«الرئيس التونسي» يدق المسمار الأخير في نعش «الإخوان»

احتجاجات البرلمان ضد الغنوشى
احتجاجات البرلمان ضد الغنوشى

كتب: خالد حمزة

جنت على أهلها براقش أو جنت على نفسها براقش، أو على أهلها تجنى براقش، هو مثل عربي يضرب لمن عمل عملا ضر به نفسه أو أهله، ويقال إن براقش كانت كلبة، وقد أغار قوم على قومها فنبحت  فنبهت قومها، فقاموا وذهبوا إلى مغارة ليختبئوا فيها، وعندما جاء اللصوص أخذوا يبحثون عن أهل القرية فلم يجدوا أحداً، وعندما هموا بالانصراف نبحت الكلبة براقش، فانتبه لها اللصوص، فقتلوا عددا من قومها وقتلوها معهم، والمثل ينطبق تماما على الحالة التونسية، التي أعادت بقرارات الرئيس قيس سعيد برحيل الحكومة وتجميد أعمال البرلمان، بوصلة تونس للاتجاه الصحيح، وأنهت فعليا سيطرة «إخوان» تونس على مفاتيح البلاد، وهى السيطرة الغبية سياسيا واجتماعيا وعنصريا، التي أدت للمزيد من التفكك والانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولو من وراء ستار، كما كانوا يدعون.

منذ عقد من الزمن، اصطدمت أحلام تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس التي وضع عليها التونسيون الكثير من الآمال، بأزمات سياسية وصراعات حزبية ضيقة داخل البرلمان، أدت لواقع سياسي متدهور للغاية، واستهلك البرلمان التونسي معظم جلساته في المشاحنات السياسية بين حركة النهضة وحليفتها كتلة ائتلاف الكرامة من جهة، والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسى من جهة أخرى، وهما على طرفي نقيض سياسياً وأيديولوجياً، وكان ذلك بالطبع على حساب المصلحة الوطنية للبلاد.

وفي المقابل فشل رئيس حزب حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي في إدارة هذه الخلافات داخل البرلمان، ونجح في الإفلات من لائحة سحب الثقة منه في أكثر من مناسبة، كما حكمت النهضة تونس بالوكالة عن طريق ترشيح ومساندة حكومات وشخصيات في الواجهة للحكم، لتنفيذ سياساتها من وراء ستار، وكانت تتهرب من المسئولية عند كل أزمة بذريعة أنها ليس لها رئيس وزراء أو وزراء مؤثرون، رشحتهم لإدارة البلاد من داخلها، وأنها زاهدة في الحكم! وكل ذلك كان مع أسباب أخرى، دافعا لقيس سعيد لاتخاذ خطوات أخرى لا تقل أهمية من إزاحة النهضة، بدأت  بفتح تحقيق بشأن تلقى تمويلات خارجية أثناء الحملة الانتخابية البرلمانية الأخيرة.


ولم يستبعد المحققون اللجوء إلى شهادات دولية نظرا لأن أغلب التمويلات كانت من الخارج، ويشمل التحقيق حزبي حركة النهضة (53 نائبا من إجمالي 217 في البرلمان) وقلب تونس (28 نائبا) وجمعية عيش تونسي ولها  نائب واحد بالبرلمان، وتبع ذلك، قرارات أخرى بالتحقيق الفوري مع من نهبوا أموال تونس خلال العقد الماضي، وبعد أن أكد الرئيس التونسي إن لديه قائمة بأسماء من نهبوا تلك الأموال، والتي يجب أن تعود للشعب عبر إجراءات للتسوية، وإلا اللجوء للقضاء وسجن من أثروا من ورائها، ولم يكتف بذلك، بل كشف عن أن أسماء من نهبوا أموال البلاد بلغت 460 شخصا، وأنهم مطالبون بسداد مبلغ 13500 مليار دينار تونسي، وأن معلوماته استندت إلى تقارير صادرة عن اللجنة الوطنية لتقصى الحقائق حول الرشوة والفساد، وطالب رجال الأعمال المتورطين في ذلك بالتعهد بالقيام بمشروعات في المحافظات التونسية الأكثر فقرًا، وأنه بناء على أمر رئاسي سيصدر لاحقا، ستخصص الأموال المنهوبة التي سيقع استرجاعها لفائدة الجهات المحرومة.

ويتواكب ذلك مع عودة الحديث في الشارع التونسي عن توقيع عريضة شعبية، يشارك فيها كل أشكال الطيف السياسي والشعب التونسي، تطالب بتشكيل هيئة وطنية مستقلة تكون مهمتها البحث والتحري في ثروة الغنوشي وحركة النهضة، ومصادر التمويل الداخلي والخارجي، والأهم من أين جاءت كل تلك الأموال التي ضخها إخوان تونس، في عدة كيانات وشركات اقتصادية واجتماعية وصحية داخل البلاد.
خطوات قيس، التي يصفها التونسيون بالصادمة أحيانا، وبالضرورية من جهة ثانية، أو المتأخرة في تفسير ثالث، جاءت متوازية مع حالة عدم الاستقرار السياسي، التي أثرت بقوة على صورة تونس في الخارج وبخاصة لدى الجهات المانحة، وهو الأمر الذي أدى لصعوبة استقطاب الاستثمارات الأجنبية، لتلبية الطلبات المتزايدة لسوق العمل ونمو الاقتصاد، وهو ما أدى لتراجع تصنيف تونس الائتماني بصورة مستمرة، حيث راجعت الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني »فيتش»   تصنيف تونس من مستقر إلى سلبي، ووقوع البلاد تحت وطأة ركود اقتصادي تاريخي، بنسبة نمو 6 في المئة سلبى، وعجز مالي غير مسبوق في الميزانية بلغ 9 في المئة، وارتفاع في أعداد العاطلين عن العمل خاصة في ضواحي العاصمة والمناطق الفقيرة والمهمشة في محافظات الشرق والجنوب، حسب صندوق النقد الدولي، وكلها مؤشرات أدت لزيادة نسبة الفقر، وخروج التونسيين للشارع أكثر من مرة خلال العام الماضي فقط، مطالبين بالعيش الكريم والخبز.


وجاءت جائحة كورونا لتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد أكد المعهد الوطني للإحصاء التونسي ، أن البلاد خسرت نحو 160 ألف وظيفة خلال الثلث الأول فقط من العام الحالي بسبب كورونا، بينما قدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عدد المتضررين من الجائحة، بنحو ثلاثة ملايين تونسي.
وبعيدًا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، طفت على السطح اتهامات أخرى للنهضة والغنوشي، حيث أكدت هيئة الدفاع في قضية بلعيد والبراهمي التونسية، أن الجهاز السرى لحركة النهضة الإخوانية، كان وراء اغتيال كل من اليساري شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي، وأن راشد الغنوشي زعيم الحركة هو من يدير الجهاز السرى التابع لها، وأن الحركة تمول جهازها السرى من عمليات غسل أموال وتمويلات خارجية، وطالبت الهيئة الرئيس التونسي، بفتح الملف من جديد بعد محاولة النهضة عبر أذرعها القضائية، التستر على الأدلة ورفض التحقيق مع المتورطين بالحادث، وصاحب ذلك اتهام آخر لا يقل خطورة، عن احتضان النهضة للمتطرفين والإرهابيين العائدين من الخارج، وكان عدد من المتطرفين قد تم فرض الإقامة الجبرية بحقهم، ورغم ذلك تمكنوا من الإفلات وارتكاب عمليات إرهابية، وساعدهم على ذلك دعوة حركة النهضة، بالسماح للراغبين منهم بالعودة عبر القنوات الرسمية وإعادة دمجهم في الحياة الاجتماعية، أسوة بالنموذج الجزائري.

ودعا الغنوشي لفتح باب التوبة والحوار مع الجهاديين التونسيين، سواء الموجودين في الخارج أو المتحصنين في الجبال، وهو الأمر الذي حول تونس لملجأ للمتطرفين، وقنبلة موقوتة للعمليات الإرهابية، وكان أبرز هؤلاء مجموعة سليمان التي ضمت 30 تونسيا، وصدرت بحقها أحكام بالسجن في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن على، وتمتعوا بعد الثورة بعفو تشريعي عام، تم بموجبه الإفراج عن 300 تونسي، قاتلوا في العراق وأفغانستان والصومال واليمن إلى جانب الدواعش وتنظيم الدولة، لكن مجموعة سليمان عادت بعد الثورة، لتصدر العمليات الإرهابية في تونس رغم أنها استفادت من العفو التشريعي العام، معلنة الحرب على الدولة بالعديد من العمليات الإرهابية التي أسقطت المئات من الضحايا، والغنوشي نفسه، كان  في مرمى النيران أكثر من مرة، وتبادل العديد من الاتهامات مع النواب، بعد  مناقشة تدخله في السياسة الخارجية للبلاد، من خلال الدعم الصريح للتدخل التركي في ليبيا، والوقوف إلى جانب  حكومة فايز السراج المدعومة من قبل الميليشيات الإخوانية، كما جمعته علاقة شخصية مع الرئيس التركي أردوغان، وقام بزيارة للعاصمة التركية أنقرة، والتقى أردوغان هناك وبعيدًا عن موافقة الرئيس أو البرلمان.
ولعشر سنوات كاملة، كانت النهضة بمثابة ذراع تركيا تتدخل فيها سياسيًا واقتصاديًا، فقد أغرقت تركيا الاقتصاد التونسي بمجموعة من القروض والديون عن طريق صناديق التنمية، كما أجبرت الحركة البرلمان على إقرار اتفاقية للاستثمار مع تركيا، والتي كانت غطاء لامتلاك رجال الأعمال الأتراك الأصول والبنية الأساسية لتونس، وهو ما دعا الرئيس التونسي قيس سعيد لأن يرد عليه بقوة بقوله إن الدولة التونسية واحدة، ولها رئيس واحد في الداخل والخارج، وفسر البعض وقتها الأمر بأنه كان مظهرا للتنافس السياسي أو تكسيرًا للعظام بين الاثنين، ولكنه كان دليلًا من دلائل عديدة بأن صبر قيس قد نفد، وأنه لا بد من إجراء باتر يعيد تونس لشعبها، ويوقف نزيف الاقتصاد المستمر دون حل.