«الثقافة» يغلبها الشللية والمصالح المشتركة

حوار| أحمد فرحات: الجامعات المصرية تغط في نوم عميق.. والفساد مستشرى بمجمع اللغة العربية

الناقد الأدبي الدكتور أحمد فرحات الباحث الأكاديمي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة
الناقد الأدبي الدكتور أحمد فرحات الباحث الأكاديمي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة

حركة النقد المصري عاجزة عن مواكبة عجلة التطور السريعة
الثقافة يجب أن تتماشى مع متطلبات العصر وترسخ ثقافة الانتماء لا ثقافة الجمهور

الناقد الأدبي الدكتور أحمد فرحات، باحث أكاديمي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، يشغل حاليا منصب أستاذ في كلية الفارابي بجدة، مسيرته الأدبية والنقدية غنية بالمؤلفات الأكاديمية والدراسات والمقالات والمقابلات التلفزيونية، وكما أصدر عدة كتب منها: ديوان المنصفات في الشعر العربي، وكتاب الخطاب الشعري في المدينة المنورة من جزئين، وكتاب التعبير الوظيفي والإبداعي، و آخرها كان كتاب بعنوان “القصيدة المغناة في الشعر العربي” صدر عن مؤسسة الانتشار العربي. بيروت.
حاولنا التعرف من خلال محاورته على المشهد الثقافي المصري الآن، وكيف سيكون شكل الخطاب الثقافي مع الجمهورية الثانية، وغيرها من الأسئلة التي تهم الشارع الثقافي والرأي العام في هذه الآونة.
    
كيف ترى المشهد الثقافي ؟


المشهد الثقافي المصري في الوقت الراهن ملتبس من مناحي كثيرة فالجامعات المصرية الرسمية مثلا تغط في نوم عميق، تتصارع على كراس ومناصب، لا يشغلها إلا المنصب والكرسي، يضربون رقاب بعضهم دون وازع أخلاقي، يتهافتون على صغائر الأمور، لا يشغلهم الكتاب بقدر انشغالهم بما وراء الكتاب من حوافز مادية، تدنى مستواهم العلمي حتى تأخروا عن ركب التميز والتفوق، قوقعوا أنفسهم داخل برج عاجي، لم يفعلوا أي ميثاق مع المجتمع، ولم ينشغلوا بقضاياه الحقيقية، فأصبح الواحد منهم أسير المتنبي وأبي تمام والخنساء، ولم يعرفوا شيئا حقيقيا عن سلمى فايد محمد الشحات وثروت سليم وإيهاب عبد السلام وعلاء جانب وأحمد بخيت والسيد أبو ديوان .. حتى لو فاز أحدهم بجائزة عالمية في الشعر أو الرواية فلا ينشغلون إلا بذواتهم، هموم الثقافة في الواقع المعيش بعيدة عن إطار تفكيرهم، القضايا العربية الكبرى لا تشغل بالهم، يحصل المعيد على درجة الدكتوراه بعد أكثر من خمس عشرة سنة، تصرف عليه الدولة حتى سن الأربعين وإذا تخرج انشغل بنفسه، ونسي وطنه. 
أما الجامعات الخاصة فإنها تقدم على استحياء نماذج غير مرضية للمثقف المعاصر، فلا هو مشار إليه بالبنان، ولا هو مغمور قابع في مكانه ، لا يشغله إلا أن يأكل ويشرب. دوره محدود لا يقدم ولا يؤخر. 

 وماذا عن المؤسسات الثقافية ؟

المجلس الأعلى للثقافة مجرد وظيفة إدارية ينعم أصحابهم بالقليل ولا يقدمون شيئا ذا بال، مجتمع يغلبه الشللية والمصالح المشتركة، متقوقع على بعض الأشخاص دون غيرهم، ولا يمثلون إلا أنفسهم، فإذا عارضهم معارض سعوا إليه وضموه إليهم فأصبح يسبح بحمدهم, لا يرتجى من المجلس تقديم صورة حقيقية للواقع الثقافي المصري، وبالطبع والعربي. 
النقابة لعامة لاتحاد كتاب مصر خرج من عباءتها أشخاص انقلبوا عليها، وباتت بياناتهم أكثر من أفعالهم، وأغلبهم  له مصلحة خاصة, ومجمع اللغة العربية تستطيع أن تقرأ عنه في الصحف ما يجعلك تشمئز من حجم الفساد المستشري بين جنباته، يخلعون رئيسا منتخبا، ويعينون أخر، حتى أصبح الكرسي والمنصب هدفا شخصيا لا للمصلحة  العامة. 
هذ المشهد المرتبك يجعلك تقلق فعليا على مستقبل الثقافة في مصر، ويجعلك تتحسر على ما فات من مكانة مرموقة للدور الثقافي المصري عربيا وإقليميا, وارتباك المشهد لا ينتج أفرادا مبدعين، وما هي إلا جهود ذاتية يحاول البعض استثمارها، والسطو على نجاحها. 

هل الخطاب الثقافي يتماشي مع الجمهورية الثانية أم يحتاج إلى تغيير؟ 

أعتقد أن التغيير سنة كونية، نلجأ إليها كلما هبت رياح التغيير، والخطاب الثقافي المصري يحتاج إلى تغيير جذري، الوطن الآن أشد حاجة إلى تغيير نمطية الخطاب، وتقليدية التناول، عبثا نحاول أن نقرأ قصائد وطنية ذات خطاب حماسي فلا نجد إلا النزر، أو رواية تاريخية تعلي من شأن الوطن فلا نجد إلا النزر، تغيير الخطاب الثقافي أصبح حتميا لمواكبة التطور الهائل لمجريات الوطن، وما تبذله الدولة من جهود يتطلب خطابا ثقافيا واعيا يتوافق مع متطلبات العصر. فليس كل ما يقدم الآن سيئا بل يحتاج إلى إعادة توجيه نحو منجزات الوطن المتطورة بطبيعتها. 

حركة النقد كيف تراها ا لآن؟ 

من اللافت أن تتأثر حركة النقد المصري بعملية الإبداع المتوالد باستمرار، فهي حركة عاجزة عن مواكبة عجلة التطور السريعة، فأساتذة الجامعات كما ذكرت منشغولون بالأدنى، تاركين الساحة للمبدعين أنفسهم، يكتبون نقدا وشعرا ورواية حتى غدت العملية النقدية مهترئة مرتبكة قلقة، فينتج عن ذلك أنك ترى الشاعر أو الروائي ناقدا، دون امتلاك لصناعة النقد، فالنقد صناعة تتطلب احتشادا لأدوات نقدية لم تصل بعد إلى ثقافة المبدع الشاعر أو الروائي، فانثالت الدراسات النقدية على الساحة دون وعي حقيقي بأصول الصناعة النقدية. 
مما أدى إلى تحول النقد إلى هواة، لا يقدرن على مجابهة النصوص فكثر فيهم الدعي وغير المثقف، فانتشرت المجاملات، وتحكمت الشللية في الوسط، وهذا نذير خطر يداعم صناعة النقد. 

كيف ترى دور وزارة الثقافة؟ 

وزارة الثقافة المصرية هي الوزارة المسؤولة عن متابعة الأنشطة والأبنية الثقافية والمثقفين في البلد, وشخصياً، أعتقد أن الثقافة - بكل ما تحوي من تصنيفات وتقاطعات وتخصصات - هي العنصر الرئيس في أنسنة الأفراد والمدن والمجتمعات، وبوجودها يمكن اختصار الزمن والعمل والتغيير، وبها ومعها نصنع الأرضية الصلبة التي يمكن عليها البناء الثقيل, وأول ما يجب أن تتنبه له الوزارة هو «تعريف المثقف»، وتحديد المسارات الثقافية، حتى لا تصبح  جداراً قصيراً، يقفز عبره الكثيرون، ليصلوا لأراضٍ أخرى باسمه.. وهذه الخطوة كفيلة بتسهيل أعمال الوزارة، بعدما نمّط المثقف والثقافة بأشكال أريد لها أن تخدم مشروعات محددة، وبسياقات ضيقة، ضيقة جداً.
في الوقت نفسه، يجب أن يدرك المثقفون والعاملون في المجال الثقافي أن الصور الثقافية الكلاسيكية القديمة ليست المستهدفة، أو لكي أكون محدداً؛ ليست الأولى في قوائم الاهتمام. وما أود أن أقوله أن تهتم الوزارة بتعزيز دور «القوة الحضارية» للوطن، وأن رؤية إدارتها جزء لا يتجزأ من رؤية مصرالثقافية. 

وما هى الرؤية للدور المصري الثقافي فى الوقت الراهن؟


فمصر على مدار التاريخ صاحبة ريادة حقيقية يدركها تماما من اطلع على ثقافات أخرى في بلد أخرى، وما زالت سماء طه حسين والحكيم والبارودي وشوقي تشرق على شمس المعرفة العالمية, وتغيير رؤية الدور المصري الثقافي يجب أن يكون نابعا من متطلبات العصر، وأن يعطي كل مثقف دوره في إطار رؤية مصر الكبرى، وأن يتطلع المواطن المصري إلى دور أكبر لقطاعات الثقافة المنتشرة في خريطة مصر الكبرى، الثقافة المنشودة حقا هي ثقافة الانتماء لا ثقافة الجمهور، الانتماء  يجب أن يترأس أوليات وزارة الثقافة.