رؤية

أولاد المرحوم المهندس عبدالله حسين

صبري غنيم
صبري غنيم

 ولأن المرحوم المهندس عبدالله حسين واحد من هذا الزمن الذى لن يتكرر فقد كان رحمه الله يتمتع بالخلق، وقد رحل منذ شهور تاركا سيرة نقية بيضاء، ولأن أولاده الثلاثة تربوا التربية الصح التى يفتقدها مجتمعنا الآن، راحوا يفتشون فى أوراقه عن أية التزامات عليه ليبرئوا ذمته أمام خالقه وهم يعلمون عن والدهم أنه لا ينام ليلته إلا بينه وبين خالقه عمار وليس فى رقبته دين لأحد أو التزام لم يوف به، وهذه هى شهادة حق فقد عرفت المرحوم عبد الله حسين عام 82 وكان يبنى عمارة الأشقاء فى شارع سليمان أباظة بالمهندسين احد الشوارع الرئيسية بالمهندسين، وكنت وقتها لا أملك مقدما معقولاً لهذه الشقة فسألته عن طريقة السداد لشرائها، وعندما علم بظروفى وخاصة ان الصحفى لا يملك الا راتبه، فقد قبل أن يعطينى الشقة بالتقسيط المريح، ومع ذلك لم يسقط حقى فى ملكية الأرض بل أضاف على العقد ان هذه الشقة فى التسجيل تتمتع بحصة فى الأرض، بالله عليكم هل يحدث هذا فى زمننا فى ظل غياب آبائنا جيل الثمانينيات والتسعينيات..

- ومن شهور طلبت منه تغيير عقد الشقة من اسمى الى اسم كبرى بناتي«سماح» كضمان لها لمجرد إحساسى بأننى قد دخلت مرحلة حرجة فوجدته يحدثنى عن متعة اللقاء مع الله، فكان يقول لى من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وكأنه كان يعلم بموعد رحيله، ورحل الرجل فى هدوء وبقى موضوع «سماح» معلقا فى أيدى من خلفه من أبنائه الصالحين..

- المفاجأة التى تركها لأولاده وقد ضرب الرجل -رحمه الله- المثل فى معاملة الأجير، فقد فاجأهم بانه كتب عقد تمليك لحارس العقار الذى يملكه فى شارع سليمان أباظة بالمهندسين عن المساحة التى يشغلها الحارس حاليا هو وأولاده.. شوفتم عظمة رجل من الزمن الجميل بهذا الشكل.. أن يكافئ الأجير عن خدمته له فيعطيه عقد تمليك ويساويه بأولاده فى ملكية العمارة كصاحب مساحة من الأرض..

- الشهادة لله، أن الرجل عاش سنوات عمره علاقته مع ربه لا تنقطع حتى أقام مسجدا فى عمارته وجمع حوله مجموعة من الجيران الصالحين على رأسهم العالم الدكتور حاتم الخشن أستاذ أمراض النساء، الذى كان يصلى معه الفجر ولا يتركه إلا على باب شقته حتى يطمئن عليه.

- لذلك أقول فعلا يغيب الأب عن الدنيا ويترك أولاده عنوانا له فى القيم والتربية والصلاح.. والشهادة لله فقد وجدت فى ترابط الاولاد الثلاثه وعلى رأسهم اختهم الكبيرة حنان عبدالله التى كانت مدير عام ببنك مصر الدولى قبل دمجه مع بنك «سوسيتيه جنرال» وورثت عن الأب والأم رحمهما الله الرقى والخلق، فكانت بالنسبه لأخواتها المهندس المعمارى محمد نبيل والمهندس التكنولوجى أحمد كريم الذى تعلما فى امريكا وهى الاخت والام، وبفضل عقليتها الاقتصاديه اصبح الثلاثه يمتلكون توكيلا من المانيا ليديروا اول شركة ألمانية فى مصر متخصصة فى إكسسوار الحمامات الوجهة الحضارية لأى مكان، فقد فازوا بمناقصات منها فنادق الدرجة الاولى التى انضمت اخيرا الى قائمة الفنادق العالميه فى مصر ومنها فندق الريتز كارلتون..

- أما الابن المهندس محمد نبيل، لانه مهندس معمارى متميز فقد حظى بثقه السفارة السعودية فى عهد السفير الوزير احمد قطان سفير خادم الحرمين بالقاهرة، فى الاتقان والضمير فى العمل وبراعه التركيب، حيث كان له بصمة فى عدد من المنشآت السعودية وعلى رأسها بيت السفير وقد أخذ بنصيحة والده فقام بتعليم ابنه عبدالله وشقيقته فى الخارج..

- فعلا زمن آبائنا لن يتكرر، وجيلنا فى احترامنا لابائنا لن نرى مثله، فزمان كنا نقبل اياديهم والآن تغير هذا الجيل واصبحوا يجلسون مضجعين امام ابائهم قدم فوق قدم بدون احترام، ان صورة المهندس عبدالله حسين ستظل فى مخيلتى كأب نجح فى تربيه أولاده وجمع حوله صحبة من المحترمين..
فقد أصبح الجامع الذى بناه فى عمارته يضم احدث مكتبة تجمع كتب التراث من الفكر الراقى لأولادنا شبان المنطقة الذين يترددون على الجامع للصلاة..