مصر الجديدة:

الكتابة عن الإبداع الردىء

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

تنقسم الكتب إلى نوعين. الأول يمكن أن يوضع تحت عنوان عام وهو الكتب الفكرية. الثانى تحت عنوان عام أيضا هو الإبداع. النوع الأول يشمل كتب الفكر والعلم والتاريخ والسياسة والنقد إلخ . الثانى يشمل القصة القصيرة والرواية والشعر بنوعيه عامى وفصيح والمسرح. الرأى فى الكتب الفكرية الجيدة والرديئة هام جدا، بل وبه تتقدم الحياة أكثر وتنفتح أبواب المعرفة للقارئ . إذا وجد الباحث قصورا وأخطاء فى هذه الكتب وقام بتصحيحها فهذا عمل رائع، وإذا استطاع أحد أن يصل إلى خزائن الأسرارالمحجوبة لتصحيح كثير من المعارف الشائعة عن القادة والسياسيين، فهذا رائع جدا ما دامت هذه الخزائن معتمدة، ولن يضر أحدا، بل ينهى نقاشا لا طائل منه. ناهيك طبعا عن أهمية اختلاف وجهات النظر فى مناهج البحث ومن ثم نتائجه. المشكلة فى الإبداع . للإبداع تاريخ من التطور فى الكتابة. لقد مرّ على مدارس أدبية عظيمة، وكلها انتقدت بعضها، لكن فى النهاية كلها جاءت من رحم بعضها، مع استفادة من متغيرات العصر. ففى الأدب كما أقول دائما لايوجد نفي، لكن يوجد نَسْخ . المدرسة الرومانتيكية مثلا التى حررت المسرح من الكتابة التقليدية ووحداتها الثلاث عن المكان والزمان والحدث، وقدمت لغة مختلفة محملة بالعواطف فى الرواية، لم تجعل أحدا يتوقف عن قراءة أو إخراج المسرحيات والروايات الكلاسيكية. لم ينفِ فيكتور هوجو من قبله من مسرحيين كلاسيكيين. لماذا ؟ لأن كلا منهم قدم فنا مكتمل الصدق، وإن اختلفت طريقة التناول. لم تنفِ الرواية الرومانتيكية الروايات الواقعية، ولم تنفِ رواية اللاشعور الرواية الرومانتيكية، ولم تنفِ الرواية العجائبية أيا مما قبلها، وهكذا فى كل المذاهب. لماذا يعيش الجميع؟ لأن العمل الأدبى مكتملة عناصره التى على رأسها الصدق الفنى فى تقديم الشخصيات. للإبداع ثوابت عابرة للزمان، وعلى رأسها استخدام الشكل الفنى للتعبير عن الموضوع، وتحويل الفكر الذى يملكه الكاتب إلى مواقف تتسق مع الشخصية وثقافتها ومكانها وزمانها. ظهور المؤلف وابداء رأيه وتحميل الشخصيات أكثر من عقلها، أمر يخرج بالإبداع عن مجاله، إلى دنيا المقالات السطحية. هذه ليست مسألة سهلة والوقوع فيها يجعل من الكتابة عملية سهلة لا قيمة لها. من هنا أعود إلى موضوعي، وهو هل هناك معنى وجدوى للكتابة عن الردىء من الإبداع؟ بشكل حاسم أقول لا. الناقد الجيد لا يضيع وقته فى الكتابة عن عمل ردىء كما قال لى يوما الدكتور على الراعي. هذا صحيح فما أسهل الكتابة عن الأعمال الرديئة قصة أو رواية أو شعرا.  كل عيوب الكتابة الواضحة، من سرد مباشر، وأفكار مباشرة، وشخصيات تتحدث بلغة لا تناسب وضعها الثقافى والاجتماعى، وسرد حكائى بلا بناء فنى، وشرح وتفسير ممل لأسباب سلوك الشخصية، فضلا عن لغة القص التى لا تتغير، أو يتغير إحساس القارئ بها وفقا لتغير الشخصيات، وكيف تتحول الرواية إلى كتاب تنمية بشرية - سامحونى على التعبير-  وتكون النتيجة عكس ما تصور الناقد، إذ سيعرف الناس العمل وقد يقبل بعضهم عليه أكثر فالقراء أنواع . الدروس الفنية يستخرجها الناقد من الأعمال الجميلة، بل ومنها تأتى ملامح كل المذاهب الفنية بعد ذلك. من السهل استخراج عيوب الأعمال التافهة، لكن الأهم استخراج مميزات الأعمال الجيدة، فمنها وبها تتقدم الكتابة. فضلا عن أن الكتابة عن عمل تافه يحمّل الناقد عبء قراءة، ووقتا مهدرا يمكن أن ينفقه فى قراءة أعمال جميلة. قد لا تخلو الأعمال الجميلة من عيوب، لكن الأعمال الرديئة تخلو من كل ميزة، فالبعد عنها أفضل.