من دفتر الأحوال

مرض نهب المال

جمال فهمى
جمال فهمى

للأديب الفرنسى ذائع الصيت إميل زولا (1840 - 1902) رواية بالغة الأهمية نبه فيها البشرية مبكرا جدا (قبل أكثر من مائة عام) إلى خطورة تطور وتفاقم النظام الرأسمالى خصوصا فى مرحلته المالية ذات السمة التى يغلب عليها أنشطة السمسرة والمضاربات وتحول الثراء الفاحش المتحقق منها مجرد أرقام تتضخم على شاشات الكمبيوتر كل بضع دقائق، من دون أن يقابلها أى إنتاج سلعى أو خدمات لها قيمة، وإنما تتضخم كروش قلة قليلة من الناس فيما تغرق كتل ضخمة من البشر فى مستنقعات بؤس شامل.
 أما رواية «زولا» فقد كتبها ونشرها فى العام 1871 تحت اسم «المال»، وقد استوحاها ـ كعادته ـ من حادثتين حقيقيتين جرت وقائعهما فى زمن معاصر لكتابة الرواية، وتابعت أخبارهما الصحف الفرنسية آنذاك بكثافة شديدة.
 بطل رواية «المال» سمسار شاب معدوم الضمير يمارس المضاربة فى البورصة يدعى ساكار وهو شقيق لوزير قوى فى الحكومة، لكن ساكار فى بداية الرواية يبدو مفلسا يحاول النهوض من عثرته بمساعدة من شقيق حبيبته المدعو هاملين، وتنفيذا لنصيحة هذا الأخير يدخل بطلنا فى عملية مضاربة ضخمة وعملاقة تتعلق بشراء أسهم أحد البنوك، وفى البداية يبدو الحظ وقد حالفه فى هذه العملية إذ سرعان ما تتصاعد أسعار أسهم البنك ويحقق ساكار أرباحا هائلة، غير أننا نعرف أن الحظ ليس هو العامل الحاسم فى نجاح عملية المضاربة هذه، وإنما واقعة فساد واضحة تمثلت فى معلومة مهمة حصل عليها ساكار من شخصية سياسية متنفذة قبل أن يشترى الأسهم خلاصتها أن اتفاق هدنة بين النمسا وبروسيا على وشك الحدوث، وبالفعل ما أن أتم صفقة شراء أسهم البنك التى كانت هبطت بشدة بسبب الحرب بين الدولتين، حتى انعقدت الهدنة ومن ثم قفزت أسعار الأسهم قفز ات ضخمة وقياسية على نحو لم يتوقعه أى من المضاربين الآخرين. 
لكننا نعرف كما كان يعرف «إميل زولا»، أن سوق هذا النوع من النشاط لا يحتله بطل الرواية وحده ولكن هناك آخرين بعضهم غيلان كبار وعمالقة، واحد من هؤلاء يظهر لساكار فجأة فى سياق الأحداث.. أنه السمسار اليهودى المتخم بالثروة «جودرمان» الذى يبدى كراهية شديدة لساكار ويريد أن يفسد عليه الصفقة، وبسرعة ندرك ونحن نلتهم صفحات الرواية أن جودرمان ليس وحده من يريد الإيقاع بصاحبنا الشاب، وإنما هناك أيضا النائب العام المدعو «دلكمبر» الذى يمارس هو الآخر نشاط السمسرة فى البورصة ويضمر قدرا كبيرا جدا من العداء والحقد لساكار لأن هذا الأخير انتزع منه عشيقته.
إذن فقد وقع بطل رواية المال بين المطرقة والسندان، ولسوء الحظ فإن دخول المدعى العام دلكمبر على الخط  محاولة الإيقاع بساكار، تزامن مع ارتقائه منصب وزير العدل، فزادت على نحو مخيف قدرته على إلحاق أشد الأذى بالسمسار الشاب الذى بدا مستهينا بقدرات المتربصين بهم ويسبح فى وهم لذيذ أنه صار ثريا بما يكفى لصد أى أذى.. لكن سرعان ما تهبط الكارثة على رأسه إذ ينكشف فساد عملية بيع أسهم البنك وكيف أن ارتفاع أسعارها كان أمرا مدبرا.
وبعد محاولات للهرب من المصير الحتمى وفيما يتصارع نفوذ الوزير شقيق ساكار مع نفوذ غريمه وزير العدل السمسار، يدخل بطلنا السجن وتنتهى الرواية بمشهد يظهر فيه قابعا فى الزنزانة يخطط كيف سيمارس لعبة السمسرة من جديد، ليس ليستعيد الثروة الحرام التى فقدها فقط، لكن وأساسا لكى يلبى نهمه واحتياجه المَرضى للمضاربة.