يشيع البعض ان إعادة إنتاج نظام مبارك وهم، وأن الذين يرون ذلك واهمون، ويقول إن نظام مبارك سقط للابد والي غير رجعة، في محاولة منه للتدليس علي الرأي العام بأن ما يرونه غير صحيح، وهذا الذي كتب ذلك أحد المسئولين الشاغلين لمنصب مهم في الدولة!!
بطبيعة الحال فان مثل هذا الكلام من ظاهره صحيح ولكن الواقع يكذبه تماما، حيث ان الهدف من نشره يأتي في سياق تحسين صورة وغسل سمعة جزء من رموز مبارك الذين لا يزالون يتحكمون في المشهد بقوة المال الذي نهبوه من الشعب، وبقوة الإعلام المدلس والمزيف للوعي الجماهيري، وبقوة تمثيلهم في البرلمان حيث أتوا عبر البرلمان والقوانين المزيفة لهذه الانتخابات والتي تحدثت عنها قبل ان تبدأ الانتخابات البرلمانية بشهور في هذا المكان، وقبل ان يخرج علينا أصحاب المصالح الخاصة أمثال حازم عبدالعظيم وغيره بالحديث عن ذلك وكأنهم اكتشفوا ما لم نعرفه، ومقالاتي الـ «٢٥» في هذا المكان ومن يوليو الماضي شاهدة ولتحليل المزيد من ذلك، يمكن الاشارة إلي ما تستهدفه الثورات عادة، وثورة ٢٥ يناير خاصة، فالثورة هي علم التغيير، يقصد بها حركة شعبية جماهيرية واسعة النطاق منتشرة افقيا في ربوع البلاد، وتستهدف إسقاط النظام وتحقيق التغيير الجذري، وبدون ذلك فانه من لغو الحديث اطلاق الثورة علي ما حدث، بل يمكن تخفيض ذلك إلي حركة سياسية، أو حركة اجتماعية، أو انتفاضة جماهيرية، وقد شهدت مصر الكثير من ذلك في عهد السادات «١٨، ١٩ يناير»، وفي عهد حسني مبارك «أحداث الامن المركزي عام ١٩٨٦» حيث كانت الدولة من خلال أجهزتها الامنية أقوي، فمرت دون إسقاط النظام، ولا يخفي علي احد ان اغتيال السادات هو جزء من مخطط بديل عن الانتفاضة الشعبية التي من الممكن ان تصل إلي الثورة بعد الاعتقالات الجماعية في ٥ سبتمبر ١٩٨١، فكان الاغتيال بعد شهر واحد من هذه الأحداث.
اما ما حدث في ٢٥ يناير ٢٠١١م، فكان تحركا شعبيا واسعا في ميادين مصر كلها، تأكد في جمعة الغضب في ٢٨ يناير ٢٠١١م، محاكاة بنفس ما كان يحدث في تونس آنذاك حيث اتسعت المطالب إلي إسقاط النظام تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» ومن ثم فان شروط الثورة تنطبق عليها وهي «تحرك جماهيري واسع بهدف اسقاط النظام وإحداث التغيير الجذري». وبيت القصيد هو التغيير الجذري، حيث بدأت المؤامرات علي الثورة لتفادي حدوث هذا التغيير، وذلك بتحويله إلي تغيرات شكلية وإدارة المشهد باستهلاك الوقت علي خلفية ان الجماهير ستنسي وتتفاعل وتعلو الصيحات ومن خلفها رجال مبارك في كل مكان، بان الشعب تعب كثيرا، واستغلال فوضي الأمن، وكان الاعلام الحكومي والخاص متوحدين حول الهدف وهو الحيلولة دون إسقاط نظام مبارك بأي ثمن، ليستمر بقواعده ورموزه مع إخفاء بعض الرموز الظاهرة من علي السطح، والتظاهر ببعض السياسات والقرارات، وجميعها لم تغير من الأمر شيئا، حتي المحاكمات جميعها كانت ظاهرية ولتهدئة الجماهير الثائرة، وكما رأينا باستثناء آخر حكم بفساد مبارك وتزويره هو وأسرته، في قضية القصور الرئاسية، فان البراءة كانت للجميع، وأن رموز مبارك الذين سرقوا ونهبوا ودمروا البلاد، وخربوا التعليم والثقافة والاعلام طوال «٤٠» عاما، كانوا ملائكة وفوق الحساب. ومن اسف ان يخرج علينا أحد الوزراء ليقول ان لسوزان مبارك فضلا كبيرا علي الثقافة!! وقد تم تصدير مشهد الاخوان استيلاء علي السلطة بركوب الثورة التي لا علاقة لهم بها، مثلما كانت محاولة لتركيب السلفيين وأحزابهم ثورة ٣٠ يونيو فيما بعد. فماذا كانت النتيجة؟ ان استجمع الشعب قواه ليتحرك من جديد بثورة لاسقاط نظام الاخوان «الرئيس- الدستور- البرلمان/ الشوري». وتبدأ اجراءات جديدة برئيس ودستور وبرلمان، تحت قيادة الرئيس السيسي.
فالثورة المصرية تقوم لاسقاط نظام قائم، فأسقطت نظام مبارك في ٢٥ يناير، ثم قامت لاسقاط نظام الإخوان في ٣٠ يونيو، وهو ذلك النظام الذي تعامل مع نظام مبارك ولم يجد حرجا في استخدام آلياته حتي شعر بالخطر فأدرج في الدستور النص علي العزل السياسي، وهو ما لم ينص عليه بالعزل السياسي لنظامي مبارك والاخوان والمتأسلمين في دستور ٢٠١٤م!! الامر الذي قادنا إلي وضع «رقصت علي السلم، لا اللي فوق شافوها، ولا اللي تحت!!»، حيث نعيش أوقاتا عصيبة.. وهي أوقات اللاثورة!!
لذلك فقد كانت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في الذكري الخامسة للثورة، بلسما مهدئا للقوي الثورية حيث اعلن رسميا انحيازه لها، ليتوقف حديث إنها مؤامرة، ولكنها ضلت المسار. وفي تقديري بانه قد حدث تآمر عليها، فجاءنا برلمان أعرج أغلبه فلول مبارك، وعمره قصير بلا شك، لان الشعب مدرك لما حدث، واصبح امام الرئيس تحد في ترجمة طموحات الشعب في ثورتيه ٢٥ يناير باعتبارها أساس الشرعية، والمرجعية، إلي واقع فعلي بممارسات حقيقية، ومعها ثورة ٣٠ يونيو، الثورة مستمرة حتي النصر بإذن الله، ومازال الحوار متصلا.