حديث الأسبوع

إنها مجرد حقائق صادمة

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

 تمطرنا المنظمات الدولية المتخصصة في العديد من القضايا والمجالات بوابل من التقارير التي تكشف حجم وخطورة تداعيات جائحة كورونا على المجتمع البشرى على مختلف المستويات ، وتؤكد بذلك استحالة وضع حدود دقيقة لجغرافية هذه التداعيات ولحجم تأثيراتها على مختلف أوجه الحياة البشرية في العالم. طبعا لا يقتصر الأمر على طبيعة وخطورة الأسئلة الحارقة التى ستظل عملية صياغة مشاريع أجوبة مقنعة لها معلقة إلى أجل لا يملك أحد تحديد آجال معقولة له ، من قبيل متى يمكن القضاء بشكل نهائى على هذا الوباء وتعود الحياة إلى طبيعتها ؟ ومن قبيل أيضا ما يتعلق بالتحولات والمتغيرات التي يلقى بها هذا الفيروس في كل حين ؟ بل إن الأمر يتجاوز هذا السقف من خلال استعراض تفاصيل مخيفة لبعض من تفاصيل التداعيات التى شملت مستقبل البشرية جمعاء .
و أمامنا بهذه المناسبة رزمة من التقارير والوثائق التي تكشف بيانات وحقائق مقلقة وخطيرة فى هذا الصدد . فهذه منظمة ( أوكسفام ) غير الحكومية التى يوجد مقرها الرئيسى فى عاصمة الضباب التى أصدرت خلال الأسبوع الثانى من الشهر الجارى تقريرا حديثا، كشف أن جائحة كورونا تسببت فى زيادة بمقدار ستة أضعاف فى عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف تشبه المجاعة، وأكدت فى معطى صادم، أن حوالى 11 شخصا يموتون فى كل دقيقة بسبب الجوع وسوء التغذية، وهو عدد يتجاوز بكثير عدد الوفيات بسبب الوباء نفسه الذى يصل إلى سبعة أشخاص فى كل دقيقة.
وأضاف معدو التقرير الذين اختاروا له عنوان ( فيروس الجوع فى تكاثر ) أن مجموع الوفيات فى زمن الجائحة يرتفع بمعدلات عالية فى المناطق التى تعيش نزاعات، وأوضحت أن أعداد الجائعين فى النصف الأول من سنة 2021 وصلت إلى 155 مليون شخص، بزيادة 20 مليون شخص عما كان عليه الحال فى سنة 2020. كما يتحدث التقرير عن الأثر الهائل للصدمات الاقتصادية التى تفاقمت بشكلٍ خاص جراء انتشار جائحة كورونا وأزمة المناخ ، و هذا ما دفع عشرات الملايين من الأشخاص إلى الوقوع فى براثن الجوع ، كما أن ارتفاع معدلات البطالة الجماعية والاضطرابات القوية فى إنتاج الأغذية، أن كل هذا أدى إلى تسجيل ارتفاع فى أسعار المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 40 بالمائة، و تؤكد المنظمة أنه أعلى ارتفاع لها منذ أكثر من عقد من الزمان. و تفسير ذلك فى نظر المتخصصين يعود بالأساس إلى تدابير العزل والإغلاق التي حاولت الدول الاحتماء بها فى مواجهة الخطر الداهم ، مما تسبب في شل الأنشطة الإنسانية بشكل تام لفترة طويلة، وكان من الطبيعى أن تتأثر سلاسل الإنتاج و التخزين والنقل .و مهم أن نتوقف عند ما صرحت به المديرة التنفيذية لمنظمة ( أوكسفام )، حيث أماطت اللثام عن حقيقة مذهلة بالقول ، بأن الجائحة كشفت أيضا عن اللامساواة العميقة فى عالمنا، إذ ارتفعت ثروة أغنى عشرة أشخاص فى العالم، تسعة منهم رجال ، بمقدار 423 مليار دولار فى سنة 2020، وهو ما يفوق بـ 11 ضعفا الحاجة المعلنة من طرف الأمم المتحدة لضمان تمويل كامل لمساعداتها الإنسانية العالمية، و فى هذا التوضيح دلالة قوية على أنه من يمكن وصفهم بـ (أثرياء الجائحة )، أحسنوا استغلال وانتهاز الكارثة الإنسانية العالمية لمراكمة مزيد من الثروات.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد كشف هذا التقرير أن الظروف القاسية التى سادت العالم بسبب انتشار الوباء اللعين لم تحل دون ازدهار كبير فى تجارة الأسلحة ، حيث ارتفع الإنفاق العسكرى العالمى خلال سنة الوباء بمقدار 51 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يكفى لوحده لتغطية ستة أضعاف ونصف، ما تقول منظمة الأمم المتحدة إنها بحاجة إليه لوقف المجاعة فى العالم .
من جهة أخرى وقعت قبل أيام 350 منظمة دولية من مختلف أنحاء المعمور على رسالة مفتوحة موجهة إلى زعماء و رؤساء الدول الغنية، دعتهم من خلالها إلى زيادة المساعدات بشكلٍ عاجل لإنقاذ حياة ملايين الأشخاص من خطر المجاعة المتفاقمة بسبب الوباء، فى حين نبه الاتحاد الدولى للصليب الأحمر من جهته فى تقرير حديث له إلى أن أكثر من 100 مليون شخص فى قارة إفريقيا وحدها يواجهون مستويات وصفها بـ ( الكارثية ) جراء انعدام الأمن الغذائى. وموازاة مع ذلك أكد مسئولون فى منظمة الأمم المتحدة قبل أيام قليلة من اليوم أن السنة المقبلة بدأت تتشكل على هيئة ( كارثة إنسانية )، وطالبوا من جهتهم الدول الغنية بأن ( لا تسحق الدول الفقيرة فيما يتعلق بالتدافع من أجل ضمان اللقاحات لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد).
و لمواجهة هذه الأوضاع الكارثية فى العالم التى أضحت تهدد بحدوث اختلالات عميقة و خطيرة فى الحياة البشرية فوق سطح الأرض، تقدم منظمة ( أوكسفام ) رزمة من الاقتراحات التى يبدو أنها لن تجد آذانا صاغية، من قبيل دعوة حكومات الدول الغنية إلى ضمان تمويل عاجل للنداء الإنسانى الذى أطلقته الأمم المتحدة ، وأن يتكفل مجلس الأمن الدولى بمحاسبة جميع الذين يستخدمون التمويه كسلاح حرب، ولمنع الوفيات غيرالضرورية ودفع ملايين آخرين إلى براثن الفقر المدقع والجوع، وألحت المنظمة فى المطالبة بضرورة وقف وباء كورونا القاتل، مذكرة بأنه لم يسبق أن كان ضمان اللقاح للجميع أكثر إلحاحا من أى وقت مضى  كما دعتها إلى بناء نظم غذائية أكثر عدلا واستدامة و دعم البرامج الاجتماعية .
إن العالم يعيش فعلا مرحلة دقيقة مكتظة بمؤشرات الغموض والالتباس، تتهدده أخطار كثيرة و متعددة أفرزها فيروس صغير فى حجمه، لكن كبير وضخم فى تداعياته وفى تأثيراته، وما علينا إلا انتظار القادم من الزمن الذى سيكون مخالفا لما اعتدناه سابقا.
نقيب الصحفيين المغاربة