«ما حدث كان لابد أن يحدث.. لكن النتائج ما كان يجب لها أن تحدث»

كنت عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي. أمينا لإعلام الحزب بالقاهرة. كان يرأس أمانة العاصمة د. محمد الغمراوي وزير الإنتاج الحربي الأسبق والقيادة السياسية الواعية والوطنية المخلصة. أذكر أنه في مساء يوم الاثنين 24 يناير احتفلت الأمانة بذكري عيد الشرطة حيث تعودت أمانة الإعلام بالحزب علي الاحتفال بالمناسبات الوطنية علي مدي العام فكنا ننظم احتفالات بأعياد سيناء وثورة يوليو المجيدة - بحق - ويوم نصر أكتوبر وأيضا العاشر من رمضان. كانت مناسبات يجتمع فيها شباب ونساء الحزب كتثقيف وطني ومعرفة بتاريخ بلادنا المشرف.
في اليوم التالي 25 يناير ظهرا كان محددا اجتماع هيئة مكتب الحزب بالعاصمة لمتابعة ما كان حديث البلاد بشأن خروج مظاهرات شبابية في ميدان التحرير للاحتجاج ورفض أوضاع البلاد وما حدث في انتخابات مجلس الشعب 2010 من مهزلة سياسية دفعنا جميعا ثمنها وثمن الطفولة السياسية التي مارسها البعض داخل وخارج الحزب.
في الاجتماع الذي عقد برئاسة د. الغمراوي دارت المناقشات بين أعضاء هيئة المكتب وكان منهم رؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء شركات أي مجموعة كانت لا تقل في مستواها المجتمعي أو التنظيمي أو العلمي عن الأمانة العامة للحزب إن لم تكن تتفوق عليها. دارت المناقشات عن أحوال البلاد وما تردد عن المظاهرات التي كانت بميدان التحرير علي مسافة قريبة من مقر الأمانة في شارع قصر العيني. خلال المناقشات تكلم - البعض - خاصة من رجال الأعمال عن رفضهم المظاهرات وكان ملخص ما قالوه : «همة عاوزين إيه.. ما البلد كويسة وما فيهاش مشاكل».. وبدا من كلامهم أنهم غير مدركين حالة الشارع المصري وأحوال الناس المتدهورة وكأنهم في غيبوبة مما يحدث في البلاد ويعيشون في أبراج عالية عاجية لا يعرفون عن مشاكل الناس شيئا. وبعد كلمات كثيرة طلبت الحديث واعترضت علي ما قالوه وانفعلت احتجاجا علي آرائهم وأذكر مما قلت: أنتم لا تشعرون بما يحدث في البلد.. الناس تعبانة.. ماذا فعلتم لهم.. تتحدثون عن مصالحكم وعما ما يفترض أن تجدوه بينما لا تفكرون فيما يجب أن تفعلوه.. ماذا فعل الحزب للناس وماذا قدم لهم؟ «.. احتج المتكلمون قبلي بشدة.. ورفضوا كلامي.. وتساءلوا: هو أنت معانا واللا إيه؟ إيه الكلام اللي بتقوله ده؟. فنظرت إلي الدكتور الغمراوي.. فعلا صوت الرجل لينهرهم قائلا: إيه يا جماعة سيبوا رفعت يتكلم.. ما هو عنده حق. تراجع المغيبون وتركوني أكمل كلامي فواصلت رفضي آراءهم وتوجهاتهم وانتهي الاجتماع وغادر هؤلاء وبقي بعضنا إلي نهاية اليوم متابعا ما يحدث خاصة بعد قطع الانترنت والاتصالات التليفونية وخرجنا بعد أن سمعنا أصوات المظاهرات لنجد الشرطة تطارد بعض الشباب فأمر الدكتور الغمراوي بفتح باب الأمانة الذي كان مغلقا تحسبا لأي أعمال شغب.. ففتح باب الأمانة وأدخلنا بعض الشباب وأمر د.الغمراوي بأن يقدم لهم المشروبات وطلب من رجال الشرطة عدم التعرض لهم كما تابع تأمين نزول بعضهم من فوق سطح محطة البنزين المجاورة لمقر الأمانة والتي كانوا قد صعدوا إليها هربا من مطاردات الشرطة.
بقينا في مقر الأمانة حتي ساعة متأخرة وخلال ذلك الوقت قام د.الغمراوي بعمل اتصالات بقيادات الحزب في الأمانة العامة مطالبا بتحرك سريع لمعالجة الموقف سياسيا واتخاذ قرارات تستجيب للشعب وتحقق الاستقرار حتي لا تضيع البلد لكن الغمراوي وجد ردود أفعال غير مبالية من جانب قيادات الحزب وكان مما قيل له إنها مجرد مظاهرة وتنتهي وكل شئ سيعود إلي حاله وكل حاجة معمول حسابها. نقل الغمراوي إلينا رد فعل قيادات الحزب لكي نطمئن علي حال البلد بدون أن يدري أي منا ما خبأته الأقدار وفوجئ الجميع بالتطورات السريعة التي حدثت وانهيار الحزب والنظام الحاكم بعد ارتباك أطفال السياسة الذين لم يقدروا علي مواجهة الموقف وعلي إدارة ما حدث بما كان يمكن أن يجنب البلاد النتائج التي حدثت بعد ذلك.
ما حدث كان لابد أن يحدث.. لكن النتائج ما كان يجب لها أن تحدث.