مناقشة «فوق الجاذبية» لـ أحمد الشدوي بمكتبة القاهرة الكبرى

 مناقشة رواية «فوق الجاذبية» لـ أحمد الشدوي بمكتبة القاهرة الكبرى
مناقشة رواية «فوق الجاذبية» لـ أحمد الشدوي بمكتبة القاهرة الكبرى

 

ناقشت مكتبة القاهرة الكبرى رواية «فوق الجاذبية» للكاتب السعودي أحمد الشدوي في حضور كوكبة من الشعراء والأدباء، تحدث خلالها كل من النقاد الدكتور أحمد فرحات والدكتور حسام عقل والدكتور إيهاب عبد السلام والدكتورة زينب أبو سنة، والشاعر المهندس ياسر أنور، وأدلى الحضور بعدد من المداخلات التي أثرت الندوة.

بداية يقول الدكتور أحمد فرحات، الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: «يولد السرد في رواية فوق الجاذبية للروائي السعودي أحمد الشدوي من لحظة بينية شديدة التعقيد والدلالة، إذ ينطلق من بؤرة التوتر الكلي فهو يبدأ مشهده من نقطة اشتعال الحدث من ذروته، يقذفها إلى متلقيه في حيرة وتوتر، ثم يعود لينسج الأحداث بتوال دقيق يبدو فيه المشهد غامضاً بل ملبساً، حيث يمثل حدثاً أو إضافة ما لينمو معها السرد، في تتابع مثير، فما عليك إلا أن تتصور الجملة الأولى في الرواية أو في المشهد المتوتر، حيث تجمع بين ثلاث شخصيات يلفهم الغموض: أدخل خالد الكبسولة حين كانت رؤيا توشوشه في أذنه بكلام لم يفهمه جيمس.. فأنت أمام بداية متوترة معقدة منذ الوهلة الأولى، يأخذك فيها الشدوي إلى عالمه الفضائي الرحب، عبر شخصيات ثلاث تتصارع جميعا في همس وصمت».

 

ويضيف فرحات:« ويزداد الأمر توترًا وتعقيدًا بظهور شخصية رمضان وهراوته التي تعلن الذب عن خالد ورؤيا ضد أي أذى يصيبهما، فهو شخصية عجيبة بكل ما تحمل الكلمة من دلالات، رجل ليس له صورة، فقط خارطة تختفي بمجرد وصوله من سراديب مرتبكة، له صورة غير فيزيائية، اشتهر بهراوته التي يدافع بها عن نفسه ضد أعداء الخير، وهو شخصية مساعدة لرؤيا وأهلها، ولخالد ومواقفه التي يقع فيها في حاجة إلى مساعدة». 

 

وحول البناء الفني قال د. أحمد فرحات: «يتميز البناء الفني للرواية بالمراوغة في استخدام النسق الدائري ظاهريًا، وفي داخله يعتمد النسق المتداخل، حيث تبدأ الرواية من نقطة ما ثم تعود في النهاية نفسها التي بدأت منها، ففي الفصل الأول يدخل خالد الكبسولة وتوشوشه رؤيا بكلام لم يفهمه، وفي الفصل الأخير يستكمل الروائي السرد، من النقطة التي بدأ منها، والبناء الدائري يعنى أن الأحداث تكون دائرية البداية والنهاية، ويعد هذا النسق من أحدث الأنساق البنائية وأقلها استعمالاً في الوقت نفسه، أما النسق المتداخل الذي نرجح اعتماد الشدوي عليه فهو يمثل تطوراً في أسلوب القص لأنه ينطوي على نوع من التعقيدات لما يتطلب من انتقال من فكرة إلى أخرى، مع تداخل أكثر من صوت وامتزاجها بالأمر الذي يحتاج معه إلى قارئ فطن أيضاً يمكنه أن يعيد ترتيب الأشياء في ذهنه بعد أن يستوعبها ويدركها، وقد جاء هذا الضرب المتداخل كرد فعل لهيمنة البناء المتتابع الممل».

 

وأضاف «ومن الجلي أن الشدوي اعتمد النسقين معا، بدأ دائريا، ومتداخلا معا في آن واحد. فكثير من الأحداث جاءت متداخلة، ويرجع فيها بالزمن إلى الماضي ثم يستشرف هول المستقبل، ثم يعود إلى نقطة البدء في الحاضر الراهن، فتداخل الزمن خادع ومراوغ يذهب بك بعيدا، وفي الوقت نفسه يستحضر المستقبل الغامض، ثم يعود بك إلى اللحظة التي يزن فيها الأحداث بعبقرية فذة، وهذا يتطلب قارئا واعيا مدركا الأحداث وتتابعها بذهن متقد. ولهذا أكرر دائما أن الشدوي روائي نخبوي، ينتقي جمهوره بعناية، أما الجمهور الذي يرغب في تسلسل الأحداث وتتابعها بشكل نمطي، فلن يجد عند الشدوي ضالته».

 

وقال«يتعمد الشدوي التشويق والإثارة عن طريق تأخير عودة الضمير إلى الاسم الظاهر ، حدث هذا مع رؤيا ، كريستينا، رمضان، .. فما عليك إلا أن تقرأ عن طريقة تقديمة للشخصية البطلة رؤيا، فإنك ستقرأ صفحة واثنتين وثلاث صفحات حتى تصل إلى المراد من الضمير، فيقول عن رؤيا حملت الحقيبة ولم تلتفت إلى مكاتب تأجير السيارات، خرجت من البوابة مع شروق الشمس... كل هذه الضمائر لم تعد إلى الاسم الظاهر إلا بعد ثلاث صفحات من استخدام الضمير، عندما قال: كبرت رؤيا فأصبحت جميلة بيضاء.. قياسا على ذلك تجد كل شخصيات الرواية ذات غياب المرجعية الضمير، فهي تبدأ بغموض متعمد، رغبة في الإثارة والتشويق».

 

وأوضح فرحات أن هناك لقطات مكثفة تتوالى كتداعيات رمضان وهو يمر شريط ذكرياته عبر رؤيا وخالد، فيكشف لك عن ملامح شخصيته الفيزيائية والنفسية، فهو شخصية أشبه ما تكون بالعجائبية، وقد وظفه الشدوي توظيفا فنيا لإضفاء لمسة أسطورية على حياة العرب، وأنهم يؤمنون بالأساطير وقوتها على سلوكهم الذاتي.

 

وإيغالا في التشويق والإثارة والغموض عند الشدوي يستخدم حدثا سرديا ذا نزعة علمية خالصة، فانتقى علم الفضاء ميدانا لأحداث روايته، وهو ميدان علمي يتطلب مزيدا من التفاصيل العلمية التي جعلت الشدوي يقرأ كثيرا حول موضوعه ليقدم للقارئ زادا معرفيا دقيقا يقنع به المتلقي النخبوي، حيث قدم لمتلقيه معلومات معرفية تدل على قراءاته واطلاعه الذي استمر طويلا، فالفرق بين الشبورة آخر عمل روائي للشدوي وفوق الجاذبية يقارب سبع سنوات قضاها في القراءة والاطلاع في موضوعه. 

لغة الرواية هي مزيج من الألفاظ السردية السريعة المتعاقبة، والألفاظ الشعرية التي تعتمد الخيال والمجاز والتشبيه انظر ص 35 فقرتين مختلفتين لغة ..

 

قالت: هيا بنا نقوم من هنا ثم ضحكت وتابعت الكلام، لم أسمع عن نزهة مثل هذه التي قمنا بها فوق ركام المنازل.

أحيانا تسير الأمور مقلوبة، وفي أحيان أخرى تسمع هوة الشقاء حتى لا تتعرف فيها عن الجهات، كمن توسط البحر.

ففي الفقرتين السابقتين تتراءى أمامنا لغة سردية بامتياز في الفقرة الأولى، ولغة شعرية خالصة في الفقرة الثانية، لغة ممزوجة بالمجاز والتشبيه والاستعارة، أما الفقرة الأولى فهي لغة سردية خالصة جاءت فيها الألفاظ مطابقة لمعانيها».

 

وحول اللغة قال د. فرحات:« حدة اللغة الخاصة التي ازدحمت بها الشبورة (رواية سابقة للشدوي) قد خفت إلى حد كبير، فلم نعد نقرأ لغة أهل الباحة البدوية، إلا في النزر اليسير، مع الحفاظ على هوية الكلمة العربية، فكلمة مثل بُرْغِيّ، وهراوة، والعرضة كلمات بدوية عربية فصيحة، لكنها غير مستعملة إلا في الباحة وبعض مناطق الخليج العربي والمملكة. ويتعامل ميخائيل باختين مع النص الروائي بوصفه لغة تعبر عن لهجات المجتمع وأصوات أبنائه، بل إنه لا يجد في النص سوى هذه اللهجات والأصوات التي تنقل الصراع الدائر بين طبقات المجتمع إلى ساحة الخطاب الروائي؛ فالرواية حسب رأيه ليست سوى محاكاة للصراع الطبقي أو تجسيم له عن طريق اللغة . لا يبالغ الشدوي في تأثر لغته بالقرآن الكريم فتجد صدى لألفاظ القرآن في لغته، كالجنة والنار والقيامة والرسول والوحي .. وهي لا تخفى عن القارئ العادي، لها رؤية مختلفة في الموت والحياة والقيامة والعذاب، تؤمن بالإله وبالرسول مع اختلاف في الوحي وفي تفسير بعض المؤولين للموت والحساب والقيامة والجنة والنار..ص 58..فأرعبها أن تكون أمها بين يدي رمضان يسومها ضربا.. ص6.. أن يدير رأسه ليرى كل الكواكب في قبضته.. ص247»..

 

وقال الدكتور أحمد فرحات بقوله:« العتبة الكبرى للرواية تتمثل في عنوانها العريض(فوق الجاذبية) لعلك تلحظ أن ما فوق الجاذبية عنوان ناقص عن عمد، فالمفترض أن يقول فوق الجاذبية الأرضية، والمحذوف هنا هو الأرض، والأرض لا تدل على مضمون النسيج الروائي، إذ المراد هو ما يدور في الفضاء/ السماء وليس الأرض، وجاء الحذف هنا إيغالا في المخاتلة والمرواغة، فالذي ترمي إليه الرواية ما يدور في الأرض من صراع بين الحضارات، حضارة ترى نفسها فوق البشر، وحضارة مستمسكة بالقيم والأخلاق رغم فقرها العلمي، وتخلفها عن ركب الحضارة الغربية البراقة. وهي على لا شيء من القيم والمبادئ الأخلاقية.

 

واختتم:« أما العتبات الصغرى في الرواية فهي اقتباسات شائعة من هنا وهناك، منقولة نقلا مباشرا وليست نابعة من قلب العمل السردي نفسه، صحيح أنها دالة على محتوى الفصل الموضوعة له، لكنها فقدت بريقها بكثرة استعمالها هنا وهناك على شبكة التواصل الاجتماعي، فجاءت فاترة قلقة في موضعها الذي وضعت له. وما أغنى الرواية بعبارات تصلح للغرض نفسه، وهي كثيرة في ثنايا النسيج الروائي، ومن صلب الراوي نفسه، فهي ابن شرعي له، وتكون صادقة معبرة.

يبقى أن أشير إلى نظافة الرواية من الإسفاف والإشارات الجنسية الفجة، فبدت ناصعة البياض غير ملوثة بمشاهد ساخنة، وهذا تطور ملحوظ في كتابات الشدوي عموما».

 

 

الناقد الدكتور حسام عقل أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس يقول: «الشدوي روائي متميز يشق طريقه بتؤدة وصمت دون ضجيج، وتساءل أين أحمد الشدوي من خارطة الرواية السعودية؟»

 

ويجيب عقل: «أحمد الشدوي يريد أن يحفر مجرى في الرواية السعودية، وقد قنص عدة عصافير وأطل علينا بوعي، وكيف يتعانق القلم والفن والعلم والدين؟، فالرواية في جزء كبير منها خيال علمي وليس أدب الفانتزايا، فالخيال العلمي يحترم العلم ويبني عليه، فالبطل «خالد» يبحث عن قيم الفن والاستنارة، والبطلة رؤي ذهبت إلى وكالة ناسا رمز العلم، وهما معا تمازجا بين الفن والعلم، عمل الشدوي على عدة رمزيات، قال الراوي:«ذهبت إلى الشمس في عقر دارها» فالعمل قلب بأحمد الشدوي الطاولة، فقد كسر أفق التوقع ولم تخرج الرواية من نفس المعبر الذي خرجت منه رواية الشبورة، وحلّقت وطافت في كل مكان، واختيار البحث عن اللوحة الوحيدة لدافنشي ليس مجانيا، وشخصية رمضان «الشخصية» هل هو شخصية حقيقية، أم شخصية رمزية، ورمضان بهرواوته يدل على العدالة وهو الذي يعيد الحق إلى أصحابه، ومنصة العلم تبدأ بخيال لاهب، لا بمختبر».

 

وأوضح عقل أن جزء من الرواية خيال علمي، وفيها جزء من أدب الجاسوسية، والأنواع الأدبية تنفتح وتتداخل من نوع إلى نوع بتعدد الولاءات النوعي، والخاتمة في الرواية وردية هادئة، حيث يعود الحبيبان، ويرفض الجميع، وهذا ما يريده الكاتب، ليؤكد أن السلام قادم والصراع سينحل، فالبداية البداية خالد داخل كبسولة فضائية والنهاية إنقاذ رؤية من تصفيتها.

واختتم عقل بقوله: «الرواية مكتوبة من حمولة فكرية لمتأمل يتعامل معها بعمق وهذا أرشيفا مشرفا، خاصة وأن رسم الشخصيات جاء بعناية وإجادة في اللغة، وإجادة استخدام الومضات الفكرية، ونستطيع القول أن الرواية إدانة للموقف العلمي العربي، فهي بيان دفاعي عن العقلية العربية ضد العنصرية.

 

الشاعر الناقد الدكتور إيهاب عبد السلام يؤكد أن الرواية فارقة وتثير الدهشة والتساؤلات وهى تدور حول أين نحن من هذا العلم، وهل يمكننا أن نجاريه ويكون لنا مشاركة في البحث العلمي؟ هذا ما أراد أن يقدمه الكاتب، وقد اطلع على أحدث ما وصل إليه العلم.

وأضاف عبد السلام أن الإهداء في الرواية جاء إلى الأبطال الحقيقيين ليدل على أن الرواية حقيقية، وأراد أن يقول إننا نقدر على اللحاق بالعلم الحديث وذلك سيتحقق عن طريق المجد العربي، عن طريق رمضان الحاضر الغائب، موضحا أن الرواية أجابت عن تساؤل مهم وهو: هل لو أرادنا العلم نطوي صفحة الدين؟ وفي الرواية الأمر مختلف، وأنه يجوز المزاوجة بين العلم والدين.

 

واختتم عبد السلام أن فكرة الخيال العلمي كانت تدور في محدودية، أما في الرواية ففيها العلم والخيال العلمي والفانتازيا والرومانسية، والتى استطاع من خلال كل هذا كتابة الرواية بشكل رائع.

أما عن لغة الرواية أوضح عبد السلام أن الشدوي مزج بين السرد ولغة الشعر ففي صفحة 50 مثلا تجد قصيدة نثر متكاملة الأركان.

 

الشاعرة والناقدة الدكتورة زينب أبو سنة تؤكد أن الرواية مغايرة لما كتبه الشدوي من قبل، وفيها مزيج من أشياء كثيرة، فشخصية رمضان مثلا هي «الحق» أرى ذلك حين ظهر لخالد في مقهى في إيطاليا وضربوه وركلوه ثم دخل البوليس، لافتة إلى أن الكاتب قرأ كثيرا في النظريات العلمية، فيقول مثلا:« الكي بالتبريد» ثم يتحدث عن نظرية الانفجار العظيم، ثم التوسع في الأرض، فمن يكتب في العلم والتاريخ يجب أن يقرأ وهو فعل ذلك وظهر جليا في الرواية.

 

الرواية بشكل عام جديرة بالجوائز العالمية، فالكتاب يكتبون من الأحداث، أما الشدوي فقد تجاوز هذا وكتب في منحى آخر بطريقة مبهرة فبدأ بنهاية الرواية وهى أشد ما يكون خطرا على الكاتب إذ لم يكن متمكنا.

 

الشاعر والناقد المهندس ياسر أنور يقول: « رواية «فوق الجاذبية» هى رواية  التجديد السردي والموضوعي، فبعد روايته الأولى «الشبورة» يفاجئنا الكاتب برواية جديدة ، يمكن أن نطلق عليها رواية (كسر النمط) ورواية (كسر المألوف)، فمع  هذه الموجات المتتالية من الإصدارات الروائية بامتداد العالم العربي، أصبح السؤال المطروح : هل هناك جديد؟ ، لقد أصبحت مهمة الروائيين والمبدعين عموما مهمة شاقة في البحث عن بصمتهم الخاصة في ظل ذلك التشابه بين كثير من الإصدارات. وهذا الجديد الذي ينتظره القارئ والناقد العربي إما أن يكون على مستوى الموضوع أو البناء السردي، والمدهش في تلك الرواية أنها جمعت بين المستويين معا، فهي رواية جديدة على مستوى البنية والموضوع».

 

وأضاف أنور:«بعيدا عن العنوان(فوق الجاذبية) الذي يمكن أن يشير إلى تلك الظاهرة الفيزيائية أو الكونية (الجاذبية الأرضية) أو جاذبية الأشخاص في أحد دلالاته المقبولة أيضا، فالرواية تقدم رؤية كونية على المستوى الحضاري و الفيزيائي معا، فأبطال الرواية الحقيقيون الذين يهديهم المؤلف عمله وهم (روح رمضان – همة خالد – رؤيا فخر بنات العرب) هم الشخصيات الرئيسة في الرواية، وربما أراد المؤلف بهذا الإهداء أن يضع لافتة تحذيرية أمام النقاد كي يبتعدوا عن تصنيف ذلك العمل بأنه خيال علمي أو science fiction، ومع ذلك، فنحن سنحترم تلك اللافتة التحذيرية، لكننا أيضا يمكن أن نقول إن تصنيفها بأنها رواية خيال علمي هو أمر مقبول، لأن فكرة الخيال العلمي لا تعني أنها نوع من الفانتازيا Fantasy  ولا الشطحات العلمية، بل تعني أنها تنطلق من قضايا علمية كبرى وتحاول أن تضيف إليها أو حتى تقدم بديلا علميا لها».

 

 وقال أنور:« أدب الخيال العلمي هو الذي منح الروس التفوق الفضائي على الأمريكان الذين استيقظوا صباح يوم 4 أكتوبر عام 1957 على صاعقة الرحلة الفضائية الروسية سبوتنيك، فما قدمه الأدباء الروس في إبداعهم كان ملهما للفيزيائيين في تحويل الخيال إلى حقيقة، وهو يذكرنا بتجربة أدبية مشابهة حيث اتهم بعض الباحثين أينشتاين أكبر عالم فيزياء على مدى التاريخ بأنه لص أفكار plagiarist  وأن نظريته النسبية العامة ما هي إلا تأثر بالعمل الأدبي الشهير يوريكا Eureka  للأديب الأمريكي إدجار ألان بو الذي تناول فيها فكرة اتساع الكون(تأثرا بما ورد في القرآن الكريم). ومع ذلك فإنه يمكن أيضا أن نحترم تحذير المؤلف للقارئ كي يستبعد فكرة الخيال العلمي، واعتبار أنها رواية مغامرة علمية وروحية، ويمكن قراءتها باعتبار أنها رواية استنهاض الروح العربية، واستعادة الثقة بالعقل العربي حيث استطاعت بطلة الرواية رؤيا سعود السعدي من إثبات صحة فرضياتها أو نظريتها الكونية الكبرى من خلال عملها في وكالة ناسا الأمريكية.

واختتم «رؤيا تلك الفتاة السعودية الجميلة (فوق الجاذبية أيضا) لا تتخلى عن هويتها وإيمانها بل هي ترى الله أمامها في كل حركاتها وأنفاسها، وتريد أن تثبت أنه لا تعارض بين العلم والدين وحتى الخرافة، فكل هذه الأشياء هي تعبيرات مختلفة عن شيء واحد هو الحقيقة الإلهية بتجلياتها المختلفة، وتريد أيضا أن تثبت أن القيامة والجنة والنار ليست قضايا غيبية تكسر قانون الفيزياء بل هي تحولات طبيعية تعمل في إطار قوانين الفيزياء ، وهي مراحل كونية تخضع للعلاقات الكونية الكبرى، ومع ذلك فرؤيا لها نظرياتها الخاصة.

 

فهي لا تؤمن بنظرية اتساع الكون بل بدورانه ، وهذا الدوران سبب تشوشا لعلماء الفيزياء فتوهموه اتساعا.، وهي نظرية مهمة بلا شك تناولها العالم النمساوي كيرك جودل من قبل، وتناولها العالم الأمريكي الأشهر هالتون آرب حديثا. ومن ناحية أخرى فإن خالد ذلك الشاب السعودي أيضا والفنان التشكيلي الذي يبحث في إيطاليا وفق فرضيته الخاصة عن لوحة يتيمة لدافنشي من أجل رسالته للدكتوراه.

 

 وبعد أن يعجز عن إثبات تلك الفرضية (الفنية)، يرى مصادفة في أحد المعارض الفنية لوحة عن شخص يشبه رمضان الذي يمثل بالنسبة لخالد قيمة روحية وإنسانية كبيرة، ويتساءل خالد عن صاحبة تلك اللوحة وكيف ترسم ذلك الشخص أو الشخصية الخاصة جدا في حياة خالد، وكيف استلهمت رمضان؟، فتحولت أطروحته للدكتوراه إلى أطروحة البحث عن صاحبة اللوحة الغامضة والتي يتضح أنها لرؤيا سعود السعدي أشهر باحثة في جامعة هارفارد، ويبدأ رحلته في الوصول إلى رؤيا.

ومع الصفحات التالية تتضح شيئا فشيئا ألغاز ذلك المشهد الافتتاحي الأسطوري للرواية والذي يتحدث عن شخصيات خالد ورؤيا في كبسولة فضائية تحلق فوق كوكب عطارد في عقر دار الشمس، وهناك يصدم خالد بحروف (كونية) هي الراء والميم والضاد والألف الذي يشبه الهراوة ثم النون، في تداخل غريب بين الصوت والصورة وهو مشهد أقرب إلى الفانتازيا والأسطورة يستطيع الكاتب بقدرته الفنية على التلاعب بمشاعر قارئه تصويرا وسردا ووصفا وغموضا، حيث  يتوه القارئ بين  تلك الشخوص التي لا يعرفها والتي يكشف عنها المؤلف تدريجيا خلال صفحات الرواية المتعاقبة ليكتشف القارئ كيف اجتمع كل هؤلاء الأشخاص المختلفين ثقافة  وعرقا ودينا في سفينة فضاء واحدة، فهناك السني والشيعي والإفريقي والصيني و الأوروبي في ملحمة كونية كبرى من أجل سبر أغوار الكون.

 

ثم نفاجأ أن هناك مشارب ومآرب مختلفة لكل واحد  منهم على حدة ، فرؤيا تريد أن تثبت أن الدين والعلم وجهان لعملة واحدة، وتوماس وجيمس يريدان إثبات تحقق نبوءة  جدة العرافة البلغارية فانجا، وخالد يريد أن يكون بجوار حبيبته رؤيا، وهكذا يجتمع الحب والدين والعلم والخرافة على سفينة فضاء واحدة. ومع ذلك فهناك مافيا علمية داخل وكالة ناسا لا تسمح بتجاوز الخطوط العلمية الحمراء لكن رؤيا الفتاة العربية تنجح  في تجاوزها، ما دفع الوكالة إلى اتخاذ قرار اغتيالها لأن نظرية رؤيا تثبت خطأ النظريات العلمية السائدة التي تتبناها وتروج لها وكالة ناسا.

 

استطاع الكاتب ببراعة أن يقدم تقنيات مختلفة للزمن داخل الرواية، حيث استخدم في المشهد الافتتاحي تقنية الزمان المستقبلي  Flash forward الذي يعني أن بداية الرواية هي نهايتها، وهي تقنية محفوفة بالمخاطر، ولا يجيدها إلا المحترفون، لأنها (تحرق) العمل من بدايته، وتقضي على عنصر التشويق الدرامي  Suspense الذي يفترض أن يصل إلى الذروة مع  النهاية لكن المؤلف ببراعته استطاع أن يحافظ على ثبات ذروة العمل الدرامي من بدايته إلى نهايته وحتى آخر كلمة في الرواية من من خلال التداخل الزمني  overlapping of time، والتنقل بين الشخصيات و الأماكن ، وكأنها تبدو متناثرة بلا رابط  ثم يجدل بينها في تلاحم درامي بارع .

الرواية تمثل إضافة حقيقية للإبداع العربي في مشهد إبداعي يغلب عليه النمطية والتشابه

 

وفي كلمته قال الكاتب أحمد الشدوي إن الكرم المصري لا يعادله كرم، والفرق بين المصري وغيره سواء كان متعلمًا أو غير متعلم، فلديه جينات الحضارة ويتعامل مع الوافد كأنه واحد منهم، مشيرا إلى أن القراءات الجيدة تضيف لي، فالنقد في السعودية مختلف عن مصر ففي المملكة يعتمد النقد على إثارة النواقص في العمل الأدبي وليست التركيز على الإيجابيات، كما أنه لا يُحضر الكاتب أثناء مناقشة عمله الأدبي، ورواية «فوق الجاذبية» ناقشها الروائي هشام فياض وتساءل هل هذا العمل خيال علمي أم ميتافيزيقيا أم أدب رومانسي، موضحا الشدوي أن الكاتب حين يكتب الرواية لا يدخل في باله نوع العمل الذي يكتبه وفي العادة يستسهل الكثير من النقاد ويكتبون حسب الرؤية المسبقة لكن الليلة النقاد قرأوا بشكل جيد.

وتحدث الشدوي عن جيلين، الجيل الماضي والذى احتك بالثقافة العربية فقط وأخذ منها ما يكفيه إلا أن الجيل القادم هو من احتك بالثقافة الغربية ويعد منافسا عالميا وسواء كان أمنية أو تحقق فسوف ينافس عالميا وخاصة فى الثقافة.