رفعت الجلسة| قبل القطيعة

قبل القطيعة
قبل القطيعة

حاولت بكل الطرق تجنب المواجهة ، كثيراً ما تمنيت ألا  تأتى ، لكنها جاءت ..لذلك بحثت عن أوراق وكلمات تبرهن موقفى أمام ذلك الشخص الذى لايعرف شيئاً عن  الأبوة. 


كشفت للقاضى، لماذا لم انطق بكلمة أب ،طوال ١٠ سنوات  ماضية، واليوم لم يستطع لسانى نطقها ولو لمرة واحدة رغم انه امامى ولا يفصلنى  عنه سوى متر واحد.
 

داخل قاعة محكمة الأسرة بسوهاج كان لقائى الاول مع والدى الذى تركنى وامى منذ ١٠ سنوات ،وبحث عن إشباع رغباته ،ونزواته.


لم يكن لقاءً عابراً ،بل معلناً للجميع، بين ابن يطالب بإنفاق والده عليه وحقه فى الميراث ،واب يتجاهل كل معانى الأبوة ،وبينهما قاض يفصل بين الحق والباطل .


بمجرد أن رأيته، أدركت أن ذلك الشخص تغير كثيرا ، بات ضعيفا ، استولت الهالات السوداء على عينيه ،وتخلل المرض جسده ،.اصبحت السجائر متنفسه الدائم للتعبير عن غضبه وتوتره طوال فترة انتظاره القاضى .


لا أعلم وقتها ماذا حدث ، ما شعرت به اننى تعاطفت معه عندما رمقته بعينى من بعيد ، مازال عصبيا ،يهوى التحدث عن نفسه ،لكن رغم كل شىء لم تتركه مظاهر الثراء الفاحش الذى حرمنى وامى منه عشرات السنوات .


تذكرت وانا انظر اليه ،كيف كانت ايام الصبا معه ، لم تسعفنى ذاكرتى كثيرا ، فقد القتنى فى دائرة البؤس والمعاناة طوال فترة تواجد ذلك الشخص معنا ، لم يمر شريط الذكريات بيننا بيوم سعيد ، كانت معانات امى مسيطرة على ترددات حياتنا صعودا وهبوطا،وقسوة ذلك الشخص بمثابة الخوف الذى كان يطعمنا مأساة ويسقينا رعبا .


لم يشعرنى ذلك الشخص بالابوة ، كان قاسيا بالفعل ، بخيلا لاينفق جنيها واحدا على بيتنا ، رغم ثرائه الفاحش ، فقد ورث محاجر طوب ورمل وأراضى زراعية عن والده .


تعمد اهانة امى منذ ادركت معنى الحياة ، رفض علاجها ، تجاهلنى رغم اننى ابنه الوحيد ،قرر ان يحرمنا فجأة من كل مايملك ،تركنا واشترى بيتا اخر ، تزوج مرة واثنتين وثلاثة ،واكتفى بعد تدخل اهل الخير بالقاء عشرات الجنيهات على امى شهريا نظير الا يرى وجهها ،هكذا كان شرطه.


لا اعرف حتى هذه اللحظة سبب كره ذلك الزوج لزوجته ، رغم انها كانت تحبه وتخشاه ، الا انه كان دائما ما يسىء إليها ويهينها دون سبب .


كان يتكبر عليها، يعايرها بعائلتها الفقيرة، يتطاول بالسب على كل شخص يحاول التدخل والإصلاح بينهما، ورغم ذلك كانت أمى صابرة، محتسبة، مسامحة لزوجها رغم جبروته.


مرت الايام بصعوبة، حتى مرضت امى ،اصابها فيرس سى ، احتاجت الى اموال للعلاج ، رفض ذلك الشخص ،تحجج ان لها عائلة تنفق عليها ،وانه طلقها ولاتربطه بها اى صلة.


لم يكن أمامى خيار آخر، امى تموت أمامى ولا أستطيع فعل شىء، ذهبت وتوسلت إليه ، طردنى من البيت ، بحجة اننى رفضت العيش معه واخترت تلك السيدة المسكينة .


بعد ايام من المعاناة وقلة الحيلة ماتت امى ،لم تتحدث كثيرا قبل وفاتها ، اكتفت بوصية سريعه ،طلبت منى ان اتقرب من ذلك الشخص رغم معاناتها معه.
قالت «ليس لك احد سواه ،رغم قسوته الا انه ابوك ،ولن يتركك تضيع « .


صدقت امى فلم يعد لى احد غيره فى هذه الحياة ،ذهبت إليه ، تقربت منه، لكن ظل كما هو، عايرنى بأمى ، ثم تجاهل الرد على طلباتى بالعيش معه.


،عدت حزينا الى بيتى ،بعدها ، قررت السفر الى القاهرة ، عسى ان اتناسى المعاناة التى اعيشها كلما رأيت من كان فى يوم من الايام ابى .


سافرت الى العاصمة عملت فى اكثرمن مهنة،وكلما تقابلت مع عمال من بلدتى يتحسرون على حالى ،يضربون كفا على كف، ويتساءلون كيف اعمل هنا ،وابى يملك من المال مايجعلنى من اثرياء الصعيد .


لم يكن أمامى سوى التحمل، تجاهلت تعاطف الناس، وقررت مواصلة العمل ، مر عام ،بعدها أيقنت عدم قدرتى على الاستمرار ، قررت العودة الى بلدى ،ومقاضاة ابى للحصول على حقى منه ،بإلزامه بالإنفاق على، فأنا ابنه الوحيد انا الان انتظر حكم المحكمة ،ولست فى حاجة الى مرشد او وازع دينى يحدثنى عن طاعة ولى الامر،بل عليه ان يوجه نصائحه الى ذلك الشخص الذى رمانى وامى وعمرى لايتجاوز الـ١٥عاما.