فوجيء المستشار كول بالطلب العجيب.. وقال للرئيس الأسبق مبارك.. ان المانيا الموحدة لا تستطيع تقديم المساعدات والمعونات التي كانت تقدمها قبل الوحدة.. وكل ما نستطيع تقديمه هو المساعدات الفنية

الإشارة التي اطلقتها الحكومة بإنشاء ٧ مناطق تكنولوجية جديدة.. توفر نصف مليون فرصة عمل للشباب.. تشير.. ربما للمرة الأولي.. بمثل هذا الوضوح إلي اننا نسير في الطريق الصحيح.. نحو المستقبل.. ومواكبة العصر ومنجزاته.. وازالة آثار العديد من القضايا والبلايا.. التي تراكت وتوحشت.. واستوطنت طوال ما يقرب من النصف قرن من الزمان.
وواكب قرار انشاء المناطق التكنولوجية.. المبادرة التي اعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسي بعنوان «علماء مصر المستقبل» والتي تهدف لدعم التعليم التكنولوجي للشباب.. وإلي تدريب وتأهيل الكوادر المصرية من خريجي الجامعات بالمشاركة مع كبريات المؤسسات والجامعات المالية.
وتهدف الاشارة والمبادرة إلي أعداء الشباب لمرحلة جديدة.. نقف الآن علي عتباتها.. وهي اعداء شبابنا لمواجهة عصر جديد والصعود لمصاف القوي العظمي الاقتصادية.. التي نحن بصدد اللحاق بها.. والتي يعتمد التعليم فيها علي استيعاب منجزات الثورات العلمية والتكنولوجية.. وثورة الاتصالات.. وعدم التوقف عند منجزات ثورة البخار.. والصناعات التي تقوم علي العلوم التي تجاوزها الزمن.. وباتت من مخلفات أزمنة سحيقة.. لم يعد لها ذكر في برامج التعليم الحديثة.. واصبحت نسيا منسيا.. عندما كان الاجداد يحصلون علي قوت يومهم منغمسا بعرق الجبين.
لقد خاض التعليم في الدول الراقية.. مراحل الثورات العلمية والتكنولوجية.. وواكب الزمن.. ووضع المستقبل نصب عينيه.. وكان السؤال المطروح مع بدء كل سنة دراسية هو:
ماذا يتعين علي الطفل ان يتعلم؟
وكان الهدف باختصار شديد.. هو اعداد الطفل ليكون قادرا علي مواجهة المستقبل.. أو كما يقول الألمان zukunftsfaehig وهي كلمة تتردد علي ألسنة الخبراء كل سنة.. كي تواجه برامج التعليم عصر المستقبل.. ولا تمت بأدني صلة لعصور البداوة.. وسفك الدماء واللحاق بجيوش الدهماء.
برامج التعليم في كل مراحله.. تتغير وتتبدل كل سنة.. لتوفير عامل المستقبل.. وطبيب المستقبل.. والسياسي الذي يواكب المستقبل.. وبالتالي فان الكتب الدراسية يطرأ عليها التغيير مع بداية كل عام دراسي.. وبالتالي لا يمكن تصور أن يتلقي الاطفال في دور الحضانة والمدارس والجامعات ما تلقاه الاجداد في عصور سابقة.
الهدف من التعليم يختلف من سنة إلي سنة.. ولا يبقي علي حاله.. ويدرس الاحفاد ما درسه الاجداد.. من علوم ومواد.
ويتعين علينا هنا أن نلاحظ ان جميع الدول التي بدأت تتخذ مواقعها في قائمة القوي العظمي الاقتصادية.. بدأت بانتهاج سياسة تعليمية تواكب المنجزات في مجالات العم والتكنولوجيا وثورة الاتصالات.. واستطاعت خلال سنوات قليلة ان تحول الملايين من شبابها.. إلي قوة اقتصادية في كافة المجالات الحديثة الراقية التي تأخذ باسباب العلم ومنجزاته.. وهي الخطوة التي بدأناها باشارة انشاء سبع مناطق تكنولوجية جديدة.. توفر نصف مليون فرصة عمل للشباب.. علاوة علي مبادرة الرئيس السيسي بدعم التعليم التكنولوجي للاجيال الجديدة.
ومن اللافت للانتباه ان جميع الدول التي وصلت لمصاف القوي العظمي.. خلال سنوات قليلة هي الدول التي ربطت بين التعليم وبين منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية.. وفي مقدمتها الصين واليابان والهند والمانيا وماليزيا.. وغيرها.. أما الدول التي لم تربط في برامج تعليمها بين التعليم وبين منجزات ثورة الاتصالات.. فهي الدول التي تدور في فلك التخلف.. ودفعت حكوماتها للقيام بدور الجمعية الخيرية التي تقدم الدعم لرغيف الطابونة والصحة.. وجيوش الموظفين الذين يقومون بتعطيل المصالح ونشر كل ألوان الفساد من خلال امبراطورية الموظفين.
واتصور ان الزيارة التي قام بها وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني جيرد موللر للقاهرة منذ أيام.. ولقاءه بالرئيس السيسي.. تسير في اتجاه ربط التعليم بمنجزات ثورة العلم والتكنولوجيا.. لاسيما أن المانيا كانت قد اقترحت علي الحكومة المصرية ايام الرئيس الأسبق حسني مبارك.. في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.. وكان المستشار الألماني الاسبق هيلموت كول هو أول مسئول اجنبي يطرح علي مصر فكرة اصلاح التعليم الفني.. وربطه بتكنولوجيات العصر.
ولهذه الواقعة حكاية تستحق الرواية.
بعد تحقيق الوحدة الألمانية.. قام الرئيس الأسبق حسني مبارك بزيارة رسمية لالمانيا.. والتقي بالمستشار الألماني الاسبق هيماورت كول.
وفي المحادثات طلب الرئيس المصري الأسبق.. ان تقوم المانيا الموحدة.. بالاستمرار في تقديم المعونات الاقتصادية التي كانت تحصل عليها كل سنة.. مع المعونات التي تحصل عليها من المانيا الشرقية.. أي أن تحصل مصر علي المعونات الاقتصادية التي كانت تحصل عليها قبل تحقيق الوحدة.. من دولة الوحدة.
فوجيء المستشار كول بالطلب العجيب.. وقال للرئيس الأسبق مبارك.. ان المانيا الموحدة لا تستطيع تقديم المساعدات والمعونات التي كانت تقدمها قبل الوحدة.. وكل ما نستطيع تقديمه هو المساعدات الفنية.
وهنا وجد الرئيس الأسبق مبارك سؤاله للمستشار كول عما يعنيه بالمساعدات الفنية.. فاجاب المستشار كول كالآتي:
نساعدكم في نقل تجربتنا في تطوير التعليم الفني.. ونقل الخبرة الألمانية في الارتقاء بالتعليم الفني.. وتخريج عمال مهرة.
يومها خرج مبارك من الاجتماع وعلي وجهة علامات صدمة وخيبة أمل.. في الوقت الذي اتجه فيه المستشار كول نحو مجموعة الصحفيين المرافقة للرئيس السابق.. وقال باللغة الالمانية وباختصار شديد:
لقد اتفقت مع الرئيس مبارك علي التعاون في مجال تطوير التعليم الفني.
اذكر يومها.. انني ارسلت للصحيفة التي بين يديك.. بنبأ عاجل من بون اخترت له عنوان:
مشروع للتعاون الفني بين مصر وألمانيا.
وفوجئت عند النشر بتغيير العنوان الذي تحول إلي:
مشروع مبارك كول للتعاون الفني.
ولاحظت بالدهشة المفرطة.. ان جميع وسائل الإعلام والصحف في بلدنا التزمت بالاسم نفسه.. وهو مشروع مبارك- كول.. ولم اجد اجابة شافية الي أن قام وزير التربية والتعليم ايامها حسين كامل بهاء الدين.. بزيارة لالمانيا لمتابعة التفاصيل.. وكان من الطبيعي ان اسأله عن سر اطلاق اسماء لساسة تنتهي خدمتهم علي مشروعات طويلة الاجل فقال لي:
ان مثل هذه المشروعات لا تستطيع وزارة واحدة الاضطلاع بها.. وسوف تتعرض لتضارب المصالح.. وتعطيل المشروع.. اما اذا حمل اسم رئيس الدولة.. فسوف يقابل بالحماس من جانب كل الهيئات والوزارات والمصالح.
المهم الآن ان مشروع التعاون الفني بين مصر والمانيا سقط بسقوط حسني مبارك.. واصبحنا امام مرحلة تقتضي العمل العاجل بتعويض الفرص الضائعة.. بانتهاج سياسة جديدة.. تواكب الزمن بانشاء ٧ مناطق تكنولوجية جديدة.. توفر نصف مليون فرصة عمل للشباب.. في المناطق الصناعية المزمع اقامتها علي ضفتي قناة السويس الجديدة.. وان نشمر عن سواعدنا.. لبناء مصر.. المستقبل!