دروس تربوية فى الحج

إخلاص العبادة والأخوة الإيمانية

إخلاص العبادة والأخوة الإيمانية
إخلاص العبادة والأخوة الإيمانية

كثيرة‭ ‬هى‭ ‬المقاصد‭ ‬التى‭ ‬تحققها‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬وتؤدى‭ ‬إليها‭ ‬مناسكها‭ ‬المتنوعة،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المقاصد‭ ‬ثمة‭ ‬مقاصد‭ ‬تغرس‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬المؤمنين‭ ‬أصولاً‭ ‬تربوية‭ ‬عميقة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬سلوكهم‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأصول‭ ‬االتعليق‭ ‬بالله‭ ‬وحده‭ ‬ونبذ‭ ‬ما‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬المعبودات‭.‬

فالحج‭ ‬يؤصل‭ ‬معنى‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬حاج‭ ‬فمنذ‭ ‬شروع‭ ‬الحاج‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الحج‭ ‬بلبس‭ ‬ملابس‭ ‬الإحرام‭ ‬وهو‭ ‬يؤكد‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬صلته‭ ‬بالله‭ ‬وحده‭ ‬ومرجعه‭ ‬إليه،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬معبود‭ ‬سواه‭ ‬يُعبد‭ ‬بحق‭ ‬فله‭ ‬يصرف‭ ‬جميع‭ ‬العبادات‭ ‬وإليه‭ ‬يتقرب‭ ‬بجميع‭ ‬الطاعات‭ ‬والقربات‭.‬

وإذا‭ ‬تأملنا‭ ‬باقى‭ ‬المناسك‭ ‬من‭ ‬طواف‭ ‬وسعى‭ ‬ووقوف‭ ‬بعرفة‭ ‬ورمى‭ ‬الجمار‭ ‬وغيرها‭ ‬لوجدناها‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬المعنى‭ ‬وتؤكد‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬اقُلْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬صَلَاتِى‭ ‬وَنُسُكِى‭ ‬وَمَحْيَاىَ‭ ‬وَمَمَاتِى‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬رَبِّ‭ ‬الْعَالَمِينَ‭.‬

ولترسيخ‭ ‬عقيدة‭ ‬التوحيد‭ ‬كان‭ ‬شعار‭ ‬الحج‭ (‬لبيك‭ ‬اللهم‭ ‬لبيك‭) ‬شعار‭ ‬التوحيد،‭ ‬فهى‭ ‬تربية‭ ‬للنفس‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬الله‭ ‬والإخلاص‭ ‬له‭ ‬ونبذ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬المعبودات‭ ‬الباطلة‭ ‬اإِنَّمَا‭ ‬الْمُؤْمِنُونَ‭ ‬إِخْوَةٌب‭.‬

فحينما‭ ‬يقصد‭ ‬الحجاج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬الدنيا‭ ‬مكاناً‭ ‬واحداً‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬واحدة‭ ‬ويؤدون‭ ‬منسكاً‭ ‬واحداً‭ ‬يتحقق‭ ‬فى‭ ‬النفوس‭ ‬أخوة‭ ‬الدين‭ ‬التى‭ ‬جمعتنا‭ ‬ينادى‭ ‬كل‭ ‬أخ‭ ‬أخاه‭ ‬ويحاكيه‭ ‬متذكراً‭ ‬تلك‭ ‬الأخوة‭ ‬التى‭ ‬عاشها‭ ‬أصحاب‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬حين‭ ‬قدم‭ ‬المدينة‭ ‬مهاجراً‭ ‬فآخى‭ ‬بين‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأنصار‭ ‬فتحقق‭ ‬بذلك‭ ‬أخوة‭ ‬الدين‭.‬

ولنتأمل‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬اإِنَّمَا‭ ‬الْمُؤْمِنُونَ‭ ‬إِخْوَةٌب‭ ‬تلك‭ ‬الرابطة‭ ‬التى‭ ‬ارتضاها‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬لأهل‭ ‬الإيمان‭ ‬وهى‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أخوة‭ ‬النسب‭ ‬فما‭ ‬أجمل‭ ‬تلك‭ ‬الأخوة‭ ‬وما‭ ‬أسماها‭ ‬لأنها‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬فالمحرك‭ ‬والدافع‭ ‬لها‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭.‬

ولنتذكر‭ ‬وصية‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الاَ‭ ‬تباغضوا‭ ‬ولاَ‭ ‬تحاسدوا‭ ‬ولاَ‭ ‬تدابروا‭ ‬وَكونوا‭ ‬عبادَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إخوانًا‭.‬

التعارف

فى‭ ‬الحج‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬المعنى‭ ‬الرفيع‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬الله‭ ‬بذلك،‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭: ‬ايَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُم‭ ‬مِّن‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنثَى‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَكْرَمَكُمْ‭ ‬عِندَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَتْقَاكُمْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلِيمٌ‭ ‬خَبِيرٌ‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬اللغات‭ ‬والأوطان‭ ‬والمشارب‭ ‬فالتعارف‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬أسباب‭ ‬الألفة‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬الإسلام‭.‬

اغرس‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬والأخلاق‭ ‬الحميدة‭.‬

الحج‭ ‬مدرسة‭ ‬الأخلاق‭ ‬وميدان‭ ‬تربية‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬معالى‭ ‬الأخلاق،‭ ‬والتباعد‭ ‬والتجافى‭ ‬عن‭ ‬سىء‭ ‬الأخلاق‭ ‬ورديئها‭.‬

يحدوه‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬خلق‭ ‬سيد‭ ‬البشر‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬مناراً‭ ‬لكل‭ ‬حائر‭ ‬فى‭ ‬ظلمة‭ ‬الأخلاق،‭ ‬مستشعراً‭ ‬تلك‭ ‬النداءات‭ ‬النبوية‭ ‬والوصايا‭ ‬الإيمانية‭ ‬بالتخلق‭ ‬بكريم‭ ‬الأخلاق‭ ‬والاتصاف‭ ‬بجميل‭ ‬الطباع‭.‬

فعن‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهما،‭ ‬قال‭: ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭: ‬اإن‭ ‬من‭ ‬خياركم‭ ‬أحسنكم‭ ‬أخلاقاً‭.‬

وعن‭ ‬أبى‭ ‬الدرداء‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلي‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬اما‭ ‬من‭ ‬شئ‭ ‬أثقل‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الخلق‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬والأخلاق‭ ‬التى‭ ‬نستقيها‭ ‬من‭ ‬الحج‭ ‬صفة‭ ‬الصبر‭ ‬والحلم‭ ‬والرحمة‭ ‬والشفقة‭ ‬والإيثار‭ ‬والتعاون،‭ ‬وهذه‭ ‬الصفات‭ ‬وغيرها‭ ‬تغرسها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الحج‭ ‬وتنبذ‭ ‬القبيح‭ ‬والردىء‭ ‬والسىء‭ ‬من‭ ‬الأخلاق،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬االْحَجُّ‭ ‬أَشْهُرٌ‭ ‬مَّعْلُومَاتٌ‭ ‬فَمَن‭ ‬فَرَضَ‭ ‬فِيهِنَّ‭ ‬الْحَجَّ‭ ‬فَلَا‭ ‬رَفَثَ‭ ‬وَلَا‭ ‬فُسُوقَ‭ ‬وَلَا‭ ‬جِدَالَ‭ ‬فِى‭ ‬الْحَجِّ‭.‬

المصدر : اللواء الإسلامي