاعله ضربٌ من التشدد والتنطع الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.