خُط الصعيد.. قصص غريبة عن أباطرة الإجرام ونهايتهم الإعدام والتصفية «جثث متناثرة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"خُط الصعيد"، عندما تسمع هذه العبارة، تجد ذهنك تلقائيًا يذهب حول مجرم روّع المواطنين، وارتكب جرائم متكررة، صنفته الداخلية، بأنه عنصر إجرامي شديد الخطورة، دفعه ميوله الإجرامي إلى القتل والسرقة وقطع الطرق وحيازة الأسلحة والاتجار بها.

خط الصعيد، هو اللفظ المرعب والمخيف للجميع، وبالرغم من أنه كان المنفذ للجرائم الكبرى في الصعيد، وكان الجميع يخاف منه، إلا أن هذا اللفظ، أصبح للتباهي بين العناصر الإجرامية الخطرة وغيرهم من المجرمين الجدد، الذين كانوا يسيرون على منهج "خط الصعيد"، في ارتكاب جرائمهم في حق المجتمع بأكمله.

اقرأ أيضاً| ضبط أسمدة مدعمة ومصنع ملابس غير مرخص في حملة بالغربية

كثير من المجرمين، أطلق عليهم خط الصعيد في السنوات الماضية، من أشهرهم عزت حنفي، والحمبولي، ونور حجازي، ونشأت عيضة، وتكية، وغيرهم، وهؤلاء خرجوا من بلاد أُطلق عليها بسببهم بأنها بؤر إجرامية وأنها بلاد الدم والنار، وتسببوا في تهميش بلادهم، بعد أن خشيت الأجهزة التنفيذية الدخول لها، لتنميتها وتطوير البنية التحتية لهذه القرى، حتى أصبح أهلها ينتظرون "الفرج"، للاهتمام بهم، وهذا ما فعلته الدولة بعد القضاء على هؤلاء المجرمين، بعد تصفيتهم في مطاردات أمنية، أصيب فيها رجال من الشرطة، أو من خلال ضبط البعض منهم، وتنفيذ حكم الإعدام في حقهم، بعد ثبوت تورطهم في قضايا روّعت المواطنين وكدّرت الأمن العام.

ولكن كثير منا لا يعرف معنى لقب "خط الصعيد"، وما سبب تسميته، ومن هو أول من تم إطلاق خط الصعيد عليه،  لقب "خط الصعيد"، كانت بدايته في درنكة التابعة لمحافظة أسيوط، وأول من تم إطلاق اللقب عليه هو محمد منصور، الذي اتخذ من الجبال ملجأ له للاختباء عن أعين الشرطة، والتسلل إلى أماكن بعينها في الخفاء، لتنفيذ جرائمه، التي أرعبت المواطنين.

محمد منصور، أول خط للصعيد، ولد في 1907، وبالرغم من صغر سنه، وقت ارتكابه أول جريمة، إلا أنه استطاع أن يأخذ بثأر عمه، بعد مشاجرات مع عائلة القتلة وهي عائلة شيخ الخفر في قرية درنكة، وقتل أشخاص منهم، انتقامًا لقتل عمه.

هرب وقتها منصور، الذي سُمي بخط الصعيد، إلى الجبال للاختباء من العائلة الأخرى، خشية النيل منه وقتله ثأرًا مما فعل،  وبدأ نشاطه الإجرامي الموسع، خاصة بعد مقتل اثنين من أشقائه، على يد عائلة شيخ الخفر وقتها، انتقامًا منه، والذي أصابه هذا الحادث بحالة من الجنون، ليبدأ سلسال الدم، وبات خط الصعيد وقتها، مجنونًا للجريمة وفي أشد الرغبة في ارتكابها، وكوّن عصابة من مطاريد الجبل، كان بطلها وقائدها، وارتكب العديد من الجرائم، قتل وسرقة وخطف وسلاح وفرض إتاوات، جرائم بشعة كانت تبث الرعب في قلوب المواطنين، حتى تمكنت الأجهزة الأمنية في 1947 من القضاء عليه بعد تصفيته، بعد أن قام بخطف شخص ، وبعد تبادل النيران مع الشرطة، استقر في جسده 21 طلقة، أودت بحياته، لتنتهي مسيرة خط الصعيد، بعد سنوات من الإجرام.

وتشير الروايات إلى أن سبب التسمية بـ"الخط" جاء نتيجة تحريف لقب عائلته من سر الختمة الذى أطلق على جده نسبة لحفظه القرآن الكريم ثم إلى الختمة والختم والخت وأخيرا" الخُط" ، وبعد مقتل منصور، أصبح هذا اللقب متلاصقًا لأي عنصر شديد الخطورة، منهم عزت حنفي ونشأت عيضة والحمبولي ونور حجازي الذي تم تصفيته أثناء اختبائه في الجبال، واستشهد وقتها نقيب شرطة، فضلًا عن غيرهم من أباطرة الإجرام في الصعيد.

وبعد تصفية منصور أول خط للصعيد، بات لقب خط الصعيد، يتداوله عدد من العناصر الإجرامية، ولكن مع عزت حنفي، أحد أباطرة الإجرام في الصعيد في الآونة الأخيرة، والذي جسد فيلم الجزيرة، قصته الإجرامية التي كانت ممتلئة بجرائم القتل والمخدرات والأسلحة، والي تم ضبطه واعدامه، انتشر لقب خط الصعيد بشكل كبير، خاصة بعد أن أسس عزت حنفي إمبراطورية الإجرام في الدخيلة بأسيوط، خلال القرن الماضي، ثم تلاه أباطرة للإجرام في قنا وأسوان وسوهاج والأقصر.

وأنجبت البؤر الإجرامية في الصعيد، العديد من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة، والتي تمثلت في قرى حمرة دوم وأبو حزام بنجع حمادي، والسمطا في دشنا، والحميدات بقنا، وأسمنت بنقادة، ودرنكة والدخيلة بأسيوط، والقرامطة في سوهاج، والتي شهدت منذ بضعة أشهر مضت، تصفية "تكية" ، وهو من أشد المجرمين خطورة، والهارب من 300 سنة سجن، والذي كان من قطاع الطرق الذين يستوقفون المارة عنوة، ويسلبون منهم كل ما يمتلكون، ويسرق السيارات ، وينصرف،  ثم يتصل لمساومة أصحاب السيارات للحصول على مبلغ مالي نظير إعادتها لهم.

وكان في السجل الإجرامي لهؤلاء المجرمين، العديد من القضايا المتعلقة بالقتل والنهب والسرقة وفرض الإتاوات، وكان هؤلاء المجرمون، أبطالًا للجرائم، التي أودت بحياة العديد من المواطنين، وأيضًا رجال الشرطة الذين ضحوا بحياتهم من أجل القضاء على هؤلاء من العناصر الإجرامية الخطرة.

وفي الأيام الماضية، تمكنت الأجهزة الأمنية بقنا، من تصفية 4 عناصر شديدة الخطورة، أطلقوا على أنفسهم خط الصعيد، من بينهم هشام عيضة، نجل شقيق نشأت عيضة، وحارس عبد الغني، والاثنان من  خريجي قرية حمرة الدوم، فضلًا عن فرج أبو السعود، الهارب من 450 سنة سجن، وشمندي زعيم عصابة ترويع المواطنين في نقادة.

هشام عيضة، ارتكب طوال السنوات الماضية، العديد من الجرائم، كانت تتمثل في القتل والسرقة وفرض قوة، وهرب إلى الجبال للاختباء، ولكن مع الحملة التي نفذتها وزارة الداخلية، خلال الأيام الماضية على قرية أبو حزام، بعد مصرع 11 وإصابة 6 في مجزرة أثارت الرأي العام، خشي المتهم من البقاء هناك، وحاول الهروب إلى مكان آخر، بات الأمر محيرًا عنده، فالحادث الأخير، أثار الرعب لدى جميع المسجلين خطر هناك خشية القبض عليهم، وهربوا إلى أمكان ربما تكون مجهولة وغير متوقعة.

وبالفعل هرب المتهم مع أسرته إلى قرية نجع ركب بنجع حمادي، والتي تبعد بضعة كيلو أمتار من مركز الشرطة، وبعد تجنيد المصادر السرية، تم تحديد مكان اختبائه، وفور وصول القوات بادر بإطلاق النيران عليهم، فبادلته القوات إطلاق النيران، مما أسفر عن مصرعه.

وكشفت أجهزة الأمن عن السجل الإجرامي للمتهم  و تشمل الحكم بالإعدام  في قضية قتل عام ٢٠١٥ في القضية رقم ٧٤٨ بنجع حمادي، و حكم بالمؤبد فرض قوه و نفوذ  عام ٢٠١٩ في القضية رقم ٥٧٣ بنجع حمادي، و الحكم بالسجن ١٠ سنوات في قضية سرقه عام ٢٠١٤ في القضية رقم ١٤٢٦٨ بمركز دشنا،  و ٦ شهور سجن اخفاء مواطن في القضية رقم ٢٧٨٩ عام ٢٠١٩ بمركز دشنا، و حكم بالمؤبد في قضية قتل عمد عام ٢٠١٤ في القضية رقم ١٣١٧٩ قتل عمد مركز الحكيم بسوهاج، والقضية رقم ٤٥٨١ عام ٢٠١٣ ٣ سنوات سجن تبديد، و القضية رقم ٨ عام ٢٠١٨، والمحكوم فيها عليه ٣ سنوات سجن بتهمة الضرب.

لم يختلف الأمر كثيرًا، عند المتهم حارس عبد الغني، والذي التصق بلقب خط الصعيد، كان سجله الإجرامي مليئا بالجرائم التي كان أغلبها القتل، ومن أشهر مقولاته " لو لقيت ضابط ساجد لربنا هقتله ومش هرحمه"، هرب المتهم مع وجود الحملة الأمنية بالقرية، وذهب للاختباء في حديقة بقرية أولاد نجم، ومعه ابن شقيقه، خشية القبض عليهما، ظنًا منه أنه لا يستطيع أحد معرفة مكانه، ولكن سرعان ما توصلت الأجهزة الأمنية إلى مكانه، وفور وصول القوات، أطلق عليها النيران، وبادلته القوات إطلاق النيران مما أسفر عن مصرعه، وضبط نجل شقيقه.

كان المتهم شهيرًا، بالحصول على مبالغ مالية، نظير ارتكابه جرائم قتل، فلقد كان يستأجره البعض للتخلص من خصومهم، المتهم صاحب الـ 52 عامًا، هارب من أحكام قضائية في 5 جنايات: «2 حكم بالإعدام، المؤبد، 10 سنوات، 3 سنوات»، والسابق اتهامه في 17 قضية ما بين «قتل، سرقة بالإكراه، خطف، سلاح ناري»، واصيب في الحملة المقدم اسلام فوزي، رئيس مباحث نجع حمادي.

المتهم الثالث، الذي تم تصفيته هو فرج أبو السعود، والذي كان هاربًا من 450 سنة سجن، تحدى المتهم أجهزة الأمن، بعد خروج حملة أمنية لضبطه، تنفيذا للأحكام القضائية الصادرة ضده، ولكن المتهم تمكن من الفرار هربًا قبل وصول الحملة، ثم قام بنشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، للترويج لبيع المخدرات.

بدأ فرج أبو السعود، الهارب من  ٤٥٠ سنة منها ١٦ حكم بالسجن المؤبد في قضايا قتل و شروع في القتل و سرقة وأسلحة نارية و الاتجار في المخدرات، بنشر فيديو على فيسبوك، يروج فيه لبضاعته في بيع المخدرات، متزعمًا أن المخدرات علاج لفيروس كورونا، متزعمًا أيضًا أن كورونا دفعه لبيع المواد المخدرة.

فور نشر الفيديو على فيسبوك، لاق هجومًا شديدًا من المواطنين، خاصة بعد أن المتهم ظهر حاملًا لسلاحه، مروجًا لبضاعته التي كانت بجواره، مُعلنًا رقم هاتفه المحمول، لسرعة التواصل معه، وبدأت الأجهزة الأمنية بقنا، سرعة تكثيف جهودها لضبط المتهم.

توصلت الأجهزة الأمنية بقنا، بعد 5 أيام من نشر الفيديو، إلى مكان اختباء المتهم بقرية السمطا في دشنا، وفور وصول القوات إلى مكان اختباء المتهم، بادرهم هو وشقيقه إطلاق النيران، فبادلته القوات النيران، مما أسفر عن مصرعه، وإصابة شقيقه، والنقيب حسام عبد التواب، من قوات الأمن المركزي

وتبين أن المتهم صادر ضده أحكام بإجمالي ٤٥٠ سنة منها ١٦ حكم بالسجن المؤبد في قضايا قتل و شروع في القتل و سرقة وأسلحة نارية و الاتجار في المخدرات .

و تشمل قضايا المؤبد القضايا أرقام ه/ ٢٠١٣ سرقه بالإكراه و ٦٨٩/ ٢٠١٢ سرقة سلاح، و ٢٣٩٥ / ٢٠١٣ قتل و شروع في القتل، و ١٢٦ / ٢٠١٣ سرقه بالإكراه، و ٣١٠٢ / ٢٠١٤ و ٣٢٧٨ /؛٢٠١٤ و ١٧٧٩ / ٢٠١٤ و ١٩٠٦ / ٢٠١٤ و ١٨٢٥ / ٢٠١٤ وجميع القضايا سرقة أسلحة بمركز قنا، و ٣ قضايا بمركز دشنا و تشمل ٤٨٢ / ٢٠١١ سرقه بالإكراه، و ٨١٣ / ٢٠١٢ استعمال قوة و سرقة أسلحة و ٣١٠٣ / ٢٠١٤ بدائرة مركز قنا، بالإضافة الى ٤ أحكام بالسجن ٣ سنوات، و حكم بالسجن ١٠ سنوات،  و حكم بالسجن ١٥ سنة بإجمالي ٩ قضايا سرقه بالإكراه.

وفي مدينة قنا، تمكنت الأجهزة الأمنية، من التوصل إلى مكان اختباء شمندي وعصابته، والتي ارتكبت جرائم عديدة في نقادة جنوبي قنا، منها قتل وسرقة وعملة ومخدرات، وعقب التوصل إلى مكان اختباء المتهمين في منطقة المساكن بقنا، داهمت حملة أمنية برئاسة اللواء محمد ياسر، مدير مباحث قنا، والرائدان محمد ايهاب، رئيس مباحث قسم قنا، وبسام حمزة معاون أول مباحث قنا، قُتل فيها زعيم العصابة، وأصيب آخر وتم ضبط اثنين متهمين، واصيب اللواء محمد ياسر مدير المباحث الجنائية.

الحملات الأمنية المستمرة للقضاء على العناصر الإجرامية الخطرة، لاقت استحسانًا كبيرًا من أهالي قنا، الذين طالبوا الأجهزة الأمنية بالاستمرار في حربهم ضد هؤلاء، كما طالبوا الأجهزة التنفيذية، بضرورة تنمية القرى المنتمي لها أباطرة الإجرام في الفترة الأخيرة ، كبداية للتنمية الحقيقية للقرى التي عاشت سنوات من الإهمال.
ويقول اللواء نبيل بخيت، لواء شرطة سابق وخبير أمني،  إن لقب خط الصعيد بدأ من درنكة في أسيوط،  وكان اللقب هو اسم لعائلة المتهم محمد منصور،  الذي ارتكب جرائم عدة،  وتم تصفيته في مطاردة مع الشرطة. 
ويشير بخيت إلى أن،  الخط يصنعه الأهالي والشرطة،  ومن الممكن أن يكون انسان تافه،  دفعته الظروف وحب الظهور والمغامرة إلى ارتكاب الجرائم ، فهنا الطفل في الصعيد تمتلكه حب المغامرة،  فممكن أن يقفز في الترعة،  ويغامر في العوم، حتى يقال عليه أنه بطل وقوي وأقوى من الجميع، وهذا عامل نفسي، عند كل من يحب أن يصبح بطلا، حتى لو كان بطلا للجريمة.
ويتابع الخبير الأمني: أن هناك بعض الحوادث،  كان بطلها في البداية شخصية تافهة،  حولته الظروف المحيطة بمساعدة الأهالي وبمساعدة بعض الضباط والمخبرين إلى عنصر شديد الخطورة،  يكون عصابات ويحتمي في حضن الجبل، حتى يقال عليه أنه بطل وزعيم عصابة،  ويلتصق بلقب خط الصعيد،  الذي يشير إلى ترهيب المواطنين وتخويفهم.
ويوضح: هناك بعض الضباط،  كانوا يعتمدون على عناصر إجرامية،  كمرشدين لهم، لضبط الخارجين عن القانون، سواء مرتكبي جرائم جنائية أو سياسية،  وهذا ساعد هؤلاء إلى أن ينصبوا أنفسهم خطا للصعيد،  ويرتكبوا جرائم عديدة في حق المجتمع، وبعد فترة من الوقت،  يصبحون أكثر خطورة،  وبالتالي يتم ضبطهم أو تصفيتهم، بعد انتهاء " موضتهم خلاص قدمت وانتهت".
ويشير الخبير الأمني،  إلى أن ضبط المتهمين وتقديمهم للمحاكمة أو حتى تصفيتهم بعد مطاردات أمنية مع الشرطة، دليل قوي أنه لا أحد في مصر فوق القانون، مهما بلغ من نشاط إجرامي، وهذا ظهر في القضاء على العناصر الإجرامية الخطرة والتي كانت تطلق على نفسها بخط الصعيد.