ريشة

حكاية د. داهش

حسين عثمان
حسين عثمان

رواية مشوقة إلى أبعد الحدود، تلك التى كتبها الروائى سامح الجباس، وصدرت مؤخرًا عن دار العين للنشر، أكثر من 400 صفحة لا تشعر بنفسك إلا وأنت تلهث تلتهمها التهامًا، وقائع تدور فى المساحة ما بين الواقع والخيال، ولا تملك معها إلا اليقظة طوال الوقت، فأنت لا تقرأ رواية والسلام، فى زمن صارت فيه الرواية مبدأ ومنتهى متعة القراءة، ولكن متعة القراءة لا تكتمل عندى إلا بأن يتركنى الكاتب أفكر، وقد فعلها الجباس معى بجدارة، متعة وجدانية لا حدود لها، تكتمل بمتعة فكرية آسرة تخطفك إلى عالم آخر أو على أقل تقدير تحلق بك على هوامش عالم كنا ولا نزال نحياه.
ثلاث سنوات والروائى سامح الجباس بعيد عن الأنظار، نشر روايته «كريسماس فى القاهرة» عام 2012 بعد فوزها بجائزة إحسان عبد القدوس، ثم اختفى من الوسط الثقافى كله، لا ينشر روايات، لا يحضر ندوات، ولا يعلم أحد مستقره ومقامه، كاد أن ينساه الجميع، حتى عاد لافتًا الأنظار من جديد بروايته «رابطة كارهى سليم العشى» وفيها يكشف عن أسباب اختفائه طوال هذه المدة، يحكى ما حدث له ولم يكن مصرحًا له بالكتابة عنه، زال العائق وآن أوان البوح، كان يعلم أن ما سيحكيه ربما يثير جدلًا كبيرًا أو سخطًا أكبر، ولكن يصدقه أو يكذبه من يريد، حكاية د. داهش تستحق أن تُرْوَى. 
«أنا أؤمن بأنه توجد عدالة سماوية، وأن جميع ما يصيبنا فى الحياة الدنيا من منغصات إن هو إلا جزاء وفاق لما اجترحناه فى أدوارنا السابقة من آثام وشرور، ولهذا يجب علينا أن نستقبل كل ما يحل بنا من آلام الحياة ومآسيها غير متبرمين ولا متذمرين، بل قانعين بعدالة السماء ونظمها السامية».. هكذا يستقبلك سليم العشى على موقع الداهشية www.daheshism.net والذى يوثق ويؤرخ لسيرة رجل آمن أول ما آمن بأن الروح من أمر ربه وما أُوتِى من العلم إلا قليلًا، أو هكذا يبدو أنه كان، طفل معجزة، يتيم مُعَذَب، فتى شغوف بالمعرفة، ساحر، منوم مغناطيسى، عالِم فى تناسخ الأرواح، وأديب معجز.
رواية الجباس ليست تاريخية، ولكنها انطلقت تستعرض تاريخ رجل وُلِد فى بيت لحم عام 1909 وتُوفِى فى أحد مستشفيات نيويورك عام 1984، ولم تكن حياته إلا اشتباكًا متواصلًا وصدامًا متجددًا بعدما أسس لرسالة وصار له أتباع، رسالة آمنت بأن الأديان السماوية ليست إلا ثلاث شرائع لعقيدة واحدة تؤمن بإله واحد، والإنسانية هى العنوان الأكبر لهذه العقيدة، أما الأرواح فليست إلا أطوارًا متجددة ترتقى بالإنسان جيلًا وراء جيل، رسالة تقاطعت معها رؤى الكبار توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعى ويوسف وهبى، رواية الجباس ليست خطفة زمن أو كلمة ورد غطاها، وإنما رؤية متجددة لحيرة الإنسان المنطقية بين الحقائق والهواجس.