باحث سياسي: الإقليم يحتاج «ربع قرن» لاستعادة استقراره من تبعات الربيع العربي

محمود محيى الدين خلال حواره مع «الأخبار»
محمود محيى الدين خلال حواره مع «الأخبار»

- «الخط‭ ‬الأحمر»‭ ‬أنقذ تونس ‬من‭ ‬توغل‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإرهابية‭ ‬فى‭ ‬أراضيها

- الحالة المصرية ستُدرَّس.. ولا تشابه نهائيًا بين الأوضاع فى تونس ومصر

- الجماعة الإرهابية لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية.. والتنظيم غير قادر على اكتساب أراض جديدة 

- ما يحدث في تونس الآن.. «تصحيح  للمسار» 

- الأوطان لا تبنى بالهدم .. ولكن بالاستقرار والتنمية والإصلاح

تقلبات عديدة يشهدها الإقليم والمنطقة بأكملها ما بين صراعات داخلية فى عدد من الدول، ومناوشات بين دول وأخرى، مما يجعل الأوضاع تزداد تعقيدًا وتأزمًا يومًا بعد الآخر، ولعل ما تشهده تونس من تطورات فى الفترة الأخيرة..

وصفها البعض بأنها تصحيح للمسار ، خير شاهد على ما آلت إليه الأوضاع فيما يسمى بتبعات ثورات الربيع العربي،ورغم كل تلك التقلبات تلعب الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى دورًا مؤثرًا فى عودة الاستقرار للإقليم الملتهب..

تساؤلات عديدة طرحتها جريدة «الأخبار» حول ما يشهده الإقليم من تطورات ومتى يمكن أن يستعيد استقراره ،وكيف يمكن القضاء على الجماعة الإرهابية،وذلك خلال حوارها مع الباحث السياسى فى الأمن الإقليمى العميد محمود محيى الدين نستعرضها فى السطور التالية:

- فى البداية .. كيف يمكن أن نصف إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية ؟

الإقليم فى هذه المرحلة يمر بمرحلة تحول كبيرة للغاية، هذه المرحلة يتمنى فيها رجل الشارع العادى أن يحدث استقرارًا بين عشية وضحاها،ولكن الواقع العملى والتجربة على أرض الواقع تؤكد أن استقرار هذا الإقليم يحتاج لما يقرب من ربع قرن اعتبارًا مما يسمى بثورات الربيع العربي، أى قد مر عشر سنوات، ومن ثم يتبقى فى تقديرى ما يقرب من خمسة عشر عامًا كى يستقر الإقليم والمنطقة من تبعات هذا التحول، الذى كان يمكن أن يكون هادئًا وسريعًا لو حدث من داخل الأنظمة السياسية ، لكن هذا لم يحدث والدليل ما رأيناه فى ثورات عدد من الدول التى كانت دموية وحملت تبعات أكثر تعقيدًا.

- هل وجود الجماعة الإرهابية فى النظم السياسية أمرً طبيعى؟

إذا نظرنا لمصر ، فتجد أن نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك خان الدستور،وذلك لأنه سمح للجماعة الإرهابية أن تلعب دور المعارضة السياسية ، فى حين أن الرئيس السادات لم يتسامح فى هذا مطلقًا، وكذلك الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن الرئيس الأسبق مبارك مع طول المدة التى قضاها فى الحكم ، وكذلك السياسيون فى نظامه الذين لم يتغيروا طوال هذه المدة سمحوا للإخوان بالتواجد، وهذا لم يكن صحيحًا لأن تواجدهم غير شرعى على الإطلاق، ومن ثم عندما تولت تلك الجماعة مقاليد الأمور ، تولت بنفس الأفكار القمعية التى تعودوا عليها خلال نظام مبارك منها تزييف الحقائق، وأرادوا تحويل الدولة لميليشيات ، والتعامل مع الأنظمة المشابهة لأفكارهم، كما تم السماح لشخصيات غير مؤهلة باعتلاء منبر الأزهر الشريف، وما أدراك ما هو منبر الأزهر الشريف وتأثيره على العالم الإسلامي.

- ولكن الأوضاع فى مصر حاليًا تختلف كثيرًا عن كثير من الدول فى الإقليم؟

هناك مثلث يتكون من ثلاثة أضلاع فى مصر وهو الشعب وأرض يعيش عليها وقوة مركزية تحمى الشعب، ثم تأتى بعد ذلك فكرة الدستور، والقوات المسلحة تنحاز دائمًا للشعب، فهى جزء من الشعب،ومصر دولة مركزية قوية شعبها يتسم بالاستقرار منذ ما يزيد على سبعة آلاف سنة ،والقوات المسلحة مقصدها الأساسى حماية كيان الدولة المصرية،وعندما تحدث أزمة فى الكيان المدنى للدولة تجد القوات المسلحة تشارك بإمكاناتها الكبيرة،والأمثلة على ذلك عديدة وعديدة،وهو ما يدفع مصر نحو الاستقرار.

 تصحيح مسار 

- كيف ترى الأوضاع التى تشهدها تونس فى هذه المرحلة المهمة من تاريخها؟

ما يحدث فى تونس خلال تلك المرحلة المهمة فى تاريخها يعد تصحيحًا للمسار، فالأزمة فى تونس أزمة دستورية،وهذا الأمر نابع من أن الجماعة الإرهابية تسيطر على 40% من البرلمان التونسى ، وكانت تسيطر على مقدرات تونس بالكامل ،ومن ثم أصبحت قوة معطلة لقرارات الدولة، وهذا يتنافى مع طبيعة الشعب التونسى الذى يعد من أكثر الدول العربية المتقدمة فكريًا لما يشهده من تنوع فكرى يضم مختلف التيارات الفكرية،وما قام به الرئيس التونسى قيس سعيد كان صحيحًا وإيجابيًا للغاية ، خاصة انه لم يحل البرلمان وإنما جمده كى يستطيع محاسبة من أضروا بالدولة،وما حدث فى تونس يعد فى صالح الديمقراطية لأنه تصحيح للمسار،والجماعة الإرهابية هناك ستدرس رد فعلها جيدًا ولن تلجأ لحمل السلاح كى لا تكرر نفس النتيجة التى آلت إليها فى مصر.

- وماذا عن موقف مصر تجاه الأوضاع فى تونس؟

الأمور فى تونس تشهد تطورًا كبيرًا،والدليل على ذلك إجراء مساعد وزير الخارجية الامريكى اتصالا استغرق اكثر من ساعة مع الرئيس التونسي،وهو ما يؤكد على تطورات الأمر، وتونس تعد فى نطاق الأمن القومى المباشر لمصر،ومن ثم فيوجد اهتمام مصرى بما يحدث فى الأراضى التونسية، كما أن مصر أنقذت تونس من توغل الميليشيات الإرهابية فى أراضيها،وذلك عندما وضعت ما يسمى بالخط الأحمر فى لبيبا، فلولا هذا الخط الذى أفاد تونس الآن لكانت الأوضاع فى الأراضى التونسية أخذت منحى آخر، كما أن هناك توافقًا مصريًا-جزائريًا على فرض حالة الاستقرار فى كل من ليبيا وتونس ،وهذا ما جسدته زيارة وزير الخارجية الجزائرى الأخيرة لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي،حيث شهدت تلك الزيارة توافقًا مصريًا-جزائريًا فيما يحدث فى كل من ليبيا وتونس، خاصة أننا بصدد إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى ليبيا، ومن الوارد جدا عقد قمة رئاسية مصرية- جزائرية حال تطور الأوضاع أكثر من ذلك فى تونس.

 الحالة المصرية ستدرس 

- هل هناك تشابه بين ما يحدث فى تونس حاليا وما حدث فى مصر فى 30 يونيو؟

لا تشابه نهائيًا لأنه مهما بلغت قوة الجماعة الإرهابية فى تونس، فهى لا تمثل واحدًا من عشرة من قوتها فى مصر،لأن التنظيم فى مصر،هو من قاد أحلام الجماعة فى العالم الإسلامي، ومن ثم فالجماعة فى تونس فرع صغير،ولكن الجماعة فى مصر هى العباءة التى صدرت عنها جماعات التكفير والهجرة والجماعة الإسلامية وغيرها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية،وكذلك الإرهاب العابر للحدود،وهذا التطور فى الفكر الجهادى تم خلال خمس سنوات، كما ان الحالة المصرية ستدرس كثيرًا ،فالقوات المسلحة المصرية على العهد الأساسى ،فيما يتعلق بالعقيدة القتالية ،والحفاظ على وحدة وسلامة أراضى الدولة،وهذه العقيدة لم تحد عنها القوات المسلحة وقبلت بالتضحيات من أجل الشعب المصري.

- ما السيناريو الأقرب لاستقرار الأوضاع فى تونس؟

لكى تستقر الاوضاع فى تونس لابد أن يقر البرلمان التونسى ما طرأ من تغير سياسى فيما يتعلق باختيارات الرئيس التونسى لتشكيل الحكومة،وأن يبتعد تيار الإخوان الحالى فى البرلمان حال عودة نشاطه عن فكرة رئاسة الحكومة- وسيقبل بذلك - كما انه من المتوقع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة فى تونس يعقبها إعادة صياغة الدستور مرة أخرى،وهذه أقرب السيناريوهات المتوقعة لاستقرار تونس.

 القضاء على التنظيم 

- لماذا لا تعترف الجماعة الإرهابية بالدولة الوطنية؟

الجماعة الإرهابية لا تعترف بالدولة الوطنية، ودائما ما تتحدث عن إمامة العالم وليس الدولة، فهى ترغب فى إمامة العالم وخلق كيان روحي، كما أنها تحاول إيهام المواطنين بأنها تعمل على تحرير الأوطان،وهذا لم يحدث على الإطلاق، فمن قاد تحرير الوطن فى مصر عام 1952 كانت القوات المسلحة ودعمها الشعب ، وفى 30 يونيو تقدم الشعب المصري،وقف الجيش خلفه، فتلك الجماعة الإرهابية لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية أو الحدود ،والذى يؤكد ذلك التصريحات الرسمية الصادرة من قيادات تلك الجماعة أن المسلم الصالح فى ماليزيا أفضل من المسلم فى مصر، فهذا دليل أنها لا تؤمن بوحدة الأوطان ،كما انها طوال الوقت تتمرد على مفهوم الدولة الوطنية، وتسعى للهدم، والأوطان لا تبنى بالهدم وإنما بالإصلاح والتنمية والاستقرار.

- كيف يمكن استئصال ورم الجماعة الإرهابية من العالم العربي؟

يجب ان تعلم ان تنظيم الجماعة حاليًا غير قادر على اكتساب أراض جديدة، فهو يستنسخ من الآباء للأبناء ، كما انه اكتسب عداء الشعوب ، وهذا كفيل بالقضاء على التنظيم فى صورته الحالية ، ومن الممكن ان يحدث تطورًا فى المستقبل، ولكن لن يسمى حينها بالإسلام السياسى ،وإنما قد يسمى بالتيار القيمى الذى يمكن أن يشترك فيه الجميع بمفاهيم جديدة، بما يحافظ على ثقافة المجتمع، خاصة أن الدين ليس كل ثقافة المجتمع ،وإنما جانب من هذه الثقافة ،كما أن الدين لا يفرض بالسلاح وإنما هو علاقة بين الإنسان وربه.

 ثقل مصر الحقيقي 

- كيف ترى الدور المصرى خلال الأزمة الفلسطينية الأخيرة؟

القيادة المصرية فى الأزمة الفلسطينية الأخيرة أعادت لمصر ثقلها الحقيقي، والتدخل المصرى فى الحرب الأخيرة فى غزة كان بطوليًا على كل الأصعدة والمستويات ،خاصة ان هناك ضبطًا حدث فى المشهد الإعلامى المصرى خلال تلك الأزمة، والتضامن الشعبى مع القضية الفلسطينية كان إيجابيا، كما ان القيادة السياسية نجحت فى سحب الجانب الأمريكى للضغط على الجانب الإسرائيلى من أجل إيقاف الحرب، والرئيس الأمريكى جو بايدن أعطى توجيهات بفتح الطريق أمام مصر لحل الأزمة وهذا الامر كان إيجابيًا للغاية.

- وماذا عن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى لإعادة الإعمار فى قطاع غزة؟

هذه المبادرة هزت العالم أجمع ، وهزت أركان السياسة فى الشرق الأوسط،وأخرست كل الألسنة، كما أن الرئيس السيسى تقدم بها بواجب مسئولياته تجاه الشعب الفلسطينى ،خاصة ان مصر تمتلك من الأدوات الكثير للضغط فى صالح المواطن الفلسطينى،كما أن القوة الناعمة بدأت تجد مكانها داخل الشعب الفلسطينى ،والوجود المصرى قى قطاع غزة بات فى منتهى الأهمية.

- أخيرًا..ما الذى يجب أن يفعله الفلسطينيون أنفسهم؟

مصر استطاعت جمع فتح وحماس ووضعت جدولا زمنيًا من أجل إحداث الوفاق..ولكن أعتقد أن المسافة بين الجانبين مازالت كبيرة ولن يحدث وفاقًا بينهما قريبا،وهذا ما تتمناه إسرائيل ،خاصة أنها تراهن على عدم حدوث وفاق ،وسيكون المضار فى هذه الحالة الشعب الفلسطينى،ولكن مصر لن تصمت ويمكنها أن تجمع الجانبين وتحدث الوفاق بينهما.