شركات السجائر تطالب بمهلة أخرى لمزايدة رخصة السجائر الجديدة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يعتبر سوق السجائر من أكثر الأسواق حساسية في مصر، وهو السوق المعروف تاريخيًا باستقراره النسبي نتيجة لدور الشركة الشرقية للدخان على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وهو الدور الذي تؤديه بتوازن كبير بين أطراف السوق وجميع الشركات العاملة فيه؛ بما شكل ضمانة للعائدات الضخمة من هذا السوق للخزانة العامة للدولة على مدار السنوات الماضية مع استقرار لهيكل العمالة ومنظومة الأجور، ليس فقط بأكثر من خمسة عشر ألف موظف في الشركة الشرقية للدخان، ولكن أيضًا بآلاف آخرين عامليين في باقي الشركات العاملة في السوق والتي ترتبط معهم الشركة الشرقية باتفاقيات إنتاجية وتفاهمات تسويقية تحافظ على استقرار جميع روافده. 


وفي إطار سعي الحكومة الرشيد إلى تطوير منظومة الاستثمار وهو المتوقع بعد نجاحها في إدارة واحد من أنجح برامج الإصلاح الاقتصادي على مستوى العالم، جاء إعلان هيئة التنمية الصناعية عن طرح رخصة سجائر جديدة تشمل حصة من السجائر التقليدية بالإضافة إلى مستحدثات التدخين (السجائر الإلكترونية) ليشبه الزلزال المتوقع أو كإلقاء حجر في المياه الراكدة لأكثر من ستين عامًا، وجاءت الصدمة الأكبر في أن الشروط الفنية والمالية التي تضمنتها كراسة الشروط تؤدي في مجملها إلى الانتقال لنوع من أنواع الاحتكار عبر ما يشبه التفصيل على منافس وحيد تنطبق عليه الاشتراطات ويملك الوفاء ومتطلبات هذه المواصفات بما يشكل مصادرة على مستقبل السوق لصالح منافس واحد أيًا كان هذا المنافس، وهو هذه المرة من القطاع الخاص حتى ولو بنسبة شراكة للشركة الشرقية للدخان مع نص احتكاري لعشر سنوات للمنتجات المستحدثة في مجال التدخين. 


هذا التفصيل الذي يؤدي إلى احتكار مقنن هو ما دفع شركات السجائر بالسوق للتقدم بمذكرة لمعالي رئيس مجلس الوزراء تتضمن كافة ملاحظاتها الفنية والمالية والتسويقية في مذكرة رسمية لاقت اهتمامًا كبيرًا من سيادته، وصدق رهان هذه الشركات على إعلاء رئيس الوزراء للمصلحة الوطنية مما جعله يأمر بالتأجيل وتعديل كراسة الشروط بما يتلافى العيوب السابقة. 


وبالفعل تم التعديل وتم طرح كراسة الشروط الجديدة التي تلافت الكثير من العيوب السابقة لكنها ظلت تتضمن عددًا من البنود التي لن تحقق الصالح العام من ناحية، ولا توفر للمنافسين وقت كافي لإعداد الدراسات الملائمة، وهو ما دفع الشركات المنافسة إلى رفض هذه الشروط من خلال مذكرة رسمية قدمتها قبل موعد المزايد بأيام، وتحديدًا يوم 29 يوليو 2021، واللافت للنظر في هذه المذكرة أن طلب الشركات التأجيل والتعديل هذه المرة لم يرتبط بمصالحها الخاصة  رغم أنها ذكرت بند الوقت كعامل مساعد في إعداد العروض الملائمة، وتكوين الشراكات المناسبة. 


وسبب الاعتراض الأكثر وجاهة جاء من منطلق الصالح العام وتحقيق أعلى الإيرادات في مثل هذه الفرصة التاريخية في الخزانة العامة؛ فطلب مزيد من الوقت من وجهة نظر هذه الشركات جاء بهدف رغبتها في تقديم بدائل مناسبة للحكومة تضمن مضاعفة سعر الرخصة المستهدف وهو 350 مليون دولار إلى ما يقرب من 3 مليار دولار مع ضمان بيئة منافسة جيدة، ومنع أي فرص مستقبلية لأي ممارسات احتكارية من هذه البدائل طرح رخص متعددة ترتبط بحصص إنتاجية بالمليار سيجارة وبمزايا تزداد كلما زاد قيمة الرخصة، كما يمكن فصل السجائر الإلكترونية في ترخيص منفصل؛ هذا التعدد تجري دراسته لتقديمه بشكل واضح للجهات المسئولة، وهو ما يجعلنا أمام أكثر من خمس رخص تضمن بالإضافة إلى الشركات المحلية دخول مستثمرين إقليمين ودوليين وصناديق استثمار عالمية ورؤوس الأموال الساخنة الباحثة عن استقرار استثمار مضمون على غرار سوق السجائر والذي يعتبر واحد من أكثر الأسواق ضمانًا واستقراراً. 


فالدافع الوطني هنا يرتبط بالإيراد المتوقع من رخصة بحجم السوق المصري البالغ 80 مليار سيجارة، فليس من المنطقي أن يكون المستهدف بسوق بهذا الحجم أن يكون سعر الرخصة 350 مليون دولار، بينما سعر رخصة السجائر الأثيوبية والتي يبلغ سوقها 9 مليار سيجارة تم بيعها بمليار دولار، وبالقياس يجب ألا يقل العائد على الخزانة العامة للدولة من هذه الفرصة التاريخية عن 3 مليارات دولار على أقل تقدير. 


هذه الرؤية الواضحة للصالح العام في منع الاحتكار المستقبلي بأي صورة وبزيادة عوائد الخزانة العامة للدولة هو ما دفع هذه الشركات إلى مخاطبة رئيس مجلس الوزراء مرة أخرى، إيمانًا منها بأن القضية أكبر من مجرد اعتبارات المنافسة فهي ترتبط بالجهود الضخمة التي تبذلها الحكومة في ترجمة نجاحات برنامجها الاقتصادي إلى واقع ملموس يعيشه المواطنون. 


هذه الترجمة تتحقق عبر هذه الآليات الوسيطة من تنمية لروافد الاستثمار وخاصة الاستثمار المباشر سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وهو ما يفرض علينا جميعًا أن نتخلص من النزاعات التنافسية الضيقة وتحقيق الاصطفاف الوطني خلف جهود حكومتنا الرشيدة وإجراءاتها السديدة لبناء الجمهورية الجديدة.