كثيرة هى المقاصد التى تحققها فريضة الحج وتؤدى إليها مناسكها المتنوعة، ومن بين هذه المقاصد ثمة مقاصد تغرس فى نفوس المؤمنين أصولاً تربوية عميقة، يجب أن يظهر أثرها على سلوكهم فى الحياة بشكل عام.. ومن أبرز هذه الأصول االتعليق بالله وحده ونبذ ما سواه من المعبودات.
فالحج يؤصل معنى مهم فى قلب كل حاج فمنذ شروع الحاج فى بداية الحج بلبس ملابس الإحرام وهو يؤكد فى نفسه صلته بالله وحده ومرجعه إليه، وأن لا معبود سواه يُعبد بحق فله يصرف جميع العبادات وإليه يتقرب بجميع الطاعات والقربات.
وإذا تأملنا باقى المناسك من طواف وسعى ووقوف بعرفة ورمى الجمار وغيرها لوجدناها تؤكد ذلك المعنى وتؤكد على حقيقة قول الله تعالى اقُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ولترسيخ عقيدة التوحيد كان شعار الحج (لبيك اللهم لبيك) شعار التوحيد، فهى تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له ونبذ كل من سواه من المعبودات الباطلة اإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌب.
فحينما يقصد الحجاج من كل بلاد الدنيا مكاناً واحداً فى وقت واحد على هيئة واحدة ويؤدون منسكاً واحداً يتحقق فى النفوس أخوة الدين التى جمعتنا ينادى كل أخ أخاه ويحاكيه متذكراً تلك الأخوة التى عاشها أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والتى كانت من أول الأعمال التى قام بها حين قدم المدينة مهاجراً فآخى بين المهاجرين والأنصار فتحقق بذلك أخوة الدين.
ولنتأمل قول الله تعالى اإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌب تلك الرابطة التى ارتضاها الله عز وجل لأهل الإيمان وهى أقوى من أخوة النسب فما أجمل تلك الأخوة وما أسماها لأنها قامت على أساس هذا الدين فالمحرك والدافع لها هو هذا الدين.
ولنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم الاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا ولاَ تدابروا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا.
التعارف
فى الحج يتحقق ذلك المعنى الرفيع كما أخبر الله بذلك، فقال تعالى: ايَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وإن اختلفت اللغات والأوطان والمشارب فالتعارف من أكبر أسباب الألفة بين أهل الإسلام.
اغرس كثير من الصفات والأخلاق الحميدة.
الحج مدرسة الأخلاق وميدان تربية النفس على معالى الأخلاق، والتباعد والتجافى عن سىء الأخلاق ورديئها.
يحدوه فى ذلك خلق سيد البشر صلى الله عليه وسلم الذى كان مناراً لكل حائر فى ظلمة الأخلاق، مستشعراً تلك النداءات النبوية والوصايا الإيمانية بالتخلق بكريم الأخلاق والاتصاف بجميل الطباع.
فعن عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اإن من خياركم أحسنكم أخلاقاً.
وعن أبى الدرداء رضى الله عنه عن النبى صلي الله عليه وسلم قال: اما من شئ أثقل في الميزان من حسن الخلق.
ومن أهم هذه الصفات والأخلاق التى نستقيها من الحج صفة الصبر والحلم والرحمة والشفقة والإيثار والتعاون، وهذه الصفات وغيرها تغرسها كثير من أعمال الحج وتنبذ القبيح والردىء والسىء من الأخلاق، كما قال تعالى: االْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ.
المصدر : اللواء الإسلامي