محمد سرساوى
فى فترة السبعنيات كانت مديحة مثل الطائر الجميل لكنه غامض ومجهول، وكأن البشر لم يكتشفوا بعد ولا يعرفون سماته وسلبياته، ويجعلهم فى دهشه، ويثير تساولاتهم، هل مديحة تستطيع ان تكون فتاة رومانسية أم فتاة اللعوب أم إمرأه بريئة أم شيطانه؟. كان وجهها أشبه بالأمل القادم من المستقبل
أو شخصية قادمة من زمن المستقبل لتعيش فى فترة السبعينيات، تجدها طفلة وإمرأة فى جسد واحد، وساعات ينفصلان وفى الوقت الاخر يتحدان، بداخل شخصيتها الفنانة والانسانة و الحبيبة و العاقلة احيانا كثيرة والمجنونة احيانا أخرى – العصبية والهادئة الشريرة والعليمة من هذه المتناقضات التى تحمليها، ويظهر كل هذا الشعور من هذه المشاعر تبعا للمؤثر أو الظروف التى تحيط فى وقت معين بوجودى، لتخرج الى الناس مديحة من تلك “المديحات”.
كانت حالة محيرة، تقف فى منطقة معظمها شباب. منطقة بلا ملامح. ووفى هذه المنطقة يصبح كثيرون فهى تمدد فى بعض الأحيان وأحيانا تضيع ملامحها، مع أنها بلا جدال ممثلة تملك كل الأشياء، موهبة تمثيلية ممتارة وهذا الحكم ليس جديدا لان الجميع يعرفون، وخاصة أهل السينما، وهى صاحبة ملامح تستطيع ان تعقد علاقة سريعة مع المتفرج وهذه المسألة هامة تنقص الكثيرات، وصاحبة قوام جذاب يجعلها على الشاشة وجوداحقيقيا، وصاحبة عقلية جيدة عندما تريد ذلك، وان كانت لا تريدة فى معظم الاحيان، وبكل هذا تصبح مديحة كامل مسألة محيرة فكيف تملك كل مقومات النجاح مع ذلك لا تقف فى مكانها، لا تكون بطلة أفلام.
كانوا المحررين الصحف الفنية يتعجبون حينما يجرى المنتجون والمخرجون فى الخارج وراء الملكات الجمال وفتيات أغلفة المجلات وعارضات الأزياء لتشغيلهن واسناد البطولات إليهن بعد تدريبهن على التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، يتسألون بأن مديحة تملك مقاييس الجمال تعتبر من الجميلات الشاشة المصرية، وأنها آجمل من كثيرات اخذت فرصتهن ووصلن الى البطولات المطلقة فى فترات قصيرة ومنهن من ظهرن بعدها، وطرحوا أسئلة الى عدد من المخرجين، وفوجئ بإجابتهم تؤيد وجهة نظرهم، يرون أن مديحة كامل تملك الجمال وموهبة فنية، وبعد ذلك يسألوهم لماذا لا تأخذ فرصتها فى السينما، وما دمت تتمتع بالجمال والموهبة والشكل السينمائى، وفجأة يتغير الحديث بيننا وتدير دفته الى إتجاه أخر.
والغريب أن مديحة مطلوبة فى التوزيع الخارجى من سبب أعمالها فى السنوات الماضية عبر أفلام الغير مصرية تصور بين دمشق وبيروت ينتجها الموزعون الذين يشترون الأفلام المصرية، فلماذا لم تأخذ فرصتها فى بلادها، حيث تتمتع بكل مقومات النجمة السينمائية شكلا وموضوعا
هل هو الحظ، يلعب دوره مع مديحة؟، لم يبتسم لها مرة واحدة دائما ويبتعد عنها كلما اقتربت منه، فقد لاحت لها عده فرص للقيام بأدوار البطولة بعد أن يرشحها المنتجون والمخرجون من اقتناع بقدراتها وامكانياتها وسرعان ما تذهب الترشيحات فى مهب الريح دون سبب واضح الا انه سوء الحظ وتعجب كثيرا حين تعلم ان هذا الدور اسند الى زميلة اقل منها كفاءة تقول هذا بلا غرور أو حقد على أحد لكنها تتعجب من موقف الحظ منها، وتقول لنفسها: مع ذلك انا مؤمنة وراضية بما أنا فيه لانة مؤمنة بالله ومؤمنة ايضا بأن كل مجتهد نصيب بمعنى اننى لن استسلم للحظ، واضح الفرص على نفسى، سأحاول خلق الفرص التى تتيح لى الانطلاق، واثبات جداراتى الفنية التى يحسها كل العاملين فى السينما
يقولون النقاد وصناع الأفلام أن سبب مشكلتها: فى بداية حياتها الفنية. لمعت مديحة، بدأ أسمها يتردد بسرعة، ثم فجأه اختفت مديحة كامل، وتركت الأرض اتى أكتسبتها فى السينما، وتزوجت من حقها أن تتزوج لكن ليس على حساب الفن، وبدأ اسم مديحة يختفى شيئا فشيئا حتى اختفت تماما ، كما اختفت فجأة ظهرت فجأة وبدأت من جديد وتحاول ان تكسب ارضاها التى تركتها لكن اختفاءها اعطى فرصة لممثلات غيرها وقفن على أرضها السينمائية فلما عادت لم تجد هذه الأرض وكان عليها أن تبدأ من جديد وبدأت وبتأثير وجوده السابق استطاعت ان تستعيد بعض أرضها لكن فجأه من جديد تختفى مديحة تركت قطعة الأرض من جديد التى كافحت من أجلها ومن جديد ظهرت ممثلات احتللن مكانتها التى تركتها لكنها عادت ايضا وكان عليها ان تبدأ من جديد ان تحاول استعادة وجودها الى اضاعته مرتين.
ربما ليس الحظ فقط حيث أكتشفت مديحة حكاية غريبة فقد ألتقت بطريق الصدفة بأحد المنتجين الذى ما كاد يراها حتى أقبل عليها مهنئا بسلامة عودتها من رحلتها فى الخارج وظهرت عليها علامات الدهشة لأنها لم تغادر مصر، فأكد لها المنتج أنه كان يبحث عنها ليسند إليها بطولة فيلم من إنتاجه، ولكن ما قيل له أن مديحة كامل خارج مصر.
وبعد أيام ألتقى بها أحد المخرجين فضرب بجبهته براحة يده وهو يسأل من اليوم الذى عادت فيه من الخارج ولما أكدت له إنها لم تغادر مصر صرخ متوعدا مساعده بالعقاب لأن أبلغه ان مديحة كامل غير موجوده فى القاهرة.
واهتمت باجراء تحريات دقيقة من مصدر هذه الإشاعة –اشاعه سفرها إلى الخارج- وأكتشفت أن انتشار هذه الكذبه أدى إلى ضياع عدد من الأفلام كنت مرشحة ببطولتها كما اسندت تحرياتها عن أن مصدر الأشاعة زميلة تظهر نحوها الود والحب، بينما تأكد لكل من يسأل عنها انها حزمت حقائبها وسافرت إلى الخارج ولم تحدد موعد عودتها.
رفضت ان تعاتب هذه الزميلة والصديقة وكذلك رفضت ان تشير إلى أسمها عن ما اسألها أحد المنتجين عن أسم مصدر الأشاعة، وقالت لبعض الاصدقاء ان هذه الأشاعة نبهتها إلى أن تأخذ حذرها من هذه الزميله.
ربما تحتاج مديحة الى مخرج مجنون ليعطيها فرصة حتى يثبت احقيتها لبطولة المطلقة مثلما فعل حسين كمال حين اصر على إسناد بطولة فيلم “نحن نزرع الشوك” الى محمود ياسين، قالوا انه يغامر وقالوا انه مجنون. اثبت حسين كمال انه العاقل الوحيد فبعدها اصبح محمود ياسين ورقة رابحة دائما، وهى تحتاج الى حسين كمال نفسه او حسين كمال آخر ولكن حتى يحدث هذا، يعلم الله ماذا سوف يحدث لها.
تقول مديحة حين يسألونها عن سبب التجاهل : الناس لم ينسوا دورى فى فيلم “فتاة شاذة” الذى كان يدور حول حياة كريستين كيلر عشيقة وزير الحربية البريطانى من هذا الدور انطلقت الادوار البطولة المطلقة قمت ببطولة “العقل والمال” امام اسماعيل ياسين ثم “30 يوم فى السجن” امام فريد شوقى ثم تزوجت وعندما عدت للسينما نحت الصخر لأخذ مكانتى، واستطعت أن أحقق جزء منها، فوقفت ثابته فى الأدوار الثانية لكن هذا ليس مكانى اننى اعطى جهدى لبطلات وضعتهن الصدفة والأمور الأخرى فى المقدمة مع أنهن بقياس الفن لا يساوين شيئا اننى أحترق فى دورى الثانى وهى ترتاح لتوضع فى رأس القائمة ويسمونها “نجمة شباك” كيف أفقد سنيدة لواحدة لا أستطيع أن اضعها فى سلك الممثلات، لأنها لا تعرف من الفن الا الأشياء الأخرى، والغريب اننى أجد مكانى خارج القاهرة فى بيروت مثلت بطولة أفلام فى نيجريا مثلت بطولة فيلمين وعندى عقود متعدده للعمل فى بيروت وتركيا بمستوى البطولة لكنى لا أريد، أريد أن أحذ بفرصتى فى بلدى، لابد أن أن نطلق من القاهرة فمنها ينطلق الفن الى كل مكان.
مديحة تحتاج إلى رعاية حقيقية لا تستطيع أن تمنحها سوى مؤسسة السينما انها مثلها عدد اخر ويحتجن فعلا الى هذه الرعاية ان تكون لهن دعاية وان يعطين فرصا حقيقية فى السينما ومن المؤكد انهن سيثبتن جداراتهن وهى جديرة بالبطولة.
لكن شعار الذى ترفعه مؤسسة السينما يتناقض مع شعار آخر يصرح به المسئولون فيها. الشعار الذى يعطلها هو عبارة شباك التذاكر. والشعار الذى يتناقض معه هو سياسة كشف الوجوه الجديدة ويجب ان تتحرر المؤسسة من سجن الموزعين الذين يتحكمون فى البطولات ويجب أن تملك جرأه لإعطاء الفرصة للوجوة الجديدة.
بالرغم مؤسسة السينما اعطت الفرص للوجوة الجديدة لكن بأسلوب خطأ فقد أحضرت فتيات من معهد سينما دون سابق خبره او اجتذبت فتيات من نادى الجزيرة دون سابق دراية اعتقد أن الأسلوب الأمثل هو تطوير الوجوه التى تقوم بالادوار الثانوية على أعتبار ان هذه الأدوار إمتحان لها، الوجوه التى قدمتها المؤسسة وجوه فجه، لم تنضج، لهذا فشلت، وتقولين: ان مؤسسة السينما ليست صادقة مع نفسها حين تتيح الفرص تتيحها لبنات النوادى غير ذوات الخبرة أو للجميلات لمجرد إنهن جميلات، والأولى بها ان تعمم اعواد من فى السوق وتعرف خبراتهن وتعطيهن فرصا بقدر تطورهن، فلما القت هذا القفاز تلقفته واحدة أو أخرى وكن حربا عليها لان السينما لا تتمتع حتى بأخلاق الغابة فى الغابة يشبع الاسد فلا يلتهم فريسته أهل الفن لا يشبعون.
ويسألون مديحة ما الذى يحكم توزيع الادوار اذن؟، وتجيب: يجى من يساومنى مخرج قالها لى لماذا أخذك بطلة لافلامى هل دفعت لى شيكا وهل سهرت معى ليلة واسمعى يا حالمة: الحياة تبادل منافع ومالم احصل منك على احد هذين الأمرين فلن تكونى بطلة افلامى. شئ أخر يحدث هو المناقضة الاجور ، أما عن الطريق رشوه مخرج بمبلغ هذا اذا كان الامر يتعلق بالقطاع العام، أو عن طريق تخفيض الأجر فى القطاع الخاص وأنا لا أقبل دفع الرشوه ولا تخفيض أجرى، لهذا لا اعمل الا نادرا التى تدفع تقوم بالادوار المتلاحقه وتكون النتيجة أن هذا الكم يخدمها فالظهور فى الافلام المتتابعه يفرض الاسم على الجمهور ولابد أن دورا من كل خمسة ادوار سيضيف اليها شيئا، اسمح لو صورتنى مائة صورة لا تجد بينها عشر صور رائعه أم لو صورتنى عشرة صور ربما تجد واحدة رائعه أو ام تجد أحيانا كثيرة تفكر مديحة فى الاعتزال، ويعذبا أن تلتقى بالناس الذى يحبون فنها فيقولون لك متى تقومين بدور بأدورا البطولة فتقولين لهم: قولوا هذا المسئولون عن الفن.
تقول مديحة لنفسها: أريد مخرجا مخلصا حتى يقدمنى بمكانتى التى استحقها واذا لم أكن كذلك اتمنى ناقدا موضوعيا ويقول لى اننى لا اصلح وساعتها ثق أننى سوف أترك السينما واتزوج واتفرغ لحياتى الزوجية ولقد منحت السينما عمرى وضحيت من اجلها بكل شئ وبقى ان تقدم لى بعضا مما قدمته لها.
بعد رجوع مديحة من لبنان حينما عادت الى القاهرة، اقبل عليها شباب معهد السينما دفعة من مخرجين جدد لهم رؤى فى الفكر والصورة والكلمة التى تقال، وهم يعرفون مديحة لانها لم تكن تبخل على طلبة السنوات النهاية ببطولات افلامهم القصيرة التى يتقدمون بها لامتحانتهم حيث تعاملت مع مخرجى جيل جديد فى أفلامهم الروائية الطويلة ولا ترفض التعاون معهم ايمانا منها بأنهم براعم مثقفة ستكون عملة جيدة تطرد العملة السيئة لا لم يكن غدا فبعد غد، قد قدمها على عبد الخالق فى فيلم “أغنية على الممر” فأحبت الشخصية وقصة الفيلم حيث يجيب على سؤال كيف كانت حياة المصريين قبل الحرب؟، وفى فيلم “ظلال على الجانب الاخر” دعاها غالب ثروت للبطولة، فقرأت السيناريو واعترضت على بعض مشاهده وطالبت بتعديلها ولم توقع العقد حتى تقرأ التعديل. هذا حقها غير انها فوجئت بالمخرج يدعوها الى التصوير قبل ان توقع العقد، فطلبته لكى تستجلى الموقف فقال لها: ما طلبتها من التعديل يجرى العمل فيه أما غدا فسوف نبدأ تصوير مشاهد أخرى لا خلاف عليها فاحبت صدق هذا الجيل الجديد ولو كان المخرج من الجيل القديم لا فكرعليه ان تضع شروطها أو تلمح بها فى نفسها.
كانت أسيرة فى دور الفتاة الشريرة، وكانوا المنتجون والمخرجين يتأملون ملامح وجهها، ويقولون: علامة استفهام محيرة تجعل شخصيتها مغلفه بالغموض، فاذا تأملت هذا الوجه عن قرب، فأنك لا تدرى اذا كان يضمر لك خيرا أم شرا؟، انها جميلة حقا، لكن هذا الجمال من النوع الشيطانى وليس الملائكى، يجعل أنسب الأدوار الشريرة المكروهة التى تمثل الجانب الانسانى السئ. وقامت بأفلام عديدة دور الفتاة الشريرة، والمثيرة واللعوب، والاستقراطية
أراد المخرجين حصار مديحة فى أدوار الاغراء حيث تتمتع من نضاره الشباب وروعة الجسد وسحر الأنثوى، وتجيب حين يسألونها لماذا صناع السينما يختارونا فى دور الاغراء: مخرجون السينما دائما يتأملونى بأن فتاة مثيرة وشبهونى بكلوديا كردنالى فى سخونة أدائها وكنت أخجل من أدوار الاغراء وأرفضها، ولكن مع مرور الوقت أدركت أن أداء هذا اللون ليس عيبا، ان الاصرار المخرجين على اسناد هذه الادوار لى يعتبر ميزة غير متوفرة فى غيرى من الممثلات لم أنها موهبة فلماذا لا أستغلها ولا اعتقد انه توجد ممثلة بعد هند رستم بالنسبة لى مثلى الأعلى ولست خلفيتها حيث لا يمكن الانسان أن يضع على جسمه جلد غيره، ولا يهم ان يكون عظيما مثله ولكن له شخصية واسلوب يختلف عنه.